
في ظل المتغيرات الجديدة في العراق يحيي المسلمون الشيعة، كعادتهم سنويا، ذكرى أربعينية الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب الذي يوجد مرقده في مدينة كربلاء المقدسة.
ويكتسي إحياء الذكرى هذا العام أهمية خاصة باستعادة ممارسة كامل الطقوس التي كانت ممنوعة على مدى سنوات طويلة، كما يأتي في ظل وجود قوات أجنبية واضطراب الأوضاع في العراق، مما يجعل للعامل السياسي وقعا أشد هذه المرة.
ويبدأ الآلاف من المشاركين في إحياء الذكرى بالتوجه إلى كربلاء قبل بضعة أيام من حلولها سيرا على الأقدام أو بوسائل نقل برية، للمشاركة في المواكب الحسينية التي تخترق شوارع المدينة وتنطلق في يوم العشرين من صفر حسب التقويم الهجري.

ويتوقع إن يشارك هذا العام مئات الآلاف من المسلمين الشيعة الذين يشكلون، حسب بعض التقديرات، نحو 60 بالمئة من سكان العراق المسلمين، لكنهم حرموا من ممارسة شعائرهم الدينية وخاصة ما يتعلق بمقتل الإمام الثالث لدى الشيعة وهو حفيد الرسول محمد (ص) من ابنته فاطمة الزهراء.
وقد زادت وطأة التضييق على ممارسة الطقوس الشيعية بعد قمع الانتفاضة التي اندلعت في العراق عام 1991 إثر انتهاء حرب الخليج وخروج القوات العراقية من الكويت، والتي عمت آنذاك منطقتي الجنوب والفرات الأوسط اللتين تقطنهما أغلبية شيعية وكذلك مناطق كردستان العراق.
نبذة تاريخية
يروي المؤرخون أن الإمام الحسين توجه مع رهط من صحبه وأهله إلى الكوفة قادما من الحجاز عام 680 للميلاد للمطالبة باستعادة الخلافة، التي تولاها يزيد بن معاوية بعد وفاة أبيه.
لكن والي يزيد في البصرة والكوفة أرسل قوة لمواجهته مع العدد القليل من أنصاره، مما اضطره إلى مواصلة السير باتجاه كربلاء حيث جرت محاصرته ومنع الماء عنه، ومن ثم قتله وأسر النساء والأطفال من أهله ومن بينهم إبنه، علي زين العابدين، الإمام الرابع لدى الشيعة.
وقد شكلت هذه الواقعة المأساوية بمقتل الحسين وأنصاره وسبي أهله، منعطفا هاما في تحديد المنحى الذي سارت عليه طقوس الطائفة الشيعية مما أسهم، إلى حد كبير، في تشكيل هويتها.

فخلال الأيام العشرة الأولى من محرم تقام المجالس الحسينية لاستذكار الحدث والتعبير عن الحزن بالبكاء ولطم الصدور. كما تمارس طقوس أخرى تتضمن مسرحة الحدث حيث تقدم عروض في الهواء الطلق تسمى "التشابيه" تروي أحداث واقعة كربلاء وتجسد شخوصها الرئيسيين وتحضرها أعداد غفيرة من المشاهدين.
ومن بين الطقوس الأخرى ضرب الرأس بأدوات حادة واستخدام السلاسل الحديدية لضرب الكتفين، لكن هذه الطقوس محدودة ومختلف على شرعيتها من قبل علماء الشيعة أنفسهم.
حظر الطقوس
لم تكن الإجراءات التي اتخذتها السلطات العراقية في السنوات الأخيرة للحد من ممارسة هذه الطقوس هي الأولى من نوعها في التاريخ، فقد جرى التضييق عليها في فترات تاريخية مختلفة.
ويقول المؤرخون الشيعة إن شعائر عاشوراء منعت في بعض الحواضر إبان حكم المماليك في العراق، لكنها استأنفت في ما بعد خلال الحكم العثماني عندما وقعت الأستانة وثيقة سلام مع الإيرانيين في الربع الأول من القرن التاسع عشر. كما جرت مساع أخرى للسيطرة عليها في فترات أخرى من تاريخ العراق الحديث وخاصة في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي .
ويعد الدافع السياسي من أهم العوامل التي تحدو بالسلطات إلى اتخاذ إجراءات لتقييد تلك الممارسات ومنع تحولها إلى أداة ضغط سياسية، لكونها تشكل مناسبة للتعبير عن الاعتراض أو الرفض أو الاحتجاج، أو حافزا للانتفاضات العشائرية والمناطقية. ويعتبر إحياء ذكرى أربعينية الحسين في مدينة كربلاء التي يؤمها الزوار من مناطق مختلفة في العراق وخارجه حيث يوجد الشيعة، من أهم الطقوس لديهم، إذ يرون أن لمقتل الحسين دوراً في ترسيخ الدين وديمومة المعتقد، لما يملكه من شاهد على الثبات على المبدأ والمطالبة بالحق.
تعليق