ابن عباس هو ابن عم الرسول، وابن عم علي، وكان أحد عماله الذي قال فيه الجعفر بن باقر: إن ابن عباس لما مات وأخرج خرج من كفنه طير أبيض يطير، ينظرون إليه يطير نحو السماء حتى غاب عنهم فقال (يعنى جعفر) وكان أبي يحبه حباً شديداً" ["رجال الكشي" تحت عنوان عبد الله بن عباس ص55 ط كربلاء].
ويقول عنه المفيد [هو محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، ولد سنة 338، ومات في بغداد سنة 413، وصلى عليه السيد المرتضى، واشتهر بالمفيد، "لأن الغائب المهدي لقبه به" – كما يزعمون – (معالم العلماء ص101).
"وكان من أجلّ مشائخ الشيعة، ورئيسهم وأستاذهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت رياسة الإمامية في وقته.. له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار" ("روضات الجنات" ج6 ص153).
ويقولون: إن إمام العصر (الغائب المزعوم) خاطبه في كتابه بالأخ السديد، والمولى الرشيد "أيها المولى المخلص في ودنا، الناصر لنا، وملهم الحق ودليله، العبد الصالح، الناصر للحق، الداعي إليه بكلمة الصدق" (مقدمة الإرشاد ص4)]: كان أمير المؤمنين يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبد الله بن العباس" ["الإرشاد" ص14].
فهذا ابن عباس يقول وهو يذكر الصديق: رحم الله أبا بكر، كان والله للفقراء رحيماً، وللقرآن تالياً، وعن المنكر ناهياً، وبدينه عارفاً، ومن الله خائفاً، وعن المنهيات زاجراً، وبالمعروف آمراً. وبالليل قائماً، وبالنهار صائماً، فاق أصحابه ورعاً وكفافاً، وسادهم زهداً وعفافاً" ["ناسخ التواريخ" ج5 كتاب2 ص143، 144 ط طهران].
هذا ويقول ابن أمير المؤمنين عليّ ألا وهو الحسن نعم! الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند القوم، والذي أوجب الله اتباعه على القوم حسب زعمهم - يقولفيالصديق، وينسبه إلى رسول الله عليه السلام أنه قال: إن أبا بكر مني بمنزلة السمع" ["عيون الأخبار" ج1 ص313، أيضاً "كتاب معاني الأخبار" ص110 ط إيران].
وكان حسن بن علي رضي الله عنهما يؤقر أبا بكر وعمر إلى حد حتى جعل من إحدى الشروط على معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما "إنه يعمل ويحكمفيالناس بكتاب، وسنة رسول الله، وسيرة الخلفاء الراشدين ، - وفي النسخة الأخرى - الخلفاء الصالحين" ["منتهى الآمال" ص212 ج2 ط إيران].
وأما الإمام الرابع للقوم علي بن الحسن بن علي، فقد روى عنه أنه جاء إليه نفر من العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: ألا تخبروني أنتم ] المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً أولئك هم الصادقون [؟ قالوا: لا، قال: فأنتم ] الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: ] يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا [، اخرجوا عني، فعل الله بكم" ["كشف الغمة" للأربلي ج2 ص78 ط تبريز إيران].
وأما ابن زين العابدين محمد بن على بن الحسين الملقب بالباقر - الإمام الخامس المعصوم عند الشيعة - فسئل عن حلية السيف كما رواه علي بن عيسى الأربلي [الأربلي هو بهاء الدين أبو الحسن علي بن الحسين فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الأربلي، ولد في أوائل القرن السابع من الهجرة ببلدة الأربل قرب الموصل، ومات ببغداد سنة 693، قال عنه القمي: الأربلي من كبار العلماء الإمامية، العالم الفاضل، الشاعر الأديب، المنشى النحرير، المحدث الخبير، الثقة الجليل، أبو الفضائل والمحاسن، والحجة، صاحب "كشف الغمة في معرفة الأئمة"، فرغ من تصنيفه سنة 687.. وله شعر كثير في مدح الأئمة (ع) ذكر جملة منه في "كشف الغمة"، وكتابه كشف الغمة كتاب نفيس، جامع، حسن" (الكنى والألقاب ج2 ص14، 15 ط قم إيران).
وقال الخوانساري: كان من أكابر محدثي الشيعة، وأعاظم علماء المائة السابعة.. واتفق جميع الإمامية على أن علي بن عيسى من عظمائهم، والأوحدي النحرير، من جملة علمائهم، لا يشق غباره، وهو المعتمد المأمون في النقل" (روضات الجنات ج4 ص341، 342)] في كتابه "كشف الغمة":
"عن أبى عبد الله الجعفي عن عروة بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن حلية السيف؟ فقال: لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، قال: قلت: وتقول الصديق؟ فوثب وثبة، واستقبل القبلة، فقال: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة" ["كشف الغمة" ج2 ص147].
ولم يقل هذا إلا لأن جده رسول الله r الناطق بالوحي سماه الصديق كما رواه البحراني الشيعي في تفسيره "البرهان" عن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لما كان رسول الله rفيالغار قال لأبي بكر: كأني أنظر إلى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر، وانظر إلى الأنصار محبتين (مخبتين خ)فيأفنيتهم، فقال أبو بكر: وتراهم يا رسول الله؟ قال: نعم! قال: فأرنيهم، فمسح على عينيه فرآهم، فقال له رسول الله r أنت الصديق" ["البرهان" ج2 ص125].
ويروي الطبرسي [هو أبو المنصور أحمد بن علي بن أبي طالب من أهل الطبرستان "فهذا الرجل من أجلاء أصحابنا المتقدمين، وله كتاب "الاحتجاج" كتاب معروف معتبر بين الطائفة، وقد ذكره أيضاً في "أمل الآمل" وقال: عالم فاضل، محدث ثقة، له كتاب الاحتجاج حسن، كثير الفوائد" (روضات الجنات ج1 ص65).
الطبرسي "الشيخ العالم الفاضل الكامل النبيل، الفقيه، المحدث الثقة الجليل" (الكنى والألقاب ج2 ص404)] عن الباقر أنه قال: ولست بمنكر فضل أبى بكر، ولست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر" ["الاحتجاج" للطبرسي ص230 تحت عنوان "احتجاج أبي جعفر بن علي الثاني في الأنواع الشتى من العلوم الدينية" ط مشهد كربلاء].
ثم ابنه أبو عبد الله جعفر الملقب بالسادس - الإمام المعصوم السادس حسب زعم القوم - سئل عن أبى بكر وعمر كما رواه القاضي نور الله الشوشترى [هو نور الله بن شرف الدين الشوشتري من علماء الشيعة الأعلام في الهند، كان قاضياً بلاهور في عهد جهانغير أحد سلاطين المغول.
:كان محدثاً، متكلماً، محققاً فاضلاً نبيلاً، علامة، له كتب في نصرة المذهب ورد المخالف، وقتل بتهمة الرفض في دولة جهانغي باكبر آباد – في القرن الحادي عشر – ويطلق عليه الشهيد الثالث" (روضات الجنات ج8 ص160)]. الشيعي الغالي، الذي قتل سنة 1019 "إن رجلاً سأل عن الإمام الصادق عليه السلام، فقال: يا ابن رسول الله! ما تقول في حق أبى بكر وعمر؟ فقال عليه السلام: إمامان عادلان قاسطان، كانا على حق، وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة" ["إحقاق الحق" للشوشتري ج1 ص16 ط مصر].
وروى عنه الكلينيفيالفروع حديثاً طويلاً ذكر فيه "وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له: أوصِ، فقال: أوصي بالخمس والخمس كثير، فإن الله تعالى قد رضي بالخمس، فأوصي بالخمس، وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته، ولو علم أن الثلث خير له أوصى به، ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما، فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل. فقيل له: يا أبا عبد الله! أنت في زهدك تصنع هذا، وأنت لا تدرى لعلك تموت اليوم أو غداً؟ فكان جوابه أن قال: مالكم لا ترجون لي بقاء كما خفتم على الفناء، أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت، وأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم، وأنزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحر لهم الجزور أو من الشياه على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم، فيقسمه بينهم، ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله r ما قال" [كتاب المعيشة "الفروع من الكافي" ج5 ص68].
فأثبت أن منزلة الصديقفيالزهد من بين الأمة المنزلة الأولى، وبعده يأتي أبو ذر وسلمان.
وروى عنه الأربلي أنه كان يقول: "لقد ولدنى أبو بكر مرتين" ["كشف الغمة" ج2 ص161].
لأن "أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر وأمها (أي أم فروة) أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر" ["فرق الشيعة" للنوبختي ص78].
ويروي السيد مرتضى في كتابه "الشاف" عن جعفر بن محمد أنه كان يتولاهما، ويأتي القبر فيسلم مع تسليمه على رسول الله r " ["كتاب الشافي" ص238، أيضاً "شرح نهج البلاغة" ج4 ص140 ط بيروت].
ويطول الكلام وما أروعه وأجمله، ولكن نحن نختصر الطريق، فنأتي إلى الإمام الأخير الموجود عند القوم وهو حسن بن على الملقب بالحسن العسكري - الإمام الحادي عشر المعصوم - فيقول وهو يسرد واقعة الهجرة أن رسول الله بعد أن سأل علياً رضي الله عنه عن النوم على فراشه قال لأبى بكر رضي الله عنه: أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعيه فتحمل عني أنواع العذاب؟ قال أبو بكر: يا رسول الله! أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل عليّ موت صريح ولا فرح ميخ وكان ذلك في محبتك لكان ذلك أحب إلى من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع مماليك ملوكهافيمخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلا فداءك، فقال رسول الله r : لا جرم أن اطلع الله على قلبك، ووجد موافقاً لما جرى على لسانك جعلك مني بمنزلة السمع والبصر، والرأس من الجسد، والروح من البدن" ["تفسير الحسن العسكري" ص164، 165 ط إيران].
هذا ولقد سردنا الروايات، ونقلناها من كتب القوم أنفسهم عن محمد رسول الله إمام الكونين ورسول الثقلين فداه أبواي وروحي r، وعن علي بن أبى طالب رضي الله عنه - الإمام الأول المعصوم إلى الإمام الأخير الظاهر حسب زعمهم - وإكمالاً للبحث، وإتماماً للفائدة نريد أن نروي ههنا روايتين آخرين نقلت من أهل بيت علي أيضاً ومن كتب القوم أنفسهم.
فالأولى من زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب شقيق محمد الباقر وعم جعفر الصادق الذي قيل فيه: كان حليف القرآن" ["الإرشاد" للمفيد ص268 تحت عنوان "ذكر أخوته" – أي الباقر -].
"واعتقد كثير من الشيعة فيه بالإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف" ["الإرشاد" للمفيد ص268].
ويقول أبو الفرج الأصفهاني الشيعي [هو أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد ولد بأصفهان سنة 284 ثم انتقل إلى بغداد، ونشأ فيها وترعرع، وبلغ المناصب، مات سنة 356، وصار مقرباً محبباً إلى بني بويه، ولعل من أسباب تلك الحظوة اتفاقهم في التشيع، وله مصنفات كثيرة مشهورة في الأدب والشعر، ومن أشهرها "الأغاني" و"مقاتل الطالبين" ذكره محسن الأمين في طبقات الشعراء من الشيعة وفي طبقات المؤرخين. (أعيان الشيعة ج1 ص175)]. نقلاً عن الأشناني عن عبد الله بن جرير أنه قال: رأيت جعفر بن محمد (أي الجعفر الصادق) يمسك لزيد بن علي بالركاب، ويسوى ثيابه على السرج ["مقاتل الطالبين" للأصفهاني ص129 ط دار المعرفة بيروت].
فهذا هو زيد بن زين العابدين بن الحسين وقد سئل عن أبى بكر كما يذكر صاحب ناسخ التواريخ ["ناسخ التواريخ" للمرزا تقي خان سيبهر معاصر الشاه ناصر الدين وابنه مظفر الدين، له ناسخ التواريخ فارسي مطبوع لم يعمل مثله ("أعيان الشيعة" تحت عنوان طبقات المؤرخين قسم1 ج2 ص132)] الشيعي "إن ناساً من رؤساء الكوفة وأشرافها الذين بايعوا زيداً حضروا يوماً عنده، وقالوا له: رحمك الله، ماذا تقول في حق أبي بكر وعمر؟ قال: ما أقول فيهما إلا خيراً كما لم أسمع فيهما من أهل بيتي (بيت النبوة) إلا خيراً، ما ظلمانا ولا أحد غيرنا، وعملاً بكتاب الله وسنة رسوله" ["ناسخ التواريخ" ج2 ص590 تحت عنوان "أحوال الإمام زين العابدين"].
ويقول: لما سمع أهل الكوفة منه هذه المقالة رفضوه، ومالوا إلى الباقر، فقال زيد: رفضونا اليوم، ولذلك سموا هذه الجماعة بالرافضة" ["ناسخ التواريخ" ج2 ص590].
والرواية الثانية، والرأي الثاني من شخص نسجت الشيعة حوله الأساطير أي سلمان الفارسي الذي قيل فيه: سلمان المحمدي، ذلك رجل منا أهل البيت و"إن سلمان من أهل البيت" ["رجال الكشي" ص18، 20 ط الأعلمي كربلاء].
و "كان الناس أهل ردة بعد النبي r إلا ثلاثة، المقداد وأبو ذر وسلمان رحمة الله وبركاته عليهم" ["الروضة من الكافي" ج8 ص245].
وقال فيه علي: إن سلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً" ["رجال الكشي" ص70].
فهذا السلمان يقول: إن رسول الله كان يقول في صحابته: ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه" ["مجالس المؤمنين" للشوشتري ص89].
هذا وكان رسول الله r حريصاً عليه إلى هذا الحد بأن أبا بكر لما أراد مبارزة ابنه يوم بدر وهو فارس، مدجج، منعه رسول الله r عن ذلك بقوله: شم سيفك، وارجع إلى مكانك، ومتعنا بنفسك" ["كشف الغمة" ج1 ص190] وجعل بقاءه متعة له عليه الصلاة والسلام. فهذا آخر ما أردنا إدراجه في هذا الباب.
خلافة الصديق
وبعد ما ذكرنا أهل بيت النبي وموقفهم وآرائهم تجاه سيد الخلق بعد أنبياء الله ورسله أبي بكر الصديق رضي الله عنه نريد أن نذكر أنه لم يكن خلاف بينه وبين أهل البيت في مسألة خلافة النبي وإمارة المؤمنين وإمامة المسلمين، وأن أهل البيت بايعوه كما بايعه غيرهم، وساروا في مركبه، ومشوا في موكبه، وقاسموه هموم المسلمين وآلامهم، وشاركوهفيصلاح الأمة وفلاحها، وكان علي رضي الله عنه أحد المستشارين المقربين إليه، يشترك في قضايا الدولة وأمور الناس، ويشير عليه بالأنفع والأصلح حسب فهمه ورأيه. ويتبادل به الأفكار والآراء، لا يمنعه مانع ولا يعوقه عائق، يصلي خلفه، ويعمل بأوامره، ويقضي بقضاياه، ويستدل بأحكامه ويستند، ثم ويسمي أبنائه بأسمائه حباً له وتيمناً باسمه وتودداً إليه.
وفوق ذلك كله يصاهر أهل البيت به وبأولاده، ويتزوجون منهم ويزوجون بهم، ويتبادلون ما بينهم التحف والصلات، ويجري بينهم من المعاملات ما يجري بين الأقرباء المتحابين والأحباء المتقاربين، وكيف لا؟ وهم أغصان شجرة واحدة وثمرة نخل واحدة، لا كما يظنه أبناء اليهودية البغيضة، ومكايدين للأمة المحمدية المجيدة، والحاسدين الناقمين على حملة الإسلام ومعلني كلمته ورافعي رايته.
أما خلافة الصديق رضي الله عنه فبصحتها وانعقادها وقيامها يستدل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقادها كما يذكر وهو يردّ على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أمير الشام "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى" ["نهج البلاغة" ص366، 367 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح].
وقال: إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار للناس قل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار" ["ناسخ التواريخ" ج3 الجزء2].
وهذا النص واضح في معناه، لا غموض فيه ولا إشكال بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين، فإنهم اجتمعوا على أبي بكر وعمر، فلم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، كما ذكرنا قريباً روايتين عن علي بن أبى طالب في الغارات للثقفي [هو أبو إسحاق إبراهيم الثقفي الكوفي الأصبهاني الشيعي، ولد في حدود المائتين أو قبلها بسنين، ومات بأصبهان سنة 283ه، هو من أجلاء الرواة المؤلفين للشيعة كما ذكره النوري الطبرسي "وأما إبراهيم الثقفي المعروف الذي اعتمد عليه الأصحاب فهو من أجلاء الرواة المؤلفين كما يظهر من ترجمته، ويروي عنه الأجلاء" (المستدرك ج3 ص549، 550).
وسماه الخوانساري في روضات الجنات "الشيخ المحدث" المروج الصالح السديد أبو إسحاق إبراهيم الثقفي الأصفهاني صاحب كتاب "الغارات" الذي ينقل عنه في "البحار" كثيراً (ص4). "وله نحواً من خمسين مؤلفاً لطيفاً" (أعيان الشيعة، القسم 2 ص103)] بأن الناس انثالوا على أبي بكر، وأجفلوا إليه، فلم يكن إلا أن يقر ويعترف بخلافته وإمامته.
وهناك رواية أخرى في غير "الغارات" تقر بهذا عن علي أنه قال وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة: رضينا عن الله قضائه، وسلمنا لله أمره …. فنظرتفيأمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري" ["نهج البلاغة" ص81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح].
ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق، وبايعه كما بايعه المهاجرون والأنصار، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ولا يتقي الناس، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعي التقية حسب أوهام القوم، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول: فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر، فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث … فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدد ويسر وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهداً" ["منار الهدى" لعلي البحراني الشيعي ص373، أيضاً "ناسخ التواريخ" ج3 ص532].
ولأجل ذلك رد على بن أبي سفيان وعباس حينما عرضا عليه الخلافة لأنه لا حق له بعد ما انعقدت للصديق كما مر بيانه.
وفيما كتب إلى أمير الشام معاوية بن أبى سفيان أقرّ أيضاً بخلافة الخليفة الأول الصديق وأفضليته، ودعا له بعد موته بالمغفرة والإحسان، وتأسف على انتقاله إلى ربه كما يكتب "وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعواناً أيّدهم به، فكانوافيمنازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق وخليفة الخليفة الفاروق" ولعمري أن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصائب بهما لجرح في الإسلام شديد يرحمهما الله، وجزاهم الله بأحسن ما عملا" [ابن ميثم شرح نهج البلاغة ط إيران ص488].
وروى الطوسي ["هو محمد بن الحسن بن علي الطوسي ولد سنة 385، ومات في 460 بنجف، ويلقب بشيخ الطائفة" (تنقيح المقال ص105 ج3).
"هو عماد الشيعة، ورافع أعلام الشيعة، شيخ الطائفة على الإطلاق، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق، صنف في جميع علوم الإسلام، وكان القدوة في ذلك والإمام، وقد ملأت تصانيفه الأسماع، تلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وغيرهم" (الكنى والألقاب ج2 ص357).
هو من مصنفي الكتابين من الصحاح الأربعة "التهذيب" و"الاستبصار".
"وصنف في كل فنون الإسلام، وهو المهذب للعقائد والأصول والفروع، وجميع الفائل تنسب إليه" (روضات الجنات ج6 ص216)] عن علي أنه لما اجتمع بالمهزومينفيالجمل قال لهم: فبايعتم أبا بكر، وعدلتم عني، فبايعت أبا بكر كما بايعتموه …..، فبايعت عمر كما بايعتموه فوفيت له بيعته ….. فبايعتم عثمان فبايعته وأنا جالس في بيتي، ثم أتيتموني غير داع لكم ولا مستكره لأحد منكم [هل الخلافة منصوصة؟ وفيه دليل واضح أن علي بن أبي طالب لم يكن يعتقد بأن الخلافة والإمامة لا تنعقد إلا بنص و"إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد" (الأصول من الكافي، كتاب الحجة ج1 ص277).
"وإنه عهد من رسول الله إلى رجل فرجل" (الأصول من الكافي ج1 ص277).
وانظر لتفصيل ذلك كتب القوم "أصل الشيعة وأصولها" لمحمد حسين آل كاشف الغطاء، و"الاعتقادات" لابن بابويه القمي، و"الألفين" للحلي، و"بحار الأنوار" للمجلسي وغيره.
لأنه لو كان يعتقد هذا لما اعتقد لأبي بكر الخلافة، ولم يدخل في مستشاريه وفوق ذلك لم يقل لأهل الجمل هذه الجمل التي نقلناها منه "ثم أتيتموني غير داع لكم" ولأنه لو كان إماماً من الله لم يزل دعوتهم إليه، ولم يقل لهم قبل ذلك حينما دعوه إلى البيعة له بعد قتل عثمان ذي النورين رضي الله عنه: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول – إلى أن قال – وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" (كلام علي لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان، نهج البلاغة خطبه 92 ص136 ط بيروت).
وهل هناك دليل أصدق من كلامه بأنه لم يكن يريد الخلافة التي يعد الشيعة منكريها أكفر من اليهود والمجوس والنصارى والمشركين كما يقول مفيدهم: اتفقت إمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة، وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر، مستحق للخلود في النار" ["بحار الأنوار" للمجلسي ج23 ص390 نقلاً عن "المفيد"].
ويقول الكليني محدثهم الأكبر: إن قول الله تعالى: "سأل سائل بعذاب واقع للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع" هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد r " [كتاب الحجة من الأصول في الكافي ج1 ص422].
وقال منتسباً كذباً وزوراً إلى محمد الباقر أنه قال: إنما يعيد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً، قلت: جعلت فداك، فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله r ، وموالاة علي والائتمام به وبأئمة الهدى عليهم السلام، والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم [باب معرفة الإمام والرد إليه من الأصول في الكافي ج1 ص180].
وعلى ذلك يقول الصدوق ابن بابويه القمي مصرحاً: اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة إنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، وأنكر نبوة نبينا محمد" ["الاعتقادات" للقمي ص130].
فما العمل حينما علي بن أبي طالب نفسه ينكر الإمامة، والنص من أقدس كتب القوم، الذين ينكرون القرآن، ويقولون بالتحريف والتغيير والتبديل فيه (كما بيناه بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة من كتب القوم أنفسهم في كتابنا "الشيعة والسنة" عملاً بقول القائل: من فمك أدينك).
نعم! من أقدس كتبهم ألا وهو "نهج البلاغة" حيث يقول على المرتضى رضي الله عنه نفسه عن نفسه أن أكون مقتدياً خير لي من أن أكون إماماً، فلنكرر قوله مرة ثانية: دعوني، والتمسوا غيري، فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" ["نهج البلاغة" خطبه 92 ص136 ط بيروت].
ويؤيد ذلك أن علياً لم يكن يرى الأمر كما يراه المتزعمون لولايته ما رواه ابن أبي الحديد عن عبد الله بن عباس أنه قال: خرج علي عليه السلام على الناس من عند رسول الله r في مرضه، فقال له الناس: كيف أصبح رسول الله r يا أبا حسن؟ قال: أصبح بحمد الله بارئاً قال: فأخذ العباس بيد علي، ثم قال: يا علي! أنت عبد العصا بعد ثلاث أحلف لقد رأيت الموت في وجهه، وإني لأعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب، فانطلق إلى رسول الله r فاذكر له هذا الأمر إن كان فينا أعلمنا، وإن كان فير غيرنا أوصى بنا، فقال: لا أفعل والله إن منعناه اليوم لا يؤتيناه الناس بعده، قال: فتوفي رسول الله r ذلك اليوم" ["شرح نهج البلاغة" ج1 ص132].
وقد نص ابن أبي الحديد بعد ذكر أخبار السقيفة وبيعة أبي بكر "واعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جداً ومن تأملها وأنصف علم أنه أنه لم يكن هناك نص صريح ومقطوع لا تختلجه الشكوك، ولا يتطرق إليه الاحتمالات" ["شرح نهج البلاغة" ج1 ص135].
وقال أيضاً رضي الله عنه مخاطباً طلحة والزبير، والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها" [نهج البلاغة ص322].
هذا ومثل ذلك روى نصر بن مزاحم [هو أبو الفضل نصر بن مزاح التميمي الكوفي الملقب بالعطار "إنه من جملة الرواة المتقدمين، بل الواقعة في درجة التابعين وطبقة الثلاثة الأوائل من الأئمة الطاهرين" (روضات الجنات ج8 ص166).
وقال النجاشي: مستقيم الطريقة، صالح الأمر، صاحب كتاب "صفين" و"الجمل" و"مقتل الحسين" وغيرها من الكتب (النجاشي ص301 و302)] الشيعي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أرسل حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن سمط ومعن بن يزيد ليطالبوه بقتلة عثمان ذي النورين رضي الله عنه، فرد عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد الحمدلة والبسملة "أما بعد! فإن الله بعث النبي r ، فأنقذ به من الضلالة وأنعش به من المهلكة وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه، ثم استخلف أبو بكر عمر وأحسنا السيرة، وعدلا في الأمة.. ثم ولي أمر الناس عثمان، فعلم بأشياء عابها الناس عليه، فسار إليه ناس فقتلوه، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم، فقالوا لي: بايع، فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع، فإن الأمة لا ترضى إلا بك، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس، فبايعتهم" ["كتاب صفين" ط إيران ص105].
ولقد ذكر المؤرخ الشيعي أن أبا بكر رضي الله عنه لما أراد استخلاف عمر بعده اعترض عليه بعض من الناس. فقال علي لطلحة، و استخلف أبو بكر أحداً غير عمر لما نطيعه ("تاريخ روضة الصفا" فارسي ص206 ط بمبئي)] فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر وعثمان، فما جعلكم أحق أن تفوا لأبى بكر وعمر وعثمان ببيعتهم منكم ببيعتي" ["الأمالي" لشيخ الطائفة الطوسي ج2 ص121 ط نجف].
والطبرسي أيضاً ينقل عن محمد الباقر ما يقطع أن علياً كان مقراً بخلافته، ومعترفاً بإمامته، ومبايعاً له بإمارته كما يذكر أن أسامة بن زيد حب رسول الله لما أراد الخروج انتقل رسول الله إلى الملأ الأعلى فلما وردت الكتاب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما أرى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبى طالب (ع) فقال: ما هذا ؟ قال له علي (ع) هذا ما ترى، قال أسامة: فهل بايعته؟ فقال: نعم" ["الاحتجاج" للطبرسي ص50 ط مشهد عراق].
ولقد أقر بذلك شيعي متأخر وإمام من أئمة القوم محمد حسين آل كاشف الغطاء بقوله: لما ارتحل الرسول من هذه الدار إلى دار القرار، ورأى جمع من الصحابة أن لا تكون الخلافة لعلي إما لصغر سنه أو لأن قريشاً كرهت أن تجتمع النبوة والخلافة لبني هاشم – إلى أن قال – وحين رأى أن الخليفة الأول والثاني بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجيوش وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدوا بايع وسالم" ["أصل الشيعة وأصولها" ط دار البحار بيروت 1960 ص91].
وبقي سؤال فلماذا تأخر عن البيعة أياماً؟ يجيب عليه ابن أبي الحديد "ثم قام أبو بكر، فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة، وأيم الله! ما حصرت عليها يوم قط، ولقد قلدت أمراً عظيماً مالي به طاقة ولا يدان، ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني، وجعل يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره، وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله r بالصلاة بالناس وهو حي" ["شرح نهج البلاغة" لأبي أبي الحديد ج1 ص132].
وأورد ابن أبي الحديد رواية أخرى في شرحه عن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي قال: كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله r على اليمين، فلما قبض رسول الله r جاء المدينة وقد بايع الناس أبا بكر، فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياماً وقد بايع الناس وأتى بنى هاشم الظهر والبطن والشعار دون الدثار والعصادون اللحا، فإذا رضيتم رضينا وإذا سخطتم سخطنا حدثوني إن كنتم قد بايعتم هذا الرجل قالوا: نعم! قال علي: برد ورضا من جماعتكم قالوا: نعم! قال: فأنا أرضى وأبايع إذا بايعتم أما والله! يا بني هاشم إنكم لطوال الشجر الطيب الثمر، ثم إنه بايع أبا بكر" ["شرح نهج البلاغة" ج1 ص134، 135].
إقتداء علي بالصديقفيالصلوات وقبوله الهدايا منه
هذا ونذكر بعد ذلك أن علياً رضي الله عنه كان راضياً بخلافة الصديق ومشاركاً لهفيمعاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا، رافعاً إليه الشكاوى، مصلياً خلفه، عاملاً معه المحبة والأخوة، محباً له، مبغضاً من يبغضه.
وشهد بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين وأصحاب النبي r ومن تبعهم بهديهم، وسلك بمسلكهم، ونهج بمنهجهم.
فالرواية الأولى التي سقناها قبل ذلك أن علياً قال للقوم حينما أرادوه خليفة وأميراً: وأنا لكم وزيراً خير لكم منى أميراً" ["نهج البلاغة" ص136 تحقيق صبحي صالح].
ويذكرهم بذلك أيام الصديق والفاروق حينما كان مستشاراً مسموعاً، ومشيراً منفذاً كلمته كما يروي اليعقوبي [هو أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر الكاتب العباسي الشيعي، "كان جده من موالي أبي المنصور، وكان رحالة يحب الأسفار، ساح في بلاد الإسلام شرقاً وغرباً، ودخل أرمينية سنة 260، ثم رحل إلى الرمنه وعاد إلى مصر وبلاد المغرب، فألف في سياحة البلاد "كتاب البلدان"، وله تاريخ معروف بالتاريخ اليعقوبي إلى غير ذلك، توفي سنة 284" (الكنى والألقاب ج3 ص246).
"وأما صاحب الأعيان فعده في طبقات المؤرخين من الشيعة" (أعيان الشيعة)] الشيعي الغالي في تاريخه وهو يذكر أيام خلافة الصديق "وأراد أبو بكر أن يغزو الروم فشارو جماعة من أصحاب رسول الله، فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن أبى طالب فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير، فقام أبو بكر في الناس خطيباً، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم ["تاريخ اليعقوبي" ص132، 133 ج2 ط بيروت 1960م].
وفى رواية "سأل الصديق علياً كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي حيث سمعته يبشر بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن! يسرّك الله" ["تاريخ التواريخ" ج2 كتاب 2 ص158 تحت عنوان "عزام أبي بكر"].
ويقول اليعقوبي أيضاً: وكان ممن يؤخذ عنه الفقه في أيام أبى بكر علي بن أبى طالب وعمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود" ["تاريخ اليعقوبي" ص138 ج2].
فقدم علياً على جميع أصحابه، وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم وتقديمهم علياً في المشورة [وفي هذا المعنى توجد روايات كثيرة عندنا أن أبا بكر استشار أصحابه في مسائل ومشاكل وفيمن استشارهم كان علياً رضي الله عنه، فقدم رأيه على آرائهم، انظر لذلك البداية والنهاية لابن الكثير ورياض النضرة لمحب الطبري وكنز العمال وتاريخ الملوك والأمم للطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها من الكتب، ولكنا لما عاهدنا أن لا نذكر شيئاً إلا من كتب القوم أعرضنا عن سردها] والقضاء.
ويؤيد ذلك الشيعي الغالي محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد حيث بوّب باباً خاصاً في كتابه "الإرشاد" قضايا أمير المؤمنين عليه السلام في إمارة أبي بكر.
ثم ذكر عدة روايات عن قضايا علي في خلافة أبي بكر، ومنها "إن رجلاً رفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحد فقال له: إني شربتها ولا علم لي بتحريمها لأني نشأت بين قوم يستحلونها ولم أعلم بتحريمها حتى الآن فارتج علي أبي بكر الأمر بالحكم عليه ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعض من حضر أن يستخبر أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير المؤمنين: مر رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار ويناشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله r ؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخلّ سبيله، ففعل ذلك أبو بكر فلم يشهد أحد من المهاجرين والأنصار أنه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله r بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلى سبيله وسلم لعلي (عليه السلام) في القضاء به" ["الإرشاد" للمفيد ص107 ط إيران].
هذا وكان يتمثل أوامره كما حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة الطغاة، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة الإسلام والمسلمين، فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر علياً والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحراس، وبقوا ذلك حتى أمنوا منهم" ["شرح نهج البلاغة" ج4 ص228 تبريز].
وللتعامل الموجود بينهم، وللتعاطف والتوادد والوئام الكامل كان علىّ وهو سيد أهل البيت ووالد سبطي الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتقبل منه الهدايا دأب الأخوة المتشاورين ما بينهم والمتحابين كما قبل الصهباء الجارية التي سبيتفيمعركة عين التمر، وولدت له عمر ورقية "وأما عمر ورقية فإنهما من سبيئة من تغلب يقال لها الصهباء سبيتفيخلافة أبى بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر" ["شرح نهج البلاغة" ج2 ص718، أيضاً "عمدة الطالب" ط نجف ص361].
"وكانت اسمها أم حبيب بنت ربيعة" ["الإرشاد" ص186].
وأيضاً منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أسرت مع من أسر في حرب اليمامة وولدت له أفضل أولاده بعد الحسنين محمد بن الحنفية.
"وهى من سبي أهل الردة وبها يعرف ابنها ونسب إليها محمد بن الحنفية" ["عمدة الطالب" الفصل الثالث ص352، أيضاً "حق اليقين" ص213].
كما وردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية والخمس وأموال الفيء من الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان علي هو القاسم والمتولي في عهده على الخمس والفيء [ولقد ورد في أبي داؤد عن علي رضي الله عنه أنه قال: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي r ، فقلت يا رسول الله! إن رأيت أن توليني حقناً من هذا الخمس في كتاب الله عز وجل فاقسمه حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فافعل، قال: ففعل ذلك قال: فقسمته حياة رسول الله r ، ثم ولانيه أبو بكر حتى إذا كان آخر سنة من سني عمر رضي الله عنه فإنه أتاه مال كثير، فعزل حقنا ثم أرسل إلي، فقلت: بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فأردده عليهم، فرده عليهم" [أبو داؤد كتاب الخراج، فمسند أحمد مسندات علي)]، وكانت هذه الأموال بيد علي، ثم كانت بيد الحسن، ثم بيد الحسين، ثم الحسن بن الحسن، ثم زيد بن الحسن" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحدد ج4 ص118].
هذا وكان يؤدي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصديق، راضياً بإمامته، ومظهراً للناس اتفاقه ووئامه معه" ["الاحتجاج" للطبرسي 53، أيضاً كتاب سليم بن قيس ص253، أيضاً "مرآة العقول" للمجلسي ص388 ط إيران].
وقال الطوسي في صلاة علي خلف أبى بكر: فذاك مسلم لأنه الظاهر" ["تلخيص الشافي" ص354 ط إيران].
مساعدة الصديق في تزويج علي من فاطمة
وكان للصديق مَنّ على عليّ المرتضى رضي الله عنهما حيث توسط له في زواجه من فاطمة رضي الله عنها وساعده فيه، كما كان هو أحد الشهود على نكاحه بطلب من رسول الله r مما يرويه أحد أعاظم القوم ويسمى بشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: سمعت علي بن أبى طالب يقول: أتاني أبو بكر وعمر، فقالا: لو أتيت رسول الله r فذكرت له فاطمة، قال: فأتيته، فلما رآني رسول الله r ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا علي وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي، فقال يا علي! صدقت، فأنت أفضل مما تذكر، فقلت: يا رسول الله! فاطمة تزوجنيها" ["الأمالي" للطوسي ج1 ص38].
وأما المجلسي الذي لا يستطيع أن يذكر أصحاب النبي وخاصة الصديق والفاروق إلا ويسبق ذكرهم بالسباب القبيحة والشتائم الفضيحة والألقاب الخبيثة الرديئة مثل "الملاعين" و"مسودي الوجوه" و"الشياطين" - عياذاً بالله - كما سيأتي بيانهافيمحلها، فالمجلسي اللعان هذا يذكر هذه الواقعة ويزيدها بياناً ووضوحاً حيث يقول: في يوم من الأيام كان أبو بكر وعمر وسعد بن معاذ جلوساً في مسجد رسول الله r، وتذاكروا ما بينهم بزواج فاطمة [كم كان أصحاب رسول الله الصادق الأمين عليه السلام البررة يتفكرون في أمور النبي r، ويهمهم ما كان يهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه لحبهم النبي، ووفائهم به، ما أجمل المطاع وما أحسن الاتباع] عليها السلام.
فقال أبو بكر: أشراف قريش طلبوا زواجها عن النبي ولكن الرسول قال لهم بأن الأمرفيذلك إلى الله - ونظن أنها لعلي بن أبي طالب - وأما علي بن أبي طالب فلم يتقدم بطلبها إلى رسول الله لأجل فقره وعدم ماله، ثم قال أبو بكر لعمر وسعد: هيا بنا إلى علي بن أبي طالب لنشجعه ونكلفه بأن يطلب ذلك من النبي، وإن مانعه الفقر نساعده في ذلك [وكم كانوا رحماء بينهم، متوادين، متحابين، متعاطفين رغم أنوف القوم وزعمهم؟] فأجاب سعد ما أحسن ما فكرت به، فذهبوا إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام …… فلما وصلوا إليه سألهم ما الذي أتى بكم في هذا الوقت؟ قال أبو بكر: يا أبا الحسن! ليس هناك خصلة خير إلا وأنت سابق بها …… فما الذي يمنعك أن تطلب من الرسول ابنته فاطمة، فلما سمع عليّ هذا الكلام من أبي بكر نزلت الدموع من عينيه وسكبت، وقال: قشرت جروحي ونبشت وهيجت الأماني والأحلام التي كتمتها [وليس عند القوم حياء حتى يختلقون القصص كهذه قصصاً خرافية، وعبارت سافلة منحطة، وينسبونها إلى الشخصيات المباركة المقدسة؟ أهم منتهون؟] منذ أمد، فمن الذي لا يريد الزواج منها؟، ولكن يمنعني من ذلك فقري [وما فقره؟ فروى الشيعة المغالون عنه كالقمي والمجلسي ما نصه: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة من عليّ أسرّ إليها، فقالت: يا رسول الله! أنت أولى بما ترى غير أن نساء قريش تحدثني عنه أنه رجل دحداد البطن، طويل الذراعين، ضخ الكراديس، أنزع، عظيم العينين، لمنكبيه مشاشاً كمشاش البعير، ضاحك السن، لا مال له؟ – والرسول لم ينكر هذه الأوصاف فيه – بل قال – حسب رواية القوم -: يا فاطمة! أما علمت أن الله أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين، ثم اطلع فاختارك على نساء العالمين، يا فاطمة! إنه لما أسري بي إلى السماء وجدت مكتوباً على صخرة بيت المقدس "لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بوزيره، ونصرته بوزيره" فقلت: ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب" ("تفسير القمي" ج1 ص336، أيضاً "جلاء العيون" ج1 ص185)] واستحي منه بأن أقول له وأنا في هذا الحال الخ ["جلاء العيون" للملا مجلسي ج1 ص169 ط كتابفروشي إسلامية طهران، ترجمة من الفارسية].
ثم وأكثر من ذلك أن الصديق أبا بكر هو الذي حرض علياً على زواج فاطمة رضي الله عنهم، وهو الذي ساعده المساعدة الفعلية لذلك، وهو الذي هيأ له أسباب الزواج وأعدها بأمر من رسول الله إلى الخلق أجمعين r كما يروي الطوسي أن علياً باع درعه وأتى بثمنه إلى الرسول.
"ثم قبضه رسول الله من الدراهم بكلتا يديه، فأعطاها أبا بكر وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت، أردفه بعمار بن ياسر وبعدة من أصحابه، فحضروا السوق، فكانوا يعرضون الشيء مما يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر، فإن استصلحه اشتروه... حتى إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول الله (r) الذين كانوا معه الباقي" ["الأمالي" ج1 ص39، أيضاً "مناقب" لابن شهر آشوب المازندراني ج2 ص20 ط الهند، أيضاً "جلاء العيون" فارسي ج1 ص176].
هذا ولا هذا فحسب بل الصديق ورفاقه هم كانوا شهوداً على زواجه بنص الرسول r وطلب منه كما يذكر الخوارزمي [هو أبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي الشيعي "فقيه محدث خطيب شاعر، له كتاب في مناقب أهل البيت عليهم السلام، توفي سنة 568، وخوارزم اسم لناحية إحدى قرى الزمخشر" (الكنى والألقاب ج2 ص11، 12)] الشيعي والمجلسي والأربلي أن الصديق والفاروق وسعد بن معاذ لما أرسلوا علياً إلى النبي r انتظروهفيالمسجد ليسمعوا منه ما يثلج صدورهم من إجابة الرسول وقبوله ذلك الأمر، فكان كما كانوا يتوقعون، فيقول علي: فخرجت من عند رسول الله (r) وأنا لا أعقل فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمر، وقالا لي: ما ورائك؟ فقلت: زوجني رسول الله (r) ابنته فاطمة …… ففرح بذلك فرحاً شديداً ورجعا معي إلى المسجد فلما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله، وإن وجهه يتهلل سروراً وفرحاً، فقال: يا بلال! فأجابه فقال: لبيك يا رسول الله! قال: اجمع إلى المهاجرين والأنصار فجمعهم ثم رقي درجة من المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: معاشر الناس إن جبرئيل أتاني آنفا وأخبرني عن ربي عز وجل أنه جمع ملائكته عند البيت المعمور، وكان أشهدهم جميعاً أنه زوج أمته فاطمة ابنة رسول الله من عبده علي بن أبى طالب، وأمرني أن أزوجه في الأرض وأشهدكم على ذلك" ["المناقب" للخوارزمي ص251، 252، أيضاً "كشف الغمة ج1 ص358، أيضاً "بحار الأنوار" للمجلسي ج10 ص38، 39، أيضاً جلاء العيون" ج1 ص184].
ويكشف النقاب عن الشهود الأربلي في كتابه "كشف الغمة" حيث يروي: "عن أنس أنه قال كنت عند النبي r فغشيه الوحى، فلما أفاق قال لي: يا أنس! أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: أمرني أن أزوج فاطمة من علي، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار، قال: فانطلقت فدعوتهم له، فلما أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله r بعد أن حمد الله وأثنى عليه ثم إني أشهدكم أني زوجت فاطمة من عليّ على أربعمائة مثقال فضة" ["كشف الغمة" ج1 ص348، 349 ط تبريز، "بحار الأنوار" ج1 ص47، 48].
هذا ولما ولد لهما الحسن كان أبو بكر الصديق، الرفيق الجد الحسن في الغار والصديق لوالده علي، والمساعد القائم بأعباء زواجه كان يحمله على عاتقه، ويداعبه ويلاعبه ويقول: بأبي شبيه بالنبي غير شبيه بعلي" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص117]:
وبنفس القول تمسكت فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها [انظر لذلك "تاريخ اليعقوبي" ج2 ص117].
وكانت العلاقات وطيدة إلى حد أن زوجة أبى بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرّض فاطمة بنت النبي عليه السلام ورضي الله عنها في مرض موتها، وكانت معها حتى الأنفاس الأخيرة وشاركها في غسلها وترحيلها إلى مثواها "وكان (علي) يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استمرار بذلك" ["الأمالي" للطوسي ج1 ص107].
و"وصتها بوصايافيكفنها ودفنها وتشييع جنازتها فعمات أسماء بها" ["جلاء العيون" ص235، 242].
و"هي التي كانت عندها حتى النفس الأخير، وهى التي نعت علياً بوفاتها" ["جلاء العيون" ص237].
و"كانت شريكة في غسلها" ["كشف الغمة" ج1 ص504].
وكان الصديق دائم الاتصال بعلي من ناحية لتسأله عن أحواله بنت النبي r خلاف ما يزعمه القوم.
"فمرضت (أي فاطمة رضي الله عنها) وكان علي (ع) يصلي في المسجد الصلوات الخمس، فلما صلى قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول الله؟" ["كتاب سليم بن قيس" ص353].
ومن ناحية أخرى من زوجه أسماء حيث كانت هي المشرفة والممرضة الحقيقة لها.
و"لما قبضت فاطمة من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله، فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان علياً ويقولان: يا أبا الحسن! لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله" ["كتاب سليم بن قيس" ص255].
المصاهرات بين الصديق وآل البيت
وكانت العلاقات وثيقة أكيدة بين بيت النبوة وبيت الصديق لا يتصور معها التباعد والاختلاف مهما نسج المسامرون الأساطير والأباطيل، ] وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون [ [سورة العنكبوت الآية41].
فالصديقة عائشة بنت الصديق أبى بكر كانت زوجة النبي r، ومن أحب الناس إليها مهما احترق الحساد ونقم المخالفون، فإنها حقيقة ثابتة، وهى طاهرة مطهرة - بشهادة القرآن مهما جحدها المبطلون وأنكرها المنكرون.
ثم أسماء بنت عميس التي جاء ذكرها آنفا كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب شقيق علي، فمات عنها وتزوجها الصديق وولدت له ولداً سماه محمداً الذي ولاه علي على مصر، ولما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبى طالب فولدت له ولداً سماه يحيى.
وحفيدة الصديق كانت متزوجة من محمد الباقر - الإمام الخامس عند القوم وحفيد علي رضي الله عنه - كما يذكر الكليني في أصوله تحت عنوان مولد الجعفر: "ولد أبو عبد الله عليه السلام سنة ثلاث وثمانين ومضى في شوال من سنة ثمان وأربعين ومائة وله خمس وستون سنة، ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن فيه أبوه وجده والحسن بن علي عليهم السلام وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر" ["كتاب الحجة من الأصول في الكافي ج1 ص472، ومثله في "الفرق" للنوبختي].
ويقول ابن عنبة [هو جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين الحسني صاحب كتاب "عمدة الطالب" قال عنه القمي: سيد جليل علامة نسابة، كان من علماء الإمامية، تلمذ علي السيد أبي معية اثنتى عشر سنة فقهاً وحديثاً ونسباً، توفى بكرمان سنة 828" (الكنى والألقاب ج1 ص350 و"أعيان الشيعة" ص35 القسم الأول الجزء الثاني ص135 تحت عنوان "النسابون من الشيعة"]: أمه (أي جعفر) أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان الصادق عليه السلام يقول: ولدني أبو بكر مرتين.
كما أن القاسم بن محمد بن أبي بكر حفيد أبي بكر، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد علي كانا ابني خالة كما يذكر المفيد وهو يذكر علي بن الحسين بقوله: والإمام بعد الحسن بن علي (ع) ابنه أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، وكان يكنى أيضا أبا الحسن. وأمه شاه زنان بنت يزدجردبن شهريار بن كسرى ويقال: إن اسمها كان شهر بانويه وكان أمير المؤمنين (ع) ولي حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق، فبعث إليه بنتي يزدجردبن شهريار بن كسرى ، فنحل ابنه الحسين (ع) شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين (ع) ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر، فولدت له القاسم بن محمد بن أبى بكر فهما ابنا خالة" ["الإرشاد" للمفيد ص253 ومثله في "كشف الغمة" و"منتهى الآمال" للشيخ عباس القمي ج2 ص3].
وأما المجلسي فذكر ذلك في "جلاء العيون" ولكنه صحح الروايات التي جاء بها المفيد وابن بابويه بأن شهربانو لم تكن سبيت في عهده علي كما ذكره المفيد ولا في عهد عثمان كما ذكره ابن بابويه القمي، بل كانت من سبايا عمر كما رواه القطب الراوندي [هو سعيد بن هبة الله بن الحسن، من مواليد القرن السادس من الهجرة، ومات سنة 573 بقم، وقبر هناك "العالم المتبحر، الفقيه، المحدث، المفسر، المحقق، الثقة الجليل، صاحب "الخرائج والجرائح" و"قصص الأنبياء" و"شرح النهج"، كان من أعاظم محدثي الشيعة" (الكنى والألقاب ج3 ص58)]، ثم يقر بعد ذلك بأن قاسم بن محمد بن أبي بكر وزين العابدين بن الحسين بن علي هما ابنا خالة ["جلاء العيون" الفارسي ص673، 674].
وذكر أهل الأنساب والتاريخ قرابة أخرى وهى تزويج حفصة بنت عبد الرحمن بن الصديق من الحسين بن علي بن أبى طالب رضي الله عنهم بعد عبد الله بن الزبير أو قبله.
ثم وإن محمد بن أبي بكر من أسماء بنت عميس كان ربيب علىّ وحبيبه، وولاه إمرة مصرفيعصره.
"وكان علي عليه السلام يقول: محمد ابني من ظهر أبي بكر" ["الدرة النجفية" للدنبلي الشيعي شرح نهج البلاغة ص113 ص إيران].
وكان من حب أهل البيت للصديق والتوادد ما بينهم أنهم سموا أبنائهم بأسماء أبي بكر رضي الله عنه، فأولهم علي بن أبي طالب حيث سمى أحد أبناءه بأبي بكر كما يذكر المفيد تحت عنوان "ذكر أولاد أمير المؤمنين (ع) وعددهم وأسماءهم ومختصر من أخبارهم".
"12- محمد الأصغر المكنى بأبي بكر 13- عبيد الله، الشهيدان مع أخيهما الحسين (ع) بألطف أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية" ["الإرشاد" ص186].
وقال اليعقوبي: وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكر الحسن والحسين …… وعبيد الله وأبو بكر لا عقب لهما أمهما يعلى بنت مسعود الحنظلية من بني تيم" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص213].
وذكر الأصفهاني في "مقاتل الطالبيين" تحت عنوان "ذكر خبر الحسين بن علي بن أبي طالب ومقتله ومن قتل معه من أهله" وكان منهم "أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه يعلى بنت مسعود ….. ذكر أبو جعفر أن رجلاً من همدان قتله، وذكر المدائني أنه وجد في ساقيه مقتولاً، لا يدري من قتله" ["مقاتل الطالبين" لأبي الفرج الأصفهاني الشيعي ط دار المعرفة بيروت ص142، ومثله في "كشف الغمة" ج2 ص64، "جلاء العيون" للمجلسي ص582].
وهل هذا إلا دليل حب ومؤاخاة وإعظام وتقدير من عليّ للصديق رضي الله عنهما.
والجدير بالذكر أنه ولد له هذا الولد بعد تولية الصديق الخلافة والإمامة، بل وبعد وفاته كما هو معروف بداهة.
وهل يوجدفيالشيعة اليوم المتزعمين حب علي وأولاده رجل يسمى بهذا الاسم، وهل هم موالون له أم مخالفون ؟
ونريد أن نلفت الأنظار أن علياً لم يسم بهذا الاسم ابنه إلا متيمناً بالصديق وإظهاراً له الولاء والوفاء وحتى بعد وفاته وإلا لا يوجد في بنى هاشم رجل قبل علي يسمي ابنه بهذا الاسم حسب علمنا ومطالعتنا كتب القوم فبمن سمى ابنه آنذاك؟
ثم ولم يقتصر عليّ بهذا التيمن والتبرك وإظهار المحبة والصداقة للصديق، بل بعده بنوه أيضاً مشوا مشيه ونهجوا منهجه.
فهذا هو أكبر أنجاله وابن فاطمة وسبط الرسول الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند القوم - أيضا يسمي أحد أبنائه بهذا الاسم كما ذكره اليعقوبي.
"وكان للحسن من الولد ثمانية ذكور وهم الحسن بن الحسن وأمه خولة …… وأبو بكر وعبد الرحمن لأمهات أولاد شتى وطلحة وعبيد الله" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص228، منتهى الآمال ج1 ص240].
ويذكر الأصفهاني "إن أبا بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب أيضاً كان ممن قتل في كربلاء مع الحسين قتله عقبة الغنوي" ["مقاتل الطالبين" ص87].
والحسين بن علي أيضاً سمى أحد أبنائه باسم الصديق كما يذكر المؤرخ الشيعي المشهور بالمسعودي في "التنبيه والإشراف" عند ذكر المقتولين مع الحسين في كربلاء.
"وممن قتلوا في كربلاء من ولد الحسين ثلاثة، علي الأكبر وعبد الله الصبي وأبو بكر بنوا الحسين بن علي" ["التنبيه والإشراف" ص263].
وقيل: "إن زين العابدين بن الحسن كان يكنى بأبي بكر أيضاً" ["كشف الغمة" ج2 ص74].
وأيضاً حسن بن الحسن بن علي، أي حفيد علي بن أبي طالب سمى أحد أبنائه أبا بكر كما رواه الأصفهاني عن محمد بن علي حمزة العلوي أن ممن قتل مع إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كان أبو بكر بن الحسن بن الحسن.
والإمام السابع عند الشيعة موسى بن جعفر الملقب بالكاظم أيضاً سمى أحد أبنائه بأبي بكر.
وأما الأصفهاني فيقول: إن ابنه علي - الإمام الثامن عندهم - هو أيضاً كان يكنى بأبي بكر، ويروى عن عيسى بن مهران عن أبي الصلت الهروي أنه قال: سألني المأمون يوماً عن مسألة، فقلت: قال فيها أبو بكرنا، قال عيسى بن مهران: قلت لأبي الصلت: من أبو بكركم؟ فقال: علي بن موسى الرضا كان يكنى بها وأمه أم ولد" ["مقاتل الطالبين" ص561، 562].
والجدير بالذكر أن موسى الكاظم هذا سمى أحد بناته أيضاً باسم بنت الصديق، الصديقة عائشة كما ذكر المفيد تحت عنوان "ذكر عدد أولاد موسى بن جعفر وطرف من أخبارهم".
وكان لأبي الحسن موسى عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى منهم علي بن موسى الرضا عليهما السلام …… وفاطمة …… وعائشة وأم سلمة" ["الإرشاد" ص302، 303، "الفصول المهمة" 242، "كشف الغمة" ج2 ص237].
كما سمى جده علي بن الحسين إحدى بناته، عائشة" ["كشف الغمة" ج2 ص90].
وأيضاً - الإمام العاشر المعصوم حسب زعمهم - علي بن محمد الهادي أبو الحسن سمى أحد بناته بعائشة، يقول المفيد: وتوفي أبو الحسن عليهما السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره بسرّ من رأى، وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه …. وابنته عائشة" ["كشف الغمة" ص334، و"الفصول المهمة" ص283].
وقبل أن ننهي نودّ أن نذكر بأن هناكفيالهاشمية كثير من تسموا أنفسهم، أو سموا أبنائهم بأبي بكر نذكر منهم ابن الأخ لعلي بن أبي طالب وهو عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب فإنه سمى أحد أبنائه أيضاً باسم أبي بكر كما ذكره الأصفهاني في مقالته:
قتل أبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يوم الحرة في الوقعة بين مسرف بن عقبة وبين أهل المدينة.
وهذا من إحدى علائم الحب والود بين القوم خلاف ما يزعمه الشيعة اليوم من العداوة والبغضاء، والقتال الشديد والجدال الدائم بينهم.
قضية فدك
وقبل أن ننتقل إلى الفاروق وعلاقته مع أهل البيت لا بد لنا أن نقف برهة غير يسيرة على سؤال يطرح حول اختلاف هؤلاء الأشراف الكرام البررة، ألا وهو إن كان حبهم وودادهم هكذا كما ذكر فماذا كانت قضية فدك؟ التي طالما نفخ إليها المنفخون المنافقون أعداء أمة محمد r ، وكبروها، وفخموها لمقاصدهم الخبيثة، ومطاعمهم السيئة، وأرادوا منها إثبات التفرقة والخلاف الشديد بين أصحاب الرسول r وخاصة بين بيت النبوة وبين المسلمين عامة، فإن أهل البيت كانوافيجانب وكان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وبقية الأمة في جانب آخر.
حاشا وكلا أن يكون كذلك، والمسألة لم تكن كبيرة وذات أهمية وأبعاد مثلما جعلوها فقط للطعن واللعن، والقضية كلها كانت بأن رسول الله r لما توفي وبويع أبو بكر بخلافة رسول الله وإمارة المؤمنين أرسلت إليه بنت رسول الله فاطمة تسأله ميراثها من رسول الله عليه الصلاة والسلام مما أفاء الله على نبيه من فدك ["فدك" قرية بخيبر، وقيل: بناحية الحجاز، فيها عين ونخل، أفاء الله على نبيه r (لسان العرب، ج10 ص473)] فأجابها أبو بكر أن رسول الله r قال: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ….. وإني والله لا أغيّر شيئاً من صدقات النبي r التي كانت عليهافيعهد النبي r، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله r ، وقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله r أحب إلي أن أصل من قرابتي.
ولما ذكر هذا الصديق لفاطمة رضي الله عنها تراجعت عن ذلك ولم تتكلم فيها بعد حتى ماتت، بل وفى بعض الروايات الشيعية أنها رضيت على ذلك كما يرويه ابن الميثم [هو كمال الدين مثيم بن على ميثم البحراني من مواليد القرن السابع من الهجرة "العالم الرباني، والفيلسوف، الحبر المحقق، والحكيم المتأله المدقق، جامع المعقول والمنقول، أستاذ الفضلاء الفحول، صاحب الشروح على نهج البلاغة، يروي عن المحقق الطوسي.. قيل: إن الخواجه نصير الدين الطوسي تلمذ على كمال الدين ميثم في الفقه، وتلمذ على الخواجه في الحكمة، توفي سنة 679، وقبر في هلتا من قرى ماحوذ" (الكنى والألقاب ج1 ص419)، وهو الذي قال:
طلبت فنون العلم أبغي بها العلى فقصر بي عما سموت به القل
تبين لي أن المحاسن كلها فرع وأن المال فيها هو الأصل
"وله من المصنفات البديعة ما لم يسمع بها الزمان، ولم يظفر بها أحد من الأعيان" (روضات الجنات ج7 ص218 وما بعد)] الشيعي في نهج البلاغة.
"إن أبا بكر قال لها: إن لك ما لأبيك، كان رسول الله r يأخذ من فدك قوتكم، ويقسم الباقي ويحمل منه في سبيل الله، ولك على الله أن أصنع بها كما كان يصنع ، فرضيت بذلك وأخذت العهد عليه به" ["شرح نهج البلاغة" لابن ميثم البحراني ج5 ص107 ط طهران].
ومثل ذلك ذكر الدنبلي في شرحه "الدرة النجفية" [ص331، 332 ط إيران].
ولكن الشيعة لم يعجبهم بأن ترضى فاطمة بهذا القضاء بتلك السهولة، فسودوا صفحات وأوراقاً كثيرة، وكتبوا بخصوص ذلك كتباً عديدة ملئها الطعن والشتائم على أصحاب الرسول وتفكيرهم وتفسيقهم واتهامهم بالردة والخروج من الإسلام والظلم والجور على أهل البيت حيث أن أهل المعاملة والقضية لم يتكلموا، لا بقليل ولا بكثير كما نحن ذكرناه من الشيعة أنفسهم، بل وأكثر من ذلك نقل أئمة القوم أنفسهم بأن أبا بكر لم يكتف على الكلام فقط بل أعقبه بالعمل كما يروي ابن الميثم والدنبلي وابن أبي الحديد والشيعي المعاصر فيض الإسلام علي نقي.
"إن أبا بكر كان يأخذ غلتها (أي فدك) فيدفع إليهم (أهل البيت) منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، فكان عمر كذلك، ثم كان عثمان كذلك، ثم كان علي كذلك" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4، أيضاً "شرح نهج البلاغة" لابن ميثم البحراني ج5 ص107، "الدرة النجفية" ص332، "شرح النهج" فارسي لعلي تقي ج5 ص960 ط طهران].
ولكن القوم كيف يرضيهم هذا؟ فقال كبيرهم المجلسي [وقل من يوجد مثل المجلسي جريئاً في السباب والشتائم وهو لا يذكر صاحباً من أصحاب النبي إلا ويلعنه ويفسقه ويكفره، وقد كتب في بحث فدك أن أبا بكر لما طلب الشهود من فاطمة على أن فدك لها قال له علي: أتطلب الشهود؟ هل الشهود كل شيء؟ قال: نعم، فقال له علي: إن شهد الشهود بأن فاطمة زنت ماذا تعمل؟ قال: أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر الناس (عياذاً بالله) (حق اليقين للمجلسي ص193) فانظر جرأته وتسرعه كيف يتكلم، ولا يستحي؟]: إن من المصيبة العظمى والداهية الكبرى غصب أبى بكر وعمر فدك من أهل بيت الرسالة …. وإن القضية الهائلة أن أبا بكر لما غصب الخلافة عن أمير المؤمنين، وأخذ البيعة جبراً من المهاجرين والأنصار(؟) وأحكم أمره طمع في فدك خوفاً منه بأنها لو وقعتفيأيديهم يميل الناس إليهم بالمال، ويتركون هؤلاء الظالمين (يعني أبا بكر ورفاقه) فأراد إفلاسهم حتى لا يبقى لهم شيء، ولا يطمع الناس فيهم وتبطل خلافتهم الباطلة، ولأجل ذلك وضعوا تلك الرواية الخبيثة المفتراة: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة" ["حق اليقين" فارسي للملا مجلسي ص191 تحت "مطاعن أبي بكر"].
وقد سلك مسلكه كثيرون وكم هم؟ كي ينبشوا الضغائن التي لم يكن لها وجود في العالم، ولكن بلهاء القوم لم يعرفوا أن البيت الذي نسجوه كان بيت العنكبوت ولا يبقى أمام عاصفة الحق.
فالرواية التي ردوها هذا حسداً ونقمة على الصديق لم يعلموا أن إمامهم الخامس المعصوم رواها من رسول الله r، وفى كتابهم أنفسهم، نعم! في كتابهم "الكافي" الذي يعدونه من أصح الكتب ويقولون فيه: إنه كاف للشيعة، يروي الكلينيفيهذا الكافي عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبيد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله r : من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة ….. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر" ["الأصول من الكافي" كتاب فضل العلم، باب العالم والمتعلم ج1 ص34].
ورواية أخرى أن جعفر أبا عبد الله قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم" ["الأصول من الكافي" باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ج1 ص32].
فماذا يقول المجلس ومن شاكله في هذا؟ وفي الفارسية بيت من الشعر إن كانت هذه جريمة ففي مدينتكم ترتكب أيضاً.
وهناك روايتان غير هذه الرواية رواهما صدوق القوم تؤيد هذه الرواية وتؤكدها وهي:
"عن إبراهيم بن علي الرافعي، عن أبيه، عن جدته بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة بنت رسول الله r بابنيها الحسن والحسين عليهما السلام إلى رسول الله r في شكواه الذي توفي فيه، فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورّثهما شيئاً قال: أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي وأما الحسين فإن له جرأتي وجودي" ["كتاب الخصال" للقمي ص77].
والرواية الثانية "قالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله! هذان ابناك فانحلهما، فقال رسول الله r : أما الحسن فنحلته هيبتي وسؤددي وأما الحسين فنحلته سخائي وشجاعتي" ["كتاب الخصال" للقمي ص77].
ثم وأراد المجلسي وغيره، وهم كثيرون من القوم أن يثبتوا أن أبا بكر ورفاقه لم يعملوا هذا إلا لأن يفلسوا علياً وأهل البيت كيلا يجلب الناس إليهم بالمال والمنال، فيا عجباً على القوم وعقولهم هل هم يظنون علياً وأهل بيته أمثال طلاب الحكم والرئاسة في هذه العصور المتأخرة بأنهم يطلبونها بالمال والرشى، وإن كانت القضية هكذا فالمال كان متوفراً عندهم لأن الكليني يذكر ويروي عن أبي الحسن - الإمام العاشر عند القوم - أن الحيطان السبعة كانت وقفت على فاطمة عليها السلام وهي (1) الدلال (2) والعوف (3) والحسنى (4) والصافية (5) وما لام إبراهيم (6) والمثيب (7) والبرقة" [كتاب الوصايا "الفروع من الكافي" ج7 ص47، 48].
فهل من يملك العقارات السبعة ينقصه من المال شيء؟
ثم وهل يظنون النبي r أنه كان يجعل أموال الدولة أمواله وملكه؟ وهذا ما لا يرضاه العقل، وحتى هذا العصر، عصر السلب والنهب، وعصر اللامبالاة وعدم التمسك بالدين، ففي مثل هذا العصر إن الملوك والحكام لو استولوا على بقعة من بقاع الأرض، أو فتحوها لا يجعلونها ملكاً لهم دون غيرهم، بل يجعلونها ملكاً للدولة يتصرفون فيها في مصالح الرعية وشئون العامة والخاصة، فهل كان الرسول فداه أبواي وروحي r في نظر القوم ممن يؤثرون أنفسهم على الناس؟
سبحان الله ما هذا إلا إفك مفترى، والرسول العظيم الرؤوف الرحيم بريء ورفيع من هذا.
وهناك شيء آخر وهو إن كانت أرض فدك ميراث رسول الله r فلم تكن السيدة فاطمة رضي الله عنها وريثة وحيدة لها، بل كانت ابنتا الصديق والفاروق وارثتين أيضاً فحرم الصديق والفاروق ابنتيهما كما حرما فاطمة، ثم وعباس عم النبي كان حياً وهو من ورثته بلا شك.
وثالثاً - إن المعترضين من الشيعة لا يعرفون بأنفيمذهبهم لا ترث المرأة من العقار والأرض شيئاً، فلقد بوّب باباً مستقلة في هذا الخصوص، فانظر إلى الكليني، فإنه بوّب باباً مستقلاً بعنوان "إن النساء لا يرثن من العقار شيئاً" ثم روى تحته روايات عديدة.
"عن أبي جعفر - الإمام الرابع المعصوم عند القوم - قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً" ["الفروع من الكافي" كتاب المواريث ج7 ص137].
وروى الصدوق ابن بابويه القمي في صحيحه "من لا يحضره الفقيه" عن أبي عبد الله جعفر - الإمام الخامس عندهم - أم ميسرا قال: سألته (أي جعفر) عن النساء ما لهن من الميراث؟ فقال: فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه" ["الفروع من الكافي" كتاب الفرائض والميراث ج4 ص347].
ومثل هذه فإنها لكثيرة، وقد ذكروا على عدم الميراث في العقارات والأراضي اتفاق علمائهم [انظر لذلك كتب القوم في الفقه]. فما دامت المرأة لا ترث العقار والأرض فكيف كان لفاطمة أن تسأله فدك – حسب قولهم – وهي عقار لا ريب فيها، لا يختلف فيها اثنان، ولا يتناطح فيها كبشان.
وأما إغضاب الصديق فاطمة والقول بأنها رجعت ولم تتكلمه حتى ماتت.
نعم! إنها رجعت عن القول بوراثة فدك، ولم تتكلمه في هذا الموضوع حتى آخر حياتها.
وأما غصب حقوقها فها هو المجلسي وهو على تعنّفه وتعنّته يضطر إلى أن يقول:
إن أبا بكر لما رأى غضب فاطمة قال لها: أنا لا أنكر فضلك وقرابتك من رسول الله عليه السلام، ولم أمنعك من فدك إلا امتثالاً بأمر رسول الله، وأشهد الله على أني سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وما تركنا إلا الكتاب والحكمة والعلم، وقد فعلت هذا باتفاق المسلمين ولست بمتفرد في هذا، وأما المال فإن تريدينها فخذي من مالي ما شئت لأنك سيدة أبيك وشجرة طيبة لأبنائك، ولا يستطيع أحد أن ينكر فضلك" ["حق اليقين" ص201، 202 – ترجمة من الفارسية].
فهل بعد هذا يمكن لأحد أن يقول: إن أبا بكر أغضبها، وغصب حقها، وأراد إيذائها، وأقلقها، وأفلسها لأغراضه وأهدافه؟
اللهم إلا من عمي قلبه، وتحجر عقله، وأفلس ذهنه، واختلت حواسه؟
فالعمارة التي أرادوا بنائها على هذا الأساس الواهي لإقامة المآتم ومجالس اللعن والطعن على غصب حقوق أهل البيت، وإثبات المنافرة والعداوة بين خلفاء النبي وأصحابه وبين أهل بيته كانت مهدمة يوم أرادوا بنائها، والقصة التي أرادوا أن ينسجوها من الوهم والخيال راحت على أدراج الرياح وكانت هباء منثوراً، وقبل ذلك أقام القيامة على السبئيين سيد أهل البيت وزوج فاطمة، عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما يوم تولى الأمر كما ذكره السيد مرتضى الملقب بعلم الهدى إمام الشيعة:
"إن الأمر لما وصل إلى علي بن أبي طالب كلّم في رد فدك، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر" ["الشافي" للمرتضى ص231، أيضاً "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4].
ولأجل ذلك لما سئل أبو جعفر محمد الباقر عن ذلك وقد سأله كثير النوال "جعلني الله فداك أرأيت أبا بكر وعمر هل ظلماكم من حقكم شيئاً أو قال: ذهبا من حقكم بشيء؟ فقال: لا والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلمانا من حقنا مثقال حبة من خردل، قلت: جعلت فداك أفأتولاهما؟
قال: نعم ويحك تولهمافيالدنيا والآخرة، وما أصابك ففي عنقي" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص82].
وأخو الباقر زيد بن علي بن الحسين قال أيضاً في فدك مثل ما قاله جده الأول علي بن أبي طالب وأخوه محمد الباقر لما سأله البحتري بن حسان وهو يقول: قلت لزيد بن علي عليه السلام وأنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر: إن أبا بكر انتزع فدك من فاطمة عليها السلام، فقال: إن أبا بكر كان رجلاً رحيماً، وكان يكره أن يغير شيئاً فعله رسول الله r فأتته فاطمة فقالت: إن رسول الله r أعطاني فدك، فقال لها: هل لك على هذا بينة، فجاءت بعلي عليه السلام فشهد لها، ثم جاءت أم أيمن فقالت: ألستما تشهدان أني من أهل الجنة قالا: بلى، قال أبو زيد: يعني أنها قالت لأبي بكر وعمر: قالت: فأنا أشهد أن رسول الله r أعطاها فدك فقال أبو بكر: فرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضية، ثم قال زيد: أيم الله! لو رجع الأمر إليّ لقضيت فيه بقضاء أبي بكر" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص82].
فهل بعد هذا يحتاج الأمر إلى الإيضاح أكثر من ذلك؟
وقبل أن نأتي إلى آخر الكلام نريد أن نثبت ههنا روايتين رواهما الكليني في هذا الخصوص، فأما الأولى فهي التي رواها عن أبي عبد الله جعفر أنه قال: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله r وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء" ["الأصول من الكافي" كتاب الحجة، باب الفيء والأنفال ج1 ص539].
وهذه صريحةفيمعناها بأن الإمام بعد النبي أحق الناس بالتصرف فيها.
والرواية الثانية التي نذكرها هي طريفة ومروية أيضاً في الأصول من الكافي أن أبا الحسن موسى - الإمام السابع للقوم - ورد على المهدي، ورآه يردّ المظالم فقال: يا أمير المؤمنين! ما بال مظلمتنا لا ترد؟
فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال: فدك، فقال له المهدي: يا أبا الحسن! حدّها لي، فقال: حد منها جبل أحد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل" ["الأصول من الكافي" باب الفيء والأنفال ج1 ص543].
يعني نصف العالم كله، انظر إلى القوم وأكاذيبهم، فأين قرية من خيبر من نصف الدنيا؟ فيا عجباً للقوم ومبالغتهم، كيف يعظمون الحقير، وكيف يكبرون الصغير؟ وفي هذه دليل لمبالغات القوم وترهاتهم.
وعلى ذلك نتم هذا البحث في فدك وفضائل أمير المؤمنين وخليفة رسول الله الصادق الأمين وأفضليته وأحقيته بالخلافة والإمامة بعد النبي عليه الصلاة والسلام، وحبه لأهل بيت النبي في ضوء أقوال أهل البيت وأفعالهم، ومن كتب القوم أنفسهم
ويقول عنه المفيد [هو محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، ولد سنة 338، ومات في بغداد سنة 413، وصلى عليه السيد المرتضى، واشتهر بالمفيد، "لأن الغائب المهدي لقبه به" – كما يزعمون – (معالم العلماء ص101).
"وكان من أجلّ مشائخ الشيعة، ورئيسهم وأستاذهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت رياسة الإمامية في وقته.. له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار" ("روضات الجنات" ج6 ص153).
ويقولون: إن إمام العصر (الغائب المزعوم) خاطبه في كتابه بالأخ السديد، والمولى الرشيد "أيها المولى المخلص في ودنا، الناصر لنا، وملهم الحق ودليله، العبد الصالح، الناصر للحق، الداعي إليه بكلمة الصدق" (مقدمة الإرشاد ص4)]: كان أمير المؤمنين يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبد الله بن العباس" ["الإرشاد" ص14].
فهذا ابن عباس يقول وهو يذكر الصديق: رحم الله أبا بكر، كان والله للفقراء رحيماً، وللقرآن تالياً، وعن المنكر ناهياً، وبدينه عارفاً، ومن الله خائفاً، وعن المنهيات زاجراً، وبالمعروف آمراً. وبالليل قائماً، وبالنهار صائماً، فاق أصحابه ورعاً وكفافاً، وسادهم زهداً وعفافاً" ["ناسخ التواريخ" ج5 كتاب2 ص143، 144 ط طهران].
هذا ويقول ابن أمير المؤمنين عليّ ألا وهو الحسن نعم! الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند القوم، والذي أوجب الله اتباعه على القوم حسب زعمهم - يقولفيالصديق، وينسبه إلى رسول الله عليه السلام أنه قال: إن أبا بكر مني بمنزلة السمع" ["عيون الأخبار" ج1 ص313، أيضاً "كتاب معاني الأخبار" ص110 ط إيران].
وكان حسن بن علي رضي الله عنهما يؤقر أبا بكر وعمر إلى حد حتى جعل من إحدى الشروط على معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما "إنه يعمل ويحكمفيالناس بكتاب، وسنة رسول الله، وسيرة الخلفاء الراشدين ، - وفي النسخة الأخرى - الخلفاء الصالحين" ["منتهى الآمال" ص212 ج2 ط إيران].
وأما الإمام الرابع للقوم علي بن الحسن بن علي، فقد روى عنه أنه جاء إليه نفر من العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: ألا تخبروني أنتم ] المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً أولئك هم الصادقون [؟ قالوا: لا، قال: فأنتم ] الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: ] يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا [، اخرجوا عني، فعل الله بكم" ["كشف الغمة" للأربلي ج2 ص78 ط تبريز إيران].
وأما ابن زين العابدين محمد بن على بن الحسين الملقب بالباقر - الإمام الخامس المعصوم عند الشيعة - فسئل عن حلية السيف كما رواه علي بن عيسى الأربلي [الأربلي هو بهاء الدين أبو الحسن علي بن الحسين فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الأربلي، ولد في أوائل القرن السابع من الهجرة ببلدة الأربل قرب الموصل، ومات ببغداد سنة 693، قال عنه القمي: الأربلي من كبار العلماء الإمامية، العالم الفاضل، الشاعر الأديب، المنشى النحرير، المحدث الخبير، الثقة الجليل، أبو الفضائل والمحاسن، والحجة، صاحب "كشف الغمة في معرفة الأئمة"، فرغ من تصنيفه سنة 687.. وله شعر كثير في مدح الأئمة (ع) ذكر جملة منه في "كشف الغمة"، وكتابه كشف الغمة كتاب نفيس، جامع، حسن" (الكنى والألقاب ج2 ص14، 15 ط قم إيران).
وقال الخوانساري: كان من أكابر محدثي الشيعة، وأعاظم علماء المائة السابعة.. واتفق جميع الإمامية على أن علي بن عيسى من عظمائهم، والأوحدي النحرير، من جملة علمائهم، لا يشق غباره، وهو المعتمد المأمون في النقل" (روضات الجنات ج4 ص341، 342)] في كتابه "كشف الغمة":
"عن أبى عبد الله الجعفي عن عروة بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن حلية السيف؟ فقال: لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، قال: قلت: وتقول الصديق؟ فوثب وثبة، واستقبل القبلة، فقال: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة" ["كشف الغمة" ج2 ص147].
ولم يقل هذا إلا لأن جده رسول الله r الناطق بالوحي سماه الصديق كما رواه البحراني الشيعي في تفسيره "البرهان" عن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لما كان رسول الله rفيالغار قال لأبي بكر: كأني أنظر إلى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر، وانظر إلى الأنصار محبتين (مخبتين خ)فيأفنيتهم، فقال أبو بكر: وتراهم يا رسول الله؟ قال: نعم! قال: فأرنيهم، فمسح على عينيه فرآهم، فقال له رسول الله r أنت الصديق" ["البرهان" ج2 ص125].
ويروي الطبرسي [هو أبو المنصور أحمد بن علي بن أبي طالب من أهل الطبرستان "فهذا الرجل من أجلاء أصحابنا المتقدمين، وله كتاب "الاحتجاج" كتاب معروف معتبر بين الطائفة، وقد ذكره أيضاً في "أمل الآمل" وقال: عالم فاضل، محدث ثقة، له كتاب الاحتجاج حسن، كثير الفوائد" (روضات الجنات ج1 ص65).
الطبرسي "الشيخ العالم الفاضل الكامل النبيل، الفقيه، المحدث الثقة الجليل" (الكنى والألقاب ج2 ص404)] عن الباقر أنه قال: ولست بمنكر فضل أبى بكر، ولست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر" ["الاحتجاج" للطبرسي ص230 تحت عنوان "احتجاج أبي جعفر بن علي الثاني في الأنواع الشتى من العلوم الدينية" ط مشهد كربلاء].
ثم ابنه أبو عبد الله جعفر الملقب بالسادس - الإمام المعصوم السادس حسب زعم القوم - سئل عن أبى بكر وعمر كما رواه القاضي نور الله الشوشترى [هو نور الله بن شرف الدين الشوشتري من علماء الشيعة الأعلام في الهند، كان قاضياً بلاهور في عهد جهانغير أحد سلاطين المغول.
:كان محدثاً، متكلماً، محققاً فاضلاً نبيلاً، علامة، له كتب في نصرة المذهب ورد المخالف، وقتل بتهمة الرفض في دولة جهانغي باكبر آباد – في القرن الحادي عشر – ويطلق عليه الشهيد الثالث" (روضات الجنات ج8 ص160)]. الشيعي الغالي، الذي قتل سنة 1019 "إن رجلاً سأل عن الإمام الصادق عليه السلام، فقال: يا ابن رسول الله! ما تقول في حق أبى بكر وعمر؟ فقال عليه السلام: إمامان عادلان قاسطان، كانا على حق، وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة" ["إحقاق الحق" للشوشتري ج1 ص16 ط مصر].
وروى عنه الكلينيفيالفروع حديثاً طويلاً ذكر فيه "وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له: أوصِ، فقال: أوصي بالخمس والخمس كثير، فإن الله تعالى قد رضي بالخمس، فأوصي بالخمس، وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته، ولو علم أن الثلث خير له أوصى به، ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما، فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل. فقيل له: يا أبا عبد الله! أنت في زهدك تصنع هذا، وأنت لا تدرى لعلك تموت اليوم أو غداً؟ فكان جوابه أن قال: مالكم لا ترجون لي بقاء كما خفتم على الفناء، أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت، وأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم، وأنزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحر لهم الجزور أو من الشياه على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم، فيقسمه بينهم، ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله r ما قال" [كتاب المعيشة "الفروع من الكافي" ج5 ص68].
فأثبت أن منزلة الصديقفيالزهد من بين الأمة المنزلة الأولى، وبعده يأتي أبو ذر وسلمان.
وروى عنه الأربلي أنه كان يقول: "لقد ولدنى أبو بكر مرتين" ["كشف الغمة" ج2 ص161].
لأن "أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر وأمها (أي أم فروة) أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر" ["فرق الشيعة" للنوبختي ص78].
ويروي السيد مرتضى في كتابه "الشاف" عن جعفر بن محمد أنه كان يتولاهما، ويأتي القبر فيسلم مع تسليمه على رسول الله r " ["كتاب الشافي" ص238، أيضاً "شرح نهج البلاغة" ج4 ص140 ط بيروت].
ويطول الكلام وما أروعه وأجمله، ولكن نحن نختصر الطريق، فنأتي إلى الإمام الأخير الموجود عند القوم وهو حسن بن على الملقب بالحسن العسكري - الإمام الحادي عشر المعصوم - فيقول وهو يسرد واقعة الهجرة أن رسول الله بعد أن سأل علياً رضي الله عنه عن النوم على فراشه قال لأبى بكر رضي الله عنه: أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعيه فتحمل عني أنواع العذاب؟ قال أبو بكر: يا رسول الله! أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل عليّ موت صريح ولا فرح ميخ وكان ذلك في محبتك لكان ذلك أحب إلى من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع مماليك ملوكهافيمخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلا فداءك، فقال رسول الله r : لا جرم أن اطلع الله على قلبك، ووجد موافقاً لما جرى على لسانك جعلك مني بمنزلة السمع والبصر، والرأس من الجسد، والروح من البدن" ["تفسير الحسن العسكري" ص164، 165 ط إيران].
هذا ولقد سردنا الروايات، ونقلناها من كتب القوم أنفسهم عن محمد رسول الله إمام الكونين ورسول الثقلين فداه أبواي وروحي r، وعن علي بن أبى طالب رضي الله عنه - الإمام الأول المعصوم إلى الإمام الأخير الظاهر حسب زعمهم - وإكمالاً للبحث، وإتماماً للفائدة نريد أن نروي ههنا روايتين آخرين نقلت من أهل بيت علي أيضاً ومن كتب القوم أنفسهم.
فالأولى من زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب شقيق محمد الباقر وعم جعفر الصادق الذي قيل فيه: كان حليف القرآن" ["الإرشاد" للمفيد ص268 تحت عنوان "ذكر أخوته" – أي الباقر -].
"واعتقد كثير من الشيعة فيه بالإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف" ["الإرشاد" للمفيد ص268].
ويقول أبو الفرج الأصفهاني الشيعي [هو أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد ولد بأصفهان سنة 284 ثم انتقل إلى بغداد، ونشأ فيها وترعرع، وبلغ المناصب، مات سنة 356، وصار مقرباً محبباً إلى بني بويه، ولعل من أسباب تلك الحظوة اتفاقهم في التشيع، وله مصنفات كثيرة مشهورة في الأدب والشعر، ومن أشهرها "الأغاني" و"مقاتل الطالبين" ذكره محسن الأمين في طبقات الشعراء من الشيعة وفي طبقات المؤرخين. (أعيان الشيعة ج1 ص175)]. نقلاً عن الأشناني عن عبد الله بن جرير أنه قال: رأيت جعفر بن محمد (أي الجعفر الصادق) يمسك لزيد بن علي بالركاب، ويسوى ثيابه على السرج ["مقاتل الطالبين" للأصفهاني ص129 ط دار المعرفة بيروت].
فهذا هو زيد بن زين العابدين بن الحسين وقد سئل عن أبى بكر كما يذكر صاحب ناسخ التواريخ ["ناسخ التواريخ" للمرزا تقي خان سيبهر معاصر الشاه ناصر الدين وابنه مظفر الدين، له ناسخ التواريخ فارسي مطبوع لم يعمل مثله ("أعيان الشيعة" تحت عنوان طبقات المؤرخين قسم1 ج2 ص132)] الشيعي "إن ناساً من رؤساء الكوفة وأشرافها الذين بايعوا زيداً حضروا يوماً عنده، وقالوا له: رحمك الله، ماذا تقول في حق أبي بكر وعمر؟ قال: ما أقول فيهما إلا خيراً كما لم أسمع فيهما من أهل بيتي (بيت النبوة) إلا خيراً، ما ظلمانا ولا أحد غيرنا، وعملاً بكتاب الله وسنة رسوله" ["ناسخ التواريخ" ج2 ص590 تحت عنوان "أحوال الإمام زين العابدين"].
ويقول: لما سمع أهل الكوفة منه هذه المقالة رفضوه، ومالوا إلى الباقر، فقال زيد: رفضونا اليوم، ولذلك سموا هذه الجماعة بالرافضة" ["ناسخ التواريخ" ج2 ص590].
والرواية الثانية، والرأي الثاني من شخص نسجت الشيعة حوله الأساطير أي سلمان الفارسي الذي قيل فيه: سلمان المحمدي، ذلك رجل منا أهل البيت و"إن سلمان من أهل البيت" ["رجال الكشي" ص18، 20 ط الأعلمي كربلاء].
و "كان الناس أهل ردة بعد النبي r إلا ثلاثة، المقداد وأبو ذر وسلمان رحمة الله وبركاته عليهم" ["الروضة من الكافي" ج8 ص245].
وقال فيه علي: إن سلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً" ["رجال الكشي" ص70].
فهذا السلمان يقول: إن رسول الله كان يقول في صحابته: ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه" ["مجالس المؤمنين" للشوشتري ص89].
هذا وكان رسول الله r حريصاً عليه إلى هذا الحد بأن أبا بكر لما أراد مبارزة ابنه يوم بدر وهو فارس، مدجج، منعه رسول الله r عن ذلك بقوله: شم سيفك، وارجع إلى مكانك، ومتعنا بنفسك" ["كشف الغمة" ج1 ص190] وجعل بقاءه متعة له عليه الصلاة والسلام. فهذا آخر ما أردنا إدراجه في هذا الباب.
خلافة الصديق
وبعد ما ذكرنا أهل بيت النبي وموقفهم وآرائهم تجاه سيد الخلق بعد أنبياء الله ورسله أبي بكر الصديق رضي الله عنه نريد أن نذكر أنه لم يكن خلاف بينه وبين أهل البيت في مسألة خلافة النبي وإمارة المؤمنين وإمامة المسلمين، وأن أهل البيت بايعوه كما بايعه غيرهم، وساروا في مركبه، ومشوا في موكبه، وقاسموه هموم المسلمين وآلامهم، وشاركوهفيصلاح الأمة وفلاحها، وكان علي رضي الله عنه أحد المستشارين المقربين إليه، يشترك في قضايا الدولة وأمور الناس، ويشير عليه بالأنفع والأصلح حسب فهمه ورأيه. ويتبادل به الأفكار والآراء، لا يمنعه مانع ولا يعوقه عائق، يصلي خلفه، ويعمل بأوامره، ويقضي بقضاياه، ويستدل بأحكامه ويستند، ثم ويسمي أبنائه بأسمائه حباً له وتيمناً باسمه وتودداً إليه.
وفوق ذلك كله يصاهر أهل البيت به وبأولاده، ويتزوجون منهم ويزوجون بهم، ويتبادلون ما بينهم التحف والصلات، ويجري بينهم من المعاملات ما يجري بين الأقرباء المتحابين والأحباء المتقاربين، وكيف لا؟ وهم أغصان شجرة واحدة وثمرة نخل واحدة، لا كما يظنه أبناء اليهودية البغيضة، ومكايدين للأمة المحمدية المجيدة، والحاسدين الناقمين على حملة الإسلام ومعلني كلمته ورافعي رايته.
أما خلافة الصديق رضي الله عنه فبصحتها وانعقادها وقيامها يستدل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقادها كما يذكر وهو يردّ على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أمير الشام "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى" ["نهج البلاغة" ص366، 367 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح].
وقال: إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار للناس قل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار" ["ناسخ التواريخ" ج3 الجزء2].
وهذا النص واضح في معناه، لا غموض فيه ولا إشكال بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين، فإنهم اجتمعوا على أبي بكر وعمر، فلم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، كما ذكرنا قريباً روايتين عن علي بن أبى طالب في الغارات للثقفي [هو أبو إسحاق إبراهيم الثقفي الكوفي الأصبهاني الشيعي، ولد في حدود المائتين أو قبلها بسنين، ومات بأصبهان سنة 283ه، هو من أجلاء الرواة المؤلفين للشيعة كما ذكره النوري الطبرسي "وأما إبراهيم الثقفي المعروف الذي اعتمد عليه الأصحاب فهو من أجلاء الرواة المؤلفين كما يظهر من ترجمته، ويروي عنه الأجلاء" (المستدرك ج3 ص549، 550).
وسماه الخوانساري في روضات الجنات "الشيخ المحدث" المروج الصالح السديد أبو إسحاق إبراهيم الثقفي الأصفهاني صاحب كتاب "الغارات" الذي ينقل عنه في "البحار" كثيراً (ص4). "وله نحواً من خمسين مؤلفاً لطيفاً" (أعيان الشيعة، القسم 2 ص103)] بأن الناس انثالوا على أبي بكر، وأجفلوا إليه، فلم يكن إلا أن يقر ويعترف بخلافته وإمامته.
وهناك رواية أخرى في غير "الغارات" تقر بهذا عن علي أنه قال وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة: رضينا عن الله قضائه، وسلمنا لله أمره …. فنظرتفيأمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري" ["نهج البلاغة" ص81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح].
ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق، وبايعه كما بايعه المهاجرون والأنصار، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ولا يتقي الناس، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعي التقية حسب أوهام القوم، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول: فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر، فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث … فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدد ويسر وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهداً" ["منار الهدى" لعلي البحراني الشيعي ص373، أيضاً "ناسخ التواريخ" ج3 ص532].
ولأجل ذلك رد على بن أبي سفيان وعباس حينما عرضا عليه الخلافة لأنه لا حق له بعد ما انعقدت للصديق كما مر بيانه.
وفيما كتب إلى أمير الشام معاوية بن أبى سفيان أقرّ أيضاً بخلافة الخليفة الأول الصديق وأفضليته، ودعا له بعد موته بالمغفرة والإحسان، وتأسف على انتقاله إلى ربه كما يكتب "وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعواناً أيّدهم به، فكانوافيمنازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق وخليفة الخليفة الفاروق" ولعمري أن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصائب بهما لجرح في الإسلام شديد يرحمهما الله، وجزاهم الله بأحسن ما عملا" [ابن ميثم شرح نهج البلاغة ط إيران ص488].
وروى الطوسي ["هو محمد بن الحسن بن علي الطوسي ولد سنة 385، ومات في 460 بنجف، ويلقب بشيخ الطائفة" (تنقيح المقال ص105 ج3).
"هو عماد الشيعة، ورافع أعلام الشيعة، شيخ الطائفة على الإطلاق، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق، صنف في جميع علوم الإسلام، وكان القدوة في ذلك والإمام، وقد ملأت تصانيفه الأسماع، تلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وغيرهم" (الكنى والألقاب ج2 ص357).
هو من مصنفي الكتابين من الصحاح الأربعة "التهذيب" و"الاستبصار".
"وصنف في كل فنون الإسلام، وهو المهذب للعقائد والأصول والفروع، وجميع الفائل تنسب إليه" (روضات الجنات ج6 ص216)] عن علي أنه لما اجتمع بالمهزومينفيالجمل قال لهم: فبايعتم أبا بكر، وعدلتم عني، فبايعت أبا بكر كما بايعتموه …..، فبايعت عمر كما بايعتموه فوفيت له بيعته ….. فبايعتم عثمان فبايعته وأنا جالس في بيتي، ثم أتيتموني غير داع لكم ولا مستكره لأحد منكم [هل الخلافة منصوصة؟ وفيه دليل واضح أن علي بن أبي طالب لم يكن يعتقد بأن الخلافة والإمامة لا تنعقد إلا بنص و"إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد" (الأصول من الكافي، كتاب الحجة ج1 ص277).
"وإنه عهد من رسول الله إلى رجل فرجل" (الأصول من الكافي ج1 ص277).
وانظر لتفصيل ذلك كتب القوم "أصل الشيعة وأصولها" لمحمد حسين آل كاشف الغطاء، و"الاعتقادات" لابن بابويه القمي، و"الألفين" للحلي، و"بحار الأنوار" للمجلسي وغيره.
لأنه لو كان يعتقد هذا لما اعتقد لأبي بكر الخلافة، ولم يدخل في مستشاريه وفوق ذلك لم يقل لأهل الجمل هذه الجمل التي نقلناها منه "ثم أتيتموني غير داع لكم" ولأنه لو كان إماماً من الله لم يزل دعوتهم إليه، ولم يقل لهم قبل ذلك حينما دعوه إلى البيعة له بعد قتل عثمان ذي النورين رضي الله عنه: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول – إلى أن قال – وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" (كلام علي لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان، نهج البلاغة خطبه 92 ص136 ط بيروت).
وهل هناك دليل أصدق من كلامه بأنه لم يكن يريد الخلافة التي يعد الشيعة منكريها أكفر من اليهود والمجوس والنصارى والمشركين كما يقول مفيدهم: اتفقت إمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة، وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر، مستحق للخلود في النار" ["بحار الأنوار" للمجلسي ج23 ص390 نقلاً عن "المفيد"].
ويقول الكليني محدثهم الأكبر: إن قول الله تعالى: "سأل سائل بعذاب واقع للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع" هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد r " [كتاب الحجة من الأصول في الكافي ج1 ص422].
وقال منتسباً كذباً وزوراً إلى محمد الباقر أنه قال: إنما يعيد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً، قلت: جعلت فداك، فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله r ، وموالاة علي والائتمام به وبأئمة الهدى عليهم السلام، والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم [باب معرفة الإمام والرد إليه من الأصول في الكافي ج1 ص180].
وعلى ذلك يقول الصدوق ابن بابويه القمي مصرحاً: اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة إنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، وأنكر نبوة نبينا محمد" ["الاعتقادات" للقمي ص130].
فما العمل حينما علي بن أبي طالب نفسه ينكر الإمامة، والنص من أقدس كتب القوم، الذين ينكرون القرآن، ويقولون بالتحريف والتغيير والتبديل فيه (كما بيناه بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة من كتب القوم أنفسهم في كتابنا "الشيعة والسنة" عملاً بقول القائل: من فمك أدينك).
نعم! من أقدس كتبهم ألا وهو "نهج البلاغة" حيث يقول على المرتضى رضي الله عنه نفسه عن نفسه أن أكون مقتدياً خير لي من أن أكون إماماً، فلنكرر قوله مرة ثانية: دعوني، والتمسوا غيري، فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" ["نهج البلاغة" خطبه 92 ص136 ط بيروت].
ويؤيد ذلك أن علياً لم يكن يرى الأمر كما يراه المتزعمون لولايته ما رواه ابن أبي الحديد عن عبد الله بن عباس أنه قال: خرج علي عليه السلام على الناس من عند رسول الله r في مرضه، فقال له الناس: كيف أصبح رسول الله r يا أبا حسن؟ قال: أصبح بحمد الله بارئاً قال: فأخذ العباس بيد علي، ثم قال: يا علي! أنت عبد العصا بعد ثلاث أحلف لقد رأيت الموت في وجهه، وإني لأعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب، فانطلق إلى رسول الله r فاذكر له هذا الأمر إن كان فينا أعلمنا، وإن كان فير غيرنا أوصى بنا، فقال: لا أفعل والله إن منعناه اليوم لا يؤتيناه الناس بعده، قال: فتوفي رسول الله r ذلك اليوم" ["شرح نهج البلاغة" ج1 ص132].
وقد نص ابن أبي الحديد بعد ذكر أخبار السقيفة وبيعة أبي بكر "واعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جداً ومن تأملها وأنصف علم أنه أنه لم يكن هناك نص صريح ومقطوع لا تختلجه الشكوك، ولا يتطرق إليه الاحتمالات" ["شرح نهج البلاغة" ج1 ص135].
وقال أيضاً رضي الله عنه مخاطباً طلحة والزبير، والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها" [نهج البلاغة ص322].
هذا ومثل ذلك روى نصر بن مزاحم [هو أبو الفضل نصر بن مزاح التميمي الكوفي الملقب بالعطار "إنه من جملة الرواة المتقدمين، بل الواقعة في درجة التابعين وطبقة الثلاثة الأوائل من الأئمة الطاهرين" (روضات الجنات ج8 ص166).
وقال النجاشي: مستقيم الطريقة، صالح الأمر، صاحب كتاب "صفين" و"الجمل" و"مقتل الحسين" وغيرها من الكتب (النجاشي ص301 و302)] الشيعي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أرسل حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن سمط ومعن بن يزيد ليطالبوه بقتلة عثمان ذي النورين رضي الله عنه، فرد عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد الحمدلة والبسملة "أما بعد! فإن الله بعث النبي r ، فأنقذ به من الضلالة وأنعش به من المهلكة وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه، ثم استخلف أبو بكر عمر وأحسنا السيرة، وعدلا في الأمة.. ثم ولي أمر الناس عثمان، فعلم بأشياء عابها الناس عليه، فسار إليه ناس فقتلوه، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم، فقالوا لي: بايع، فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع، فإن الأمة لا ترضى إلا بك، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس، فبايعتهم" ["كتاب صفين" ط إيران ص105].
ولقد ذكر المؤرخ الشيعي أن أبا بكر رضي الله عنه لما أراد استخلاف عمر بعده اعترض عليه بعض من الناس. فقال علي لطلحة، و استخلف أبو بكر أحداً غير عمر لما نطيعه ("تاريخ روضة الصفا" فارسي ص206 ط بمبئي)] فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر وعثمان، فما جعلكم أحق أن تفوا لأبى بكر وعمر وعثمان ببيعتهم منكم ببيعتي" ["الأمالي" لشيخ الطائفة الطوسي ج2 ص121 ط نجف].
والطبرسي أيضاً ينقل عن محمد الباقر ما يقطع أن علياً كان مقراً بخلافته، ومعترفاً بإمامته، ومبايعاً له بإمارته كما يذكر أن أسامة بن زيد حب رسول الله لما أراد الخروج انتقل رسول الله إلى الملأ الأعلى فلما وردت الكتاب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما أرى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبى طالب (ع) فقال: ما هذا ؟ قال له علي (ع) هذا ما ترى، قال أسامة: فهل بايعته؟ فقال: نعم" ["الاحتجاج" للطبرسي ص50 ط مشهد عراق].
ولقد أقر بذلك شيعي متأخر وإمام من أئمة القوم محمد حسين آل كاشف الغطاء بقوله: لما ارتحل الرسول من هذه الدار إلى دار القرار، ورأى جمع من الصحابة أن لا تكون الخلافة لعلي إما لصغر سنه أو لأن قريشاً كرهت أن تجتمع النبوة والخلافة لبني هاشم – إلى أن قال – وحين رأى أن الخليفة الأول والثاني بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجيوش وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدوا بايع وسالم" ["أصل الشيعة وأصولها" ط دار البحار بيروت 1960 ص91].
وبقي سؤال فلماذا تأخر عن البيعة أياماً؟ يجيب عليه ابن أبي الحديد "ثم قام أبو بكر، فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة، وأيم الله! ما حصرت عليها يوم قط، ولقد قلدت أمراً عظيماً مالي به طاقة ولا يدان، ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني، وجعل يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره، وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله r بالصلاة بالناس وهو حي" ["شرح نهج البلاغة" لأبي أبي الحديد ج1 ص132].
وأورد ابن أبي الحديد رواية أخرى في شرحه عن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي قال: كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله r على اليمين، فلما قبض رسول الله r جاء المدينة وقد بايع الناس أبا بكر، فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياماً وقد بايع الناس وأتى بنى هاشم الظهر والبطن والشعار دون الدثار والعصادون اللحا، فإذا رضيتم رضينا وإذا سخطتم سخطنا حدثوني إن كنتم قد بايعتم هذا الرجل قالوا: نعم! قال علي: برد ورضا من جماعتكم قالوا: نعم! قال: فأنا أرضى وأبايع إذا بايعتم أما والله! يا بني هاشم إنكم لطوال الشجر الطيب الثمر، ثم إنه بايع أبا بكر" ["شرح نهج البلاغة" ج1 ص134، 135].
إقتداء علي بالصديقفيالصلوات وقبوله الهدايا منه
هذا ونذكر بعد ذلك أن علياً رضي الله عنه كان راضياً بخلافة الصديق ومشاركاً لهفيمعاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا، رافعاً إليه الشكاوى، مصلياً خلفه، عاملاً معه المحبة والأخوة، محباً له، مبغضاً من يبغضه.
وشهد بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين وأصحاب النبي r ومن تبعهم بهديهم، وسلك بمسلكهم، ونهج بمنهجهم.
فالرواية الأولى التي سقناها قبل ذلك أن علياً قال للقوم حينما أرادوه خليفة وأميراً: وأنا لكم وزيراً خير لكم منى أميراً" ["نهج البلاغة" ص136 تحقيق صبحي صالح].
ويذكرهم بذلك أيام الصديق والفاروق حينما كان مستشاراً مسموعاً، ومشيراً منفذاً كلمته كما يروي اليعقوبي [هو أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر الكاتب العباسي الشيعي، "كان جده من موالي أبي المنصور، وكان رحالة يحب الأسفار، ساح في بلاد الإسلام شرقاً وغرباً، ودخل أرمينية سنة 260، ثم رحل إلى الرمنه وعاد إلى مصر وبلاد المغرب، فألف في سياحة البلاد "كتاب البلدان"، وله تاريخ معروف بالتاريخ اليعقوبي إلى غير ذلك، توفي سنة 284" (الكنى والألقاب ج3 ص246).
"وأما صاحب الأعيان فعده في طبقات المؤرخين من الشيعة" (أعيان الشيعة)] الشيعي الغالي في تاريخه وهو يذكر أيام خلافة الصديق "وأراد أبو بكر أن يغزو الروم فشارو جماعة من أصحاب رسول الله، فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن أبى طالب فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير، فقام أبو بكر في الناس خطيباً، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم ["تاريخ اليعقوبي" ص132، 133 ج2 ط بيروت 1960م].
وفى رواية "سأل الصديق علياً كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي حيث سمعته يبشر بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن! يسرّك الله" ["تاريخ التواريخ" ج2 كتاب 2 ص158 تحت عنوان "عزام أبي بكر"].
ويقول اليعقوبي أيضاً: وكان ممن يؤخذ عنه الفقه في أيام أبى بكر علي بن أبى طالب وعمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود" ["تاريخ اليعقوبي" ص138 ج2].
فقدم علياً على جميع أصحابه، وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم وتقديمهم علياً في المشورة [وفي هذا المعنى توجد روايات كثيرة عندنا أن أبا بكر استشار أصحابه في مسائل ومشاكل وفيمن استشارهم كان علياً رضي الله عنه، فقدم رأيه على آرائهم، انظر لذلك البداية والنهاية لابن الكثير ورياض النضرة لمحب الطبري وكنز العمال وتاريخ الملوك والأمم للطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها من الكتب، ولكنا لما عاهدنا أن لا نذكر شيئاً إلا من كتب القوم أعرضنا عن سردها] والقضاء.
ويؤيد ذلك الشيعي الغالي محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد حيث بوّب باباً خاصاً في كتابه "الإرشاد" قضايا أمير المؤمنين عليه السلام في إمارة أبي بكر.
ثم ذكر عدة روايات عن قضايا علي في خلافة أبي بكر، ومنها "إن رجلاً رفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحد فقال له: إني شربتها ولا علم لي بتحريمها لأني نشأت بين قوم يستحلونها ولم أعلم بتحريمها حتى الآن فارتج علي أبي بكر الأمر بالحكم عليه ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعض من حضر أن يستخبر أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير المؤمنين: مر رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار ويناشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله r ؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخلّ سبيله، ففعل ذلك أبو بكر فلم يشهد أحد من المهاجرين والأنصار أنه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله r بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلى سبيله وسلم لعلي (عليه السلام) في القضاء به" ["الإرشاد" للمفيد ص107 ط إيران].
هذا وكان يتمثل أوامره كما حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة الطغاة، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة الإسلام والمسلمين، فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر علياً والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحراس، وبقوا ذلك حتى أمنوا منهم" ["شرح نهج البلاغة" ج4 ص228 تبريز].
وللتعامل الموجود بينهم، وللتعاطف والتوادد والوئام الكامل كان علىّ وهو سيد أهل البيت ووالد سبطي الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتقبل منه الهدايا دأب الأخوة المتشاورين ما بينهم والمتحابين كما قبل الصهباء الجارية التي سبيتفيمعركة عين التمر، وولدت له عمر ورقية "وأما عمر ورقية فإنهما من سبيئة من تغلب يقال لها الصهباء سبيتفيخلافة أبى بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر" ["شرح نهج البلاغة" ج2 ص718، أيضاً "عمدة الطالب" ط نجف ص361].
"وكانت اسمها أم حبيب بنت ربيعة" ["الإرشاد" ص186].
وأيضاً منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أسرت مع من أسر في حرب اليمامة وولدت له أفضل أولاده بعد الحسنين محمد بن الحنفية.
"وهى من سبي أهل الردة وبها يعرف ابنها ونسب إليها محمد بن الحنفية" ["عمدة الطالب" الفصل الثالث ص352، أيضاً "حق اليقين" ص213].
كما وردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية والخمس وأموال الفيء من الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وكان علي هو القاسم والمتولي في عهده على الخمس والفيء [ولقد ورد في أبي داؤد عن علي رضي الله عنه أنه قال: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي r ، فقلت يا رسول الله! إن رأيت أن توليني حقناً من هذا الخمس في كتاب الله عز وجل فاقسمه حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فافعل، قال: ففعل ذلك قال: فقسمته حياة رسول الله r ، ثم ولانيه أبو بكر حتى إذا كان آخر سنة من سني عمر رضي الله عنه فإنه أتاه مال كثير، فعزل حقنا ثم أرسل إلي، فقلت: بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فأردده عليهم، فرده عليهم" [أبو داؤد كتاب الخراج، فمسند أحمد مسندات علي)]، وكانت هذه الأموال بيد علي، ثم كانت بيد الحسن، ثم بيد الحسين، ثم الحسن بن الحسن، ثم زيد بن الحسن" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحدد ج4 ص118].
هذا وكان يؤدي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصديق، راضياً بإمامته، ومظهراً للناس اتفاقه ووئامه معه" ["الاحتجاج" للطبرسي 53، أيضاً كتاب سليم بن قيس ص253، أيضاً "مرآة العقول" للمجلسي ص388 ط إيران].
وقال الطوسي في صلاة علي خلف أبى بكر: فذاك مسلم لأنه الظاهر" ["تلخيص الشافي" ص354 ط إيران].
مساعدة الصديق في تزويج علي من فاطمة
وكان للصديق مَنّ على عليّ المرتضى رضي الله عنهما حيث توسط له في زواجه من فاطمة رضي الله عنها وساعده فيه، كما كان هو أحد الشهود على نكاحه بطلب من رسول الله r مما يرويه أحد أعاظم القوم ويسمى بشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: سمعت علي بن أبى طالب يقول: أتاني أبو بكر وعمر، فقالا: لو أتيت رسول الله r فذكرت له فاطمة، قال: فأتيته، فلما رآني رسول الله r ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا علي وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي، فقال يا علي! صدقت، فأنت أفضل مما تذكر، فقلت: يا رسول الله! فاطمة تزوجنيها" ["الأمالي" للطوسي ج1 ص38].
وأما المجلسي الذي لا يستطيع أن يذكر أصحاب النبي وخاصة الصديق والفاروق إلا ويسبق ذكرهم بالسباب القبيحة والشتائم الفضيحة والألقاب الخبيثة الرديئة مثل "الملاعين" و"مسودي الوجوه" و"الشياطين" - عياذاً بالله - كما سيأتي بيانهافيمحلها، فالمجلسي اللعان هذا يذكر هذه الواقعة ويزيدها بياناً ووضوحاً حيث يقول: في يوم من الأيام كان أبو بكر وعمر وسعد بن معاذ جلوساً في مسجد رسول الله r، وتذاكروا ما بينهم بزواج فاطمة [كم كان أصحاب رسول الله الصادق الأمين عليه السلام البررة يتفكرون في أمور النبي r، ويهمهم ما كان يهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه لحبهم النبي، ووفائهم به، ما أجمل المطاع وما أحسن الاتباع] عليها السلام.
فقال أبو بكر: أشراف قريش طلبوا زواجها عن النبي ولكن الرسول قال لهم بأن الأمرفيذلك إلى الله - ونظن أنها لعلي بن أبي طالب - وأما علي بن أبي طالب فلم يتقدم بطلبها إلى رسول الله لأجل فقره وعدم ماله، ثم قال أبو بكر لعمر وسعد: هيا بنا إلى علي بن أبي طالب لنشجعه ونكلفه بأن يطلب ذلك من النبي، وإن مانعه الفقر نساعده في ذلك [وكم كانوا رحماء بينهم، متوادين، متحابين، متعاطفين رغم أنوف القوم وزعمهم؟] فأجاب سعد ما أحسن ما فكرت به، فذهبوا إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام …… فلما وصلوا إليه سألهم ما الذي أتى بكم في هذا الوقت؟ قال أبو بكر: يا أبا الحسن! ليس هناك خصلة خير إلا وأنت سابق بها …… فما الذي يمنعك أن تطلب من الرسول ابنته فاطمة، فلما سمع عليّ هذا الكلام من أبي بكر نزلت الدموع من عينيه وسكبت، وقال: قشرت جروحي ونبشت وهيجت الأماني والأحلام التي كتمتها [وليس عند القوم حياء حتى يختلقون القصص كهذه قصصاً خرافية، وعبارت سافلة منحطة، وينسبونها إلى الشخصيات المباركة المقدسة؟ أهم منتهون؟] منذ أمد، فمن الذي لا يريد الزواج منها؟، ولكن يمنعني من ذلك فقري [وما فقره؟ فروى الشيعة المغالون عنه كالقمي والمجلسي ما نصه: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة من عليّ أسرّ إليها، فقالت: يا رسول الله! أنت أولى بما ترى غير أن نساء قريش تحدثني عنه أنه رجل دحداد البطن، طويل الذراعين، ضخ الكراديس، أنزع، عظيم العينين، لمنكبيه مشاشاً كمشاش البعير، ضاحك السن، لا مال له؟ – والرسول لم ينكر هذه الأوصاف فيه – بل قال – حسب رواية القوم -: يا فاطمة! أما علمت أن الله أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين، ثم اطلع فاختارك على نساء العالمين، يا فاطمة! إنه لما أسري بي إلى السماء وجدت مكتوباً على صخرة بيت المقدس "لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بوزيره، ونصرته بوزيره" فقلت: ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب" ("تفسير القمي" ج1 ص336، أيضاً "جلاء العيون" ج1 ص185)] واستحي منه بأن أقول له وأنا في هذا الحال الخ ["جلاء العيون" للملا مجلسي ج1 ص169 ط كتابفروشي إسلامية طهران، ترجمة من الفارسية].
ثم وأكثر من ذلك أن الصديق أبا بكر هو الذي حرض علياً على زواج فاطمة رضي الله عنهم، وهو الذي ساعده المساعدة الفعلية لذلك، وهو الذي هيأ له أسباب الزواج وأعدها بأمر من رسول الله إلى الخلق أجمعين r كما يروي الطوسي أن علياً باع درعه وأتى بثمنه إلى الرسول.
"ثم قبضه رسول الله من الدراهم بكلتا يديه، فأعطاها أبا بكر وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت، أردفه بعمار بن ياسر وبعدة من أصحابه، فحضروا السوق، فكانوا يعرضون الشيء مما يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر، فإن استصلحه اشتروه... حتى إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول الله (r) الذين كانوا معه الباقي" ["الأمالي" ج1 ص39، أيضاً "مناقب" لابن شهر آشوب المازندراني ج2 ص20 ط الهند، أيضاً "جلاء العيون" فارسي ج1 ص176].
هذا ولا هذا فحسب بل الصديق ورفاقه هم كانوا شهوداً على زواجه بنص الرسول r وطلب منه كما يذكر الخوارزمي [هو أبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي الشيعي "فقيه محدث خطيب شاعر، له كتاب في مناقب أهل البيت عليهم السلام، توفي سنة 568، وخوارزم اسم لناحية إحدى قرى الزمخشر" (الكنى والألقاب ج2 ص11، 12)] الشيعي والمجلسي والأربلي أن الصديق والفاروق وسعد بن معاذ لما أرسلوا علياً إلى النبي r انتظروهفيالمسجد ليسمعوا منه ما يثلج صدورهم من إجابة الرسول وقبوله ذلك الأمر، فكان كما كانوا يتوقعون، فيقول علي: فخرجت من عند رسول الله (r) وأنا لا أعقل فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمر، وقالا لي: ما ورائك؟ فقلت: زوجني رسول الله (r) ابنته فاطمة …… ففرح بذلك فرحاً شديداً ورجعا معي إلى المسجد فلما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله، وإن وجهه يتهلل سروراً وفرحاً، فقال: يا بلال! فأجابه فقال: لبيك يا رسول الله! قال: اجمع إلى المهاجرين والأنصار فجمعهم ثم رقي درجة من المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: معاشر الناس إن جبرئيل أتاني آنفا وأخبرني عن ربي عز وجل أنه جمع ملائكته عند البيت المعمور، وكان أشهدهم جميعاً أنه زوج أمته فاطمة ابنة رسول الله من عبده علي بن أبى طالب، وأمرني أن أزوجه في الأرض وأشهدكم على ذلك" ["المناقب" للخوارزمي ص251، 252، أيضاً "كشف الغمة ج1 ص358، أيضاً "بحار الأنوار" للمجلسي ج10 ص38، 39، أيضاً جلاء العيون" ج1 ص184].
ويكشف النقاب عن الشهود الأربلي في كتابه "كشف الغمة" حيث يروي: "عن أنس أنه قال كنت عند النبي r فغشيه الوحى، فلما أفاق قال لي: يا أنس! أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: أمرني أن أزوج فاطمة من علي، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار، قال: فانطلقت فدعوتهم له، فلما أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله r بعد أن حمد الله وأثنى عليه ثم إني أشهدكم أني زوجت فاطمة من عليّ على أربعمائة مثقال فضة" ["كشف الغمة" ج1 ص348، 349 ط تبريز، "بحار الأنوار" ج1 ص47، 48].
هذا ولما ولد لهما الحسن كان أبو بكر الصديق، الرفيق الجد الحسن في الغار والصديق لوالده علي، والمساعد القائم بأعباء زواجه كان يحمله على عاتقه، ويداعبه ويلاعبه ويقول: بأبي شبيه بالنبي غير شبيه بعلي" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص117]:
وبنفس القول تمسكت فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها [انظر لذلك "تاريخ اليعقوبي" ج2 ص117].
وكانت العلاقات وطيدة إلى حد أن زوجة أبى بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرّض فاطمة بنت النبي عليه السلام ورضي الله عنها في مرض موتها، وكانت معها حتى الأنفاس الأخيرة وشاركها في غسلها وترحيلها إلى مثواها "وكان (علي) يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استمرار بذلك" ["الأمالي" للطوسي ج1 ص107].
و"وصتها بوصايافيكفنها ودفنها وتشييع جنازتها فعمات أسماء بها" ["جلاء العيون" ص235، 242].
و"هي التي كانت عندها حتى النفس الأخير، وهى التي نعت علياً بوفاتها" ["جلاء العيون" ص237].
و"كانت شريكة في غسلها" ["كشف الغمة" ج1 ص504].
وكان الصديق دائم الاتصال بعلي من ناحية لتسأله عن أحواله بنت النبي r خلاف ما يزعمه القوم.
"فمرضت (أي فاطمة رضي الله عنها) وكان علي (ع) يصلي في المسجد الصلوات الخمس، فلما صلى قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول الله؟" ["كتاب سليم بن قيس" ص353].
ومن ناحية أخرى من زوجه أسماء حيث كانت هي المشرفة والممرضة الحقيقة لها.
و"لما قبضت فاطمة من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله، فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان علياً ويقولان: يا أبا الحسن! لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله" ["كتاب سليم بن قيس" ص255].
المصاهرات بين الصديق وآل البيت
وكانت العلاقات وثيقة أكيدة بين بيت النبوة وبيت الصديق لا يتصور معها التباعد والاختلاف مهما نسج المسامرون الأساطير والأباطيل، ] وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون [ [سورة العنكبوت الآية41].
فالصديقة عائشة بنت الصديق أبى بكر كانت زوجة النبي r، ومن أحب الناس إليها مهما احترق الحساد ونقم المخالفون، فإنها حقيقة ثابتة، وهى طاهرة مطهرة - بشهادة القرآن مهما جحدها المبطلون وأنكرها المنكرون.
ثم أسماء بنت عميس التي جاء ذكرها آنفا كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب شقيق علي، فمات عنها وتزوجها الصديق وولدت له ولداً سماه محمداً الذي ولاه علي على مصر، ولما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبى طالب فولدت له ولداً سماه يحيى.
وحفيدة الصديق كانت متزوجة من محمد الباقر - الإمام الخامس عند القوم وحفيد علي رضي الله عنه - كما يذكر الكليني في أصوله تحت عنوان مولد الجعفر: "ولد أبو عبد الله عليه السلام سنة ثلاث وثمانين ومضى في شوال من سنة ثمان وأربعين ومائة وله خمس وستون سنة، ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن فيه أبوه وجده والحسن بن علي عليهم السلام وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر" ["كتاب الحجة من الأصول في الكافي ج1 ص472، ومثله في "الفرق" للنوبختي].
ويقول ابن عنبة [هو جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين الحسني صاحب كتاب "عمدة الطالب" قال عنه القمي: سيد جليل علامة نسابة، كان من علماء الإمامية، تلمذ علي السيد أبي معية اثنتى عشر سنة فقهاً وحديثاً ونسباً، توفى بكرمان سنة 828" (الكنى والألقاب ج1 ص350 و"أعيان الشيعة" ص35 القسم الأول الجزء الثاني ص135 تحت عنوان "النسابون من الشيعة"]: أمه (أي جعفر) أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان الصادق عليه السلام يقول: ولدني أبو بكر مرتين.
كما أن القاسم بن محمد بن أبي بكر حفيد أبي بكر، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد علي كانا ابني خالة كما يذكر المفيد وهو يذكر علي بن الحسين بقوله: والإمام بعد الحسن بن علي (ع) ابنه أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، وكان يكنى أيضا أبا الحسن. وأمه شاه زنان بنت يزدجردبن شهريار بن كسرى ويقال: إن اسمها كان شهر بانويه وكان أمير المؤمنين (ع) ولي حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق، فبعث إليه بنتي يزدجردبن شهريار بن كسرى ، فنحل ابنه الحسين (ع) شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين (ع) ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر، فولدت له القاسم بن محمد بن أبى بكر فهما ابنا خالة" ["الإرشاد" للمفيد ص253 ومثله في "كشف الغمة" و"منتهى الآمال" للشيخ عباس القمي ج2 ص3].
وأما المجلسي فذكر ذلك في "جلاء العيون" ولكنه صحح الروايات التي جاء بها المفيد وابن بابويه بأن شهربانو لم تكن سبيت في عهده علي كما ذكره المفيد ولا في عهد عثمان كما ذكره ابن بابويه القمي، بل كانت من سبايا عمر كما رواه القطب الراوندي [هو سعيد بن هبة الله بن الحسن، من مواليد القرن السادس من الهجرة، ومات سنة 573 بقم، وقبر هناك "العالم المتبحر، الفقيه، المحدث، المفسر، المحقق، الثقة الجليل، صاحب "الخرائج والجرائح" و"قصص الأنبياء" و"شرح النهج"، كان من أعاظم محدثي الشيعة" (الكنى والألقاب ج3 ص58)]، ثم يقر بعد ذلك بأن قاسم بن محمد بن أبي بكر وزين العابدين بن الحسين بن علي هما ابنا خالة ["جلاء العيون" الفارسي ص673، 674].
وذكر أهل الأنساب والتاريخ قرابة أخرى وهى تزويج حفصة بنت عبد الرحمن بن الصديق من الحسين بن علي بن أبى طالب رضي الله عنهم بعد عبد الله بن الزبير أو قبله.
ثم وإن محمد بن أبي بكر من أسماء بنت عميس كان ربيب علىّ وحبيبه، وولاه إمرة مصرفيعصره.
"وكان علي عليه السلام يقول: محمد ابني من ظهر أبي بكر" ["الدرة النجفية" للدنبلي الشيعي شرح نهج البلاغة ص113 ص إيران].
وكان من حب أهل البيت للصديق والتوادد ما بينهم أنهم سموا أبنائهم بأسماء أبي بكر رضي الله عنه، فأولهم علي بن أبي طالب حيث سمى أحد أبناءه بأبي بكر كما يذكر المفيد تحت عنوان "ذكر أولاد أمير المؤمنين (ع) وعددهم وأسماءهم ومختصر من أخبارهم".
"12- محمد الأصغر المكنى بأبي بكر 13- عبيد الله، الشهيدان مع أخيهما الحسين (ع) بألطف أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية" ["الإرشاد" ص186].
وقال اليعقوبي: وكان له من الولد الذكور أربعة عشر ذكر الحسن والحسين …… وعبيد الله وأبو بكر لا عقب لهما أمهما يعلى بنت مسعود الحنظلية من بني تيم" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص213].
وذكر الأصفهاني في "مقاتل الطالبيين" تحت عنوان "ذكر خبر الحسين بن علي بن أبي طالب ومقتله ومن قتل معه من أهله" وكان منهم "أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه يعلى بنت مسعود ….. ذكر أبو جعفر أن رجلاً من همدان قتله، وذكر المدائني أنه وجد في ساقيه مقتولاً، لا يدري من قتله" ["مقاتل الطالبين" لأبي الفرج الأصفهاني الشيعي ط دار المعرفة بيروت ص142، ومثله في "كشف الغمة" ج2 ص64، "جلاء العيون" للمجلسي ص582].
وهل هذا إلا دليل حب ومؤاخاة وإعظام وتقدير من عليّ للصديق رضي الله عنهما.
والجدير بالذكر أنه ولد له هذا الولد بعد تولية الصديق الخلافة والإمامة، بل وبعد وفاته كما هو معروف بداهة.
وهل يوجدفيالشيعة اليوم المتزعمين حب علي وأولاده رجل يسمى بهذا الاسم، وهل هم موالون له أم مخالفون ؟
ونريد أن نلفت الأنظار أن علياً لم يسم بهذا الاسم ابنه إلا متيمناً بالصديق وإظهاراً له الولاء والوفاء وحتى بعد وفاته وإلا لا يوجد في بنى هاشم رجل قبل علي يسمي ابنه بهذا الاسم حسب علمنا ومطالعتنا كتب القوم فبمن سمى ابنه آنذاك؟
ثم ولم يقتصر عليّ بهذا التيمن والتبرك وإظهار المحبة والصداقة للصديق، بل بعده بنوه أيضاً مشوا مشيه ونهجوا منهجه.
فهذا هو أكبر أنجاله وابن فاطمة وسبط الرسول الحسن بن علي - الإمام المعصوم الثاني عند القوم - أيضا يسمي أحد أبنائه بهذا الاسم كما ذكره اليعقوبي.
"وكان للحسن من الولد ثمانية ذكور وهم الحسن بن الحسن وأمه خولة …… وأبو بكر وعبد الرحمن لأمهات أولاد شتى وطلحة وعبيد الله" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص228، منتهى الآمال ج1 ص240].
ويذكر الأصفهاني "إن أبا بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب أيضاً كان ممن قتل في كربلاء مع الحسين قتله عقبة الغنوي" ["مقاتل الطالبين" ص87].
والحسين بن علي أيضاً سمى أحد أبنائه باسم الصديق كما يذكر المؤرخ الشيعي المشهور بالمسعودي في "التنبيه والإشراف" عند ذكر المقتولين مع الحسين في كربلاء.
"وممن قتلوا في كربلاء من ولد الحسين ثلاثة، علي الأكبر وعبد الله الصبي وأبو بكر بنوا الحسين بن علي" ["التنبيه والإشراف" ص263].
وقيل: "إن زين العابدين بن الحسن كان يكنى بأبي بكر أيضاً" ["كشف الغمة" ج2 ص74].
وأيضاً حسن بن الحسن بن علي، أي حفيد علي بن أبي طالب سمى أحد أبنائه أبا بكر كما رواه الأصفهاني عن محمد بن علي حمزة العلوي أن ممن قتل مع إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كان أبو بكر بن الحسن بن الحسن.
والإمام السابع عند الشيعة موسى بن جعفر الملقب بالكاظم أيضاً سمى أحد أبنائه بأبي بكر.
وأما الأصفهاني فيقول: إن ابنه علي - الإمام الثامن عندهم - هو أيضاً كان يكنى بأبي بكر، ويروى عن عيسى بن مهران عن أبي الصلت الهروي أنه قال: سألني المأمون يوماً عن مسألة، فقلت: قال فيها أبو بكرنا، قال عيسى بن مهران: قلت لأبي الصلت: من أبو بكركم؟ فقال: علي بن موسى الرضا كان يكنى بها وأمه أم ولد" ["مقاتل الطالبين" ص561، 562].
والجدير بالذكر أن موسى الكاظم هذا سمى أحد بناته أيضاً باسم بنت الصديق، الصديقة عائشة كما ذكر المفيد تحت عنوان "ذكر عدد أولاد موسى بن جعفر وطرف من أخبارهم".
وكان لأبي الحسن موسى عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى منهم علي بن موسى الرضا عليهما السلام …… وفاطمة …… وعائشة وأم سلمة" ["الإرشاد" ص302، 303، "الفصول المهمة" 242، "كشف الغمة" ج2 ص237].
كما سمى جده علي بن الحسين إحدى بناته، عائشة" ["كشف الغمة" ج2 ص90].
وأيضاً - الإمام العاشر المعصوم حسب زعمهم - علي بن محمد الهادي أبو الحسن سمى أحد بناته بعائشة، يقول المفيد: وتوفي أبو الحسن عليهما السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره بسرّ من رأى، وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه …. وابنته عائشة" ["كشف الغمة" ص334، و"الفصول المهمة" ص283].
وقبل أن ننهي نودّ أن نذكر بأن هناكفيالهاشمية كثير من تسموا أنفسهم، أو سموا أبنائهم بأبي بكر نذكر منهم ابن الأخ لعلي بن أبي طالب وهو عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب فإنه سمى أحد أبنائه أيضاً باسم أبي بكر كما ذكره الأصفهاني في مقالته:
قتل أبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يوم الحرة في الوقعة بين مسرف بن عقبة وبين أهل المدينة.
وهذا من إحدى علائم الحب والود بين القوم خلاف ما يزعمه الشيعة اليوم من العداوة والبغضاء، والقتال الشديد والجدال الدائم بينهم.
قضية فدك
وقبل أن ننتقل إلى الفاروق وعلاقته مع أهل البيت لا بد لنا أن نقف برهة غير يسيرة على سؤال يطرح حول اختلاف هؤلاء الأشراف الكرام البررة، ألا وهو إن كان حبهم وودادهم هكذا كما ذكر فماذا كانت قضية فدك؟ التي طالما نفخ إليها المنفخون المنافقون أعداء أمة محمد r ، وكبروها، وفخموها لمقاصدهم الخبيثة، ومطاعمهم السيئة، وأرادوا منها إثبات التفرقة والخلاف الشديد بين أصحاب الرسول r وخاصة بين بيت النبوة وبين المسلمين عامة، فإن أهل البيت كانوافيجانب وكان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وبقية الأمة في جانب آخر.
حاشا وكلا أن يكون كذلك، والمسألة لم تكن كبيرة وذات أهمية وأبعاد مثلما جعلوها فقط للطعن واللعن، والقضية كلها كانت بأن رسول الله r لما توفي وبويع أبو بكر بخلافة رسول الله وإمارة المؤمنين أرسلت إليه بنت رسول الله فاطمة تسأله ميراثها من رسول الله عليه الصلاة والسلام مما أفاء الله على نبيه من فدك ["فدك" قرية بخيبر، وقيل: بناحية الحجاز، فيها عين ونخل، أفاء الله على نبيه r (لسان العرب، ج10 ص473)] فأجابها أبو بكر أن رسول الله r قال: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ….. وإني والله لا أغيّر شيئاً من صدقات النبي r التي كانت عليهافيعهد النبي r، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله r ، وقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله r أحب إلي أن أصل من قرابتي.
ولما ذكر هذا الصديق لفاطمة رضي الله عنها تراجعت عن ذلك ولم تتكلم فيها بعد حتى ماتت، بل وفى بعض الروايات الشيعية أنها رضيت على ذلك كما يرويه ابن الميثم [هو كمال الدين مثيم بن على ميثم البحراني من مواليد القرن السابع من الهجرة "العالم الرباني، والفيلسوف، الحبر المحقق، والحكيم المتأله المدقق، جامع المعقول والمنقول، أستاذ الفضلاء الفحول، صاحب الشروح على نهج البلاغة، يروي عن المحقق الطوسي.. قيل: إن الخواجه نصير الدين الطوسي تلمذ على كمال الدين ميثم في الفقه، وتلمذ على الخواجه في الحكمة، توفي سنة 679، وقبر في هلتا من قرى ماحوذ" (الكنى والألقاب ج1 ص419)، وهو الذي قال:
طلبت فنون العلم أبغي بها العلى فقصر بي عما سموت به القل
تبين لي أن المحاسن كلها فرع وأن المال فيها هو الأصل
"وله من المصنفات البديعة ما لم يسمع بها الزمان، ولم يظفر بها أحد من الأعيان" (روضات الجنات ج7 ص218 وما بعد)] الشيعي في نهج البلاغة.
"إن أبا بكر قال لها: إن لك ما لأبيك، كان رسول الله r يأخذ من فدك قوتكم، ويقسم الباقي ويحمل منه في سبيل الله، ولك على الله أن أصنع بها كما كان يصنع ، فرضيت بذلك وأخذت العهد عليه به" ["شرح نهج البلاغة" لابن ميثم البحراني ج5 ص107 ط طهران].
ومثل ذلك ذكر الدنبلي في شرحه "الدرة النجفية" [ص331، 332 ط إيران].
ولكن الشيعة لم يعجبهم بأن ترضى فاطمة بهذا القضاء بتلك السهولة، فسودوا صفحات وأوراقاً كثيرة، وكتبوا بخصوص ذلك كتباً عديدة ملئها الطعن والشتائم على أصحاب الرسول وتفكيرهم وتفسيقهم واتهامهم بالردة والخروج من الإسلام والظلم والجور على أهل البيت حيث أن أهل المعاملة والقضية لم يتكلموا، لا بقليل ولا بكثير كما نحن ذكرناه من الشيعة أنفسهم، بل وأكثر من ذلك نقل أئمة القوم أنفسهم بأن أبا بكر لم يكتف على الكلام فقط بل أعقبه بالعمل كما يروي ابن الميثم والدنبلي وابن أبي الحديد والشيعي المعاصر فيض الإسلام علي نقي.
"إن أبا بكر كان يأخذ غلتها (أي فدك) فيدفع إليهم (أهل البيت) منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، فكان عمر كذلك، ثم كان عثمان كذلك، ثم كان علي كذلك" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4، أيضاً "شرح نهج البلاغة" لابن ميثم البحراني ج5 ص107، "الدرة النجفية" ص332، "شرح النهج" فارسي لعلي تقي ج5 ص960 ط طهران].
ولكن القوم كيف يرضيهم هذا؟ فقال كبيرهم المجلسي [وقل من يوجد مثل المجلسي جريئاً في السباب والشتائم وهو لا يذكر صاحباً من أصحاب النبي إلا ويلعنه ويفسقه ويكفره، وقد كتب في بحث فدك أن أبا بكر لما طلب الشهود من فاطمة على أن فدك لها قال له علي: أتطلب الشهود؟ هل الشهود كل شيء؟ قال: نعم، فقال له علي: إن شهد الشهود بأن فاطمة زنت ماذا تعمل؟ قال: أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر الناس (عياذاً بالله) (حق اليقين للمجلسي ص193) فانظر جرأته وتسرعه كيف يتكلم، ولا يستحي؟]: إن من المصيبة العظمى والداهية الكبرى غصب أبى بكر وعمر فدك من أهل بيت الرسالة …. وإن القضية الهائلة أن أبا بكر لما غصب الخلافة عن أمير المؤمنين، وأخذ البيعة جبراً من المهاجرين والأنصار(؟) وأحكم أمره طمع في فدك خوفاً منه بأنها لو وقعتفيأيديهم يميل الناس إليهم بالمال، ويتركون هؤلاء الظالمين (يعني أبا بكر ورفاقه) فأراد إفلاسهم حتى لا يبقى لهم شيء، ولا يطمع الناس فيهم وتبطل خلافتهم الباطلة، ولأجل ذلك وضعوا تلك الرواية الخبيثة المفتراة: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة" ["حق اليقين" فارسي للملا مجلسي ص191 تحت "مطاعن أبي بكر"].
وقد سلك مسلكه كثيرون وكم هم؟ كي ينبشوا الضغائن التي لم يكن لها وجود في العالم، ولكن بلهاء القوم لم يعرفوا أن البيت الذي نسجوه كان بيت العنكبوت ولا يبقى أمام عاصفة الحق.
فالرواية التي ردوها هذا حسداً ونقمة على الصديق لم يعلموا أن إمامهم الخامس المعصوم رواها من رسول الله r، وفى كتابهم أنفسهم، نعم! في كتابهم "الكافي" الذي يعدونه من أصح الكتب ويقولون فيه: إنه كاف للشيعة، يروي الكلينيفيهذا الكافي عن حماد بن عيسى عن القداح عن أبي عبيد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله r : من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة ….. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر" ["الأصول من الكافي" كتاب فضل العلم، باب العالم والمتعلم ج1 ص34].
ورواية أخرى أن جعفر أبا عبد الله قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم" ["الأصول من الكافي" باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ج1 ص32].
فماذا يقول المجلس ومن شاكله في هذا؟ وفي الفارسية بيت من الشعر إن كانت هذه جريمة ففي مدينتكم ترتكب أيضاً.
وهناك روايتان غير هذه الرواية رواهما صدوق القوم تؤيد هذه الرواية وتؤكدها وهي:
"عن إبراهيم بن علي الرافعي، عن أبيه، عن جدته بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة بنت رسول الله r بابنيها الحسن والحسين عليهما السلام إلى رسول الله r في شكواه الذي توفي فيه، فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورّثهما شيئاً قال: أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي وأما الحسين فإن له جرأتي وجودي" ["كتاب الخصال" للقمي ص77].
والرواية الثانية "قالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله! هذان ابناك فانحلهما، فقال رسول الله r : أما الحسن فنحلته هيبتي وسؤددي وأما الحسين فنحلته سخائي وشجاعتي" ["كتاب الخصال" للقمي ص77].
ثم وأراد المجلسي وغيره، وهم كثيرون من القوم أن يثبتوا أن أبا بكر ورفاقه لم يعملوا هذا إلا لأن يفلسوا علياً وأهل البيت كيلا يجلب الناس إليهم بالمال والمنال، فيا عجباً على القوم وعقولهم هل هم يظنون علياً وأهل بيته أمثال طلاب الحكم والرئاسة في هذه العصور المتأخرة بأنهم يطلبونها بالمال والرشى، وإن كانت القضية هكذا فالمال كان متوفراً عندهم لأن الكليني يذكر ويروي عن أبي الحسن - الإمام العاشر عند القوم - أن الحيطان السبعة كانت وقفت على فاطمة عليها السلام وهي (1) الدلال (2) والعوف (3) والحسنى (4) والصافية (5) وما لام إبراهيم (6) والمثيب (7) والبرقة" [كتاب الوصايا "الفروع من الكافي" ج7 ص47، 48].
فهل من يملك العقارات السبعة ينقصه من المال شيء؟
ثم وهل يظنون النبي r أنه كان يجعل أموال الدولة أمواله وملكه؟ وهذا ما لا يرضاه العقل، وحتى هذا العصر، عصر السلب والنهب، وعصر اللامبالاة وعدم التمسك بالدين، ففي مثل هذا العصر إن الملوك والحكام لو استولوا على بقعة من بقاع الأرض، أو فتحوها لا يجعلونها ملكاً لهم دون غيرهم، بل يجعلونها ملكاً للدولة يتصرفون فيها في مصالح الرعية وشئون العامة والخاصة، فهل كان الرسول فداه أبواي وروحي r في نظر القوم ممن يؤثرون أنفسهم على الناس؟
سبحان الله ما هذا إلا إفك مفترى، والرسول العظيم الرؤوف الرحيم بريء ورفيع من هذا.
وهناك شيء آخر وهو إن كانت أرض فدك ميراث رسول الله r فلم تكن السيدة فاطمة رضي الله عنها وريثة وحيدة لها، بل كانت ابنتا الصديق والفاروق وارثتين أيضاً فحرم الصديق والفاروق ابنتيهما كما حرما فاطمة، ثم وعباس عم النبي كان حياً وهو من ورثته بلا شك.
وثالثاً - إن المعترضين من الشيعة لا يعرفون بأنفيمذهبهم لا ترث المرأة من العقار والأرض شيئاً، فلقد بوّب باباً مستقلة في هذا الخصوص، فانظر إلى الكليني، فإنه بوّب باباً مستقلاً بعنوان "إن النساء لا يرثن من العقار شيئاً" ثم روى تحته روايات عديدة.
"عن أبي جعفر - الإمام الرابع المعصوم عند القوم - قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً" ["الفروع من الكافي" كتاب المواريث ج7 ص137].
وروى الصدوق ابن بابويه القمي في صحيحه "من لا يحضره الفقيه" عن أبي عبد الله جعفر - الإمام الخامس عندهم - أم ميسرا قال: سألته (أي جعفر) عن النساء ما لهن من الميراث؟ فقال: فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه" ["الفروع من الكافي" كتاب الفرائض والميراث ج4 ص347].
ومثل هذه فإنها لكثيرة، وقد ذكروا على عدم الميراث في العقارات والأراضي اتفاق علمائهم [انظر لذلك كتب القوم في الفقه]. فما دامت المرأة لا ترث العقار والأرض فكيف كان لفاطمة أن تسأله فدك – حسب قولهم – وهي عقار لا ريب فيها، لا يختلف فيها اثنان، ولا يتناطح فيها كبشان.
وأما إغضاب الصديق فاطمة والقول بأنها رجعت ولم تتكلمه حتى ماتت.
نعم! إنها رجعت عن القول بوراثة فدك، ولم تتكلمه في هذا الموضوع حتى آخر حياتها.
وأما غصب حقوقها فها هو المجلسي وهو على تعنّفه وتعنّته يضطر إلى أن يقول:
إن أبا بكر لما رأى غضب فاطمة قال لها: أنا لا أنكر فضلك وقرابتك من رسول الله عليه السلام، ولم أمنعك من فدك إلا امتثالاً بأمر رسول الله، وأشهد الله على أني سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وما تركنا إلا الكتاب والحكمة والعلم، وقد فعلت هذا باتفاق المسلمين ولست بمتفرد في هذا، وأما المال فإن تريدينها فخذي من مالي ما شئت لأنك سيدة أبيك وشجرة طيبة لأبنائك، ولا يستطيع أحد أن ينكر فضلك" ["حق اليقين" ص201، 202 – ترجمة من الفارسية].
فهل بعد هذا يمكن لأحد أن يقول: إن أبا بكر أغضبها، وغصب حقها، وأراد إيذائها، وأقلقها، وأفلسها لأغراضه وأهدافه؟
اللهم إلا من عمي قلبه، وتحجر عقله، وأفلس ذهنه، واختلت حواسه؟
فالعمارة التي أرادوا بنائها على هذا الأساس الواهي لإقامة المآتم ومجالس اللعن والطعن على غصب حقوق أهل البيت، وإثبات المنافرة والعداوة بين خلفاء النبي وأصحابه وبين أهل بيته كانت مهدمة يوم أرادوا بنائها، والقصة التي أرادوا أن ينسجوها من الوهم والخيال راحت على أدراج الرياح وكانت هباء منثوراً، وقبل ذلك أقام القيامة على السبئيين سيد أهل البيت وزوج فاطمة، عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما يوم تولى الأمر كما ذكره السيد مرتضى الملقب بعلم الهدى إمام الشيعة:
"إن الأمر لما وصل إلى علي بن أبي طالب كلّم في رد فدك، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر" ["الشافي" للمرتضى ص231، أيضاً "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4].
ولأجل ذلك لما سئل أبو جعفر محمد الباقر عن ذلك وقد سأله كثير النوال "جعلني الله فداك أرأيت أبا بكر وعمر هل ظلماكم من حقكم شيئاً أو قال: ذهبا من حقكم بشيء؟ فقال: لا والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلمانا من حقنا مثقال حبة من خردل، قلت: جعلت فداك أفأتولاهما؟
قال: نعم ويحك تولهمافيالدنيا والآخرة، وما أصابك ففي عنقي" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص82].
وأخو الباقر زيد بن علي بن الحسين قال أيضاً في فدك مثل ما قاله جده الأول علي بن أبي طالب وأخوه محمد الباقر لما سأله البحتري بن حسان وهو يقول: قلت لزيد بن علي عليه السلام وأنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر: إن أبا بكر انتزع فدك من فاطمة عليها السلام، فقال: إن أبا بكر كان رجلاً رحيماً، وكان يكره أن يغير شيئاً فعله رسول الله r فأتته فاطمة فقالت: إن رسول الله r أعطاني فدك، فقال لها: هل لك على هذا بينة، فجاءت بعلي عليه السلام فشهد لها، ثم جاءت أم أيمن فقالت: ألستما تشهدان أني من أهل الجنة قالا: بلى، قال أبو زيد: يعني أنها قالت لأبي بكر وعمر: قالت: فأنا أشهد أن رسول الله r أعطاها فدك فقال أبو بكر: فرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضية، ثم قال زيد: أيم الله! لو رجع الأمر إليّ لقضيت فيه بقضاء أبي بكر" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج4 ص82].
فهل بعد هذا يحتاج الأمر إلى الإيضاح أكثر من ذلك؟
وقبل أن نأتي إلى آخر الكلام نريد أن نثبت ههنا روايتين رواهما الكليني في هذا الخصوص، فأما الأولى فهي التي رواها عن أبي عبد الله جعفر أنه قال: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله r وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء" ["الأصول من الكافي" كتاب الحجة، باب الفيء والأنفال ج1 ص539].
وهذه صريحةفيمعناها بأن الإمام بعد النبي أحق الناس بالتصرف فيها.
والرواية الثانية التي نذكرها هي طريفة ومروية أيضاً في الأصول من الكافي أن أبا الحسن موسى - الإمام السابع للقوم - ورد على المهدي، ورآه يردّ المظالم فقال: يا أمير المؤمنين! ما بال مظلمتنا لا ترد؟
فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال: فدك، فقال له المهدي: يا أبا الحسن! حدّها لي، فقال: حد منها جبل أحد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل" ["الأصول من الكافي" باب الفيء والأنفال ج1 ص543].
يعني نصف العالم كله، انظر إلى القوم وأكاذيبهم، فأين قرية من خيبر من نصف الدنيا؟ فيا عجباً للقوم ومبالغتهم، كيف يعظمون الحقير، وكيف يكبرون الصغير؟ وفي هذه دليل لمبالغات القوم وترهاتهم.
وعلى ذلك نتم هذا البحث في فدك وفضائل أمير المؤمنين وخليفة رسول الله الصادق الأمين وأفضليته وأحقيته بالخلافة والإمامة بعد النبي عليه الصلاة والسلام، وحبه لأهل بيت النبي في ضوء أقوال أهل البيت وأفعالهم، ومن كتب القوم أنفسهم






تعليق