غيبات الأنبياء
غيبة إدريس (عليه السلام)
قال الصدوق في إكمال الدين:
أول الغيبات غيبة إدريس النبي (عليه السلام) المشهورة حتى آل الأمر بشيعته إلى أن تعذر عليهم القوت، وقتل الجبار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيهم، ثم ظهر (عليه السلام) فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده وهو نوح (عليه السلام)، ثم رفع الله إدريس إليه فلم تزل الشيعة يتوقعون قيام نوح (عليه السلام) قرناً بعد قرن وخلفاً عن سلف صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نوبة نوح، ثم ذكر حديثا عن الباقر (عليه السلام) يتضمن غيبة إدريس عشرين سنة مختفياً في غار لما خاف من جبار زمانه وملك من الملائكة يأتيه بطعامه وشرابه، ثم ذكر ظهور نبوة نوح (عليه السلام)، ثم روى بسنده عن الصادق (عليه السلام) أنه لما حضرت نوحا (عليه السلام) الوفاة دعا الشيعة، فقال لهم: إعلموا أنه ستكون من بعدي غيبة يظهر فيها الطواغيت، وأن الله عز وجل يفرّج عنكم بالقائم من ولدي اسمه هود، فلم يزالوا يترقبون هودا (عليه السلام) وينتظرون ظهوره حتى طال عليهم الأمد وقست قلوب أكثرهم، فأظهر الله تعالى ذكره نبيه هودا (عليه السلام) عند اليأس وتناهي البلاء، وأهلك الأعداء بالريح العقيم، ثم وقعت الغيبة بعد ذلك إلى أن ظهر صالح (عليه السلام).
غيبة صالح (عليه السلام)
ثم روى الصدوق بسنده عن الصادق (عليه السلام) أن صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه زماناً وكان يوم غاب عنهم كهلا مبدح البطن (23) حسن الجسم، وافر اللحية، خميص البطن، خفيف العارضين، مجتمعاً، ربعة من الرجال، فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه، وكانوا على ثلاث طبقات طبقة جاحدة، وأخرى شاكة، وأخرى على يقين.. إلى أن قال: وإنما مثل القائم مثل صالح (عليه السلام).(24)
غيبة ابراهيم (عليه السلام)
قال الصدوق عليه الرحمة: وأما غيبة إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) فإنها تشبه غيبة قائمنا صلوات الله عليه، بل هي أعجب منها، لأن الله عز وجل غيّب أثر إبراهيم (عليه السلام) وهو في بطن أمه حتى حوله عز وجل بقدرته من بطنها إلى ظهرها، ثم أخفي أمر ولادته إلى بلوغ الكتاب أجله.
ثم روى الصدوق بسنده عن الصادق (عليه السلام): أن أبا إبراهيم كان منجما لنمرود بن كنعان، فقال له: يولد في أرضنا مولود يكون هلاكنا على يديه، فحجب النساء عن الرجال، وباشر أبو إبراهيم امرأته فحملت به، وأرسل نمرود إلى القوابل لا يكون في البطن شيء إلا أعلمتن به، فنظرن إلى أم إبراهيم، فألزم الله ما في الرحم الظهر، فقلن: ما نرى شيئاً في بطنها، فلما وضعت أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود، فقالت له امرأته: لا تذهب بإبنك إلى نمرود فيقتله، دعني أذهب به إلى غار فأجعله فيه حتى يأتي عليه أجله، فذهبت به إلى غار وأرضعته، ثم جعلت على باب الغار صخرة وانصرفت، فجعل الله رزقه في إبهامه فجعل يمصها، وجعل يشبّ في اليوم كما يشبّ غيره في الجمعة، ويشبّ في الجمعة كما يشبّ غيره في الشهر ويشبّ في الشهر، كما يشبّ غيره في السنة، ثم استأذنت أباه في رؤيته فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم وعيناه تزهران كأنهما سراجان، فضمته إلى صدرها وأرضعته وانصرفت، فسألها أبوه فقالت: واريته بالتراب، فمكثت تعتلّ فتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم فتضمه إليها وترضعه وتنصرف، فلما تحرك وأرادت الإنصراف أخذ ثوبها وقال لها: اذهبي بي معك، فقالت: حتى أستأمر أباك، فلم يزل إبراهيم في الغيبة مخفيا لشخصه كاتماً لأمره حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى، ثم غاب الغيبة الثانية وذلك حين نفاه الطاغوت عن المصر، فقال: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الآية. ثم قال الصدوق: ولإبراهيم (عليه السلام) غيبة أخرى سار فيها في البلاد وحده للإعتبار، ثم روى حديثاً يتضمن ذلك.(25)
غيبة يوسف (عليه السلام)
قال الصدوق: وأما غيبة يوسف (عليه السلام) فإنها كانت عشرين سنة، لم يدهّن فيها ولم يكتحل ولم يتطيّب ولم يمسّ النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف واخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيام في الجبّ، وفي السجن بضع سنين، وفي الملك الباقي، وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وبينهما مسير تسعة أيام، فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله وإلقائهم إياه في غيابة الجب، ثم بيعهم إياه بثمن بخس، ثم بلواه بامرأة العزيز، ثم بالسجن بضع سنين، ثم صار إليه ملك مصر، وجمع الله تعالى شمله وأراه تأويل رؤياه.
ثم روى الصدوق: بسنده عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال: كان يعقوب (عليه السلام) يعلم أن يوسف حي لم يمت وأن الله سيظهره له بعد غيبته، وكان يقول لبنيه (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وكان بنوه يفنّدونه على ذكره ليوسف.
ثم قال الصدوق: فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب حال يعقوب في معرفته بيوسف وغيبته، وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال أخوة يوسف الذين قالوا لأبيهم (تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)، وقول يعقوب (عليه السلام) (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) دليل على أنه قد كان علم أن يوسف حي وأنه إنما غيّب عنه للبلوى والامتحان.
ثم روى بسنده عن الصادق (عليه السلام): إن في القائم (عليه السلام) سنّة من يوسف (عليه السلام): إلى أن قال: إن إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم أخوته وهو أخوهم ولم يعرفوه حتى قال لهم (أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز وجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجّته عنهم، لقد كان يوسف إليه ملك مصر وبينه وبين والده مسير ثمانية عشر يوماً،(26) فلو أراد الله تبارك وتعالى يفعل بحجّته ما فعل بيوسف، أن يكون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عز وجل له بأن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف (عليه السلام) حين قال: (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ * قالُوا أَ إِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي).(27)
غيبة موسى (عليه السلام)
روى الصدوق بسنده عن سيد العابدين عن أبيه سيد الشهداء عن أبيه سيد الوصيين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن يوسف لما حضرته الوفاة جمع شيعته وأهل بيته، وأخبرهم بشدّة تنالهم تقتل فيها الرجال وتشقّ بطون الحبالى وتذبح الأطفال حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوى بن يعقوب، وهو رجل اسمر طويل).
وفي رواية عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لهم: إن هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب، وإنما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لأوى بن يعقوب اسمه موسى بن عمران، غلام طويل جعد آدم. فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمّي إبنه عمران ويسمّي عمران إبنه موسى.
وفي رواية عن الباقر (عليه السلام): إنه ما خرج موسى حتّى خرج قبله خمسون كذّابا كلّهم يدعي أنّه موسى بن عمران. فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام، وقال له كهنته: هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام، الذي يولد العام في بني إسرائيل. فوضع القوابل على النساء وقال: لا يولد العام غلام إلا ذبح، ووضع على أمّ موسى قابلة، فلمّا حملت به وقعت عليها المحبّة لها وقالت لها القابلة: مالك يا بنيّة تصفرّين وتذوبين؟ قالت: لا تلوميني فإني إذا ولدت أخذ ولدي فذبح، قالت: لا تحزني فإنّي سوف أكتم عليك، فلما ولدت حملته فأدخلته المخدع وأصلحت أمره، ثم خرجت إلى الحرس وكانوا على الباب، فقالت: إنصرفوا فإنه خرج دم متقطع، فانصرفوا، فأرضعته، فلمّا خافت عليه أوحى الله إليها أن اعملي التابوت، ثم اجعليه فيه ثم أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر. فوضعته في الماء، فجعل يرجع إليها وهي تدفعه في الغمر، فضربته الريح فهمّت أن تصيح فربط الله على قلبها، وقالت امرأة فرعون إنها أيام الربيع فاضرب لي قبّة على شطّ النيل حتى أتنزه، ففعل وأقبل التابوت يريدها، فأخذته فإذا فيه غلام من أَجملِ الناس، فوقعت عليه منها محبّة وقالت: هذا ابني؟ وقالت لفرعون: إني أصبت غلاما طيّباً حلوا نتخذه ولداً فيكون قرة عين لي ولك فلا تقتله، فلم تزل به حتّى رضي، فلما سمع الناس أن الملك قد تبنى إبنا لم يبق أحد من رؤساء أصحابه إلا بعث إليه امرأته لتكون له ظئرا، فلم يأخذ من امرأة منهنّ ثديا، فقالت أم موسى لأخته: انظري أترين له أثراً؟ فأتت باب الملك، فقالت: بلغني أنكم تطلبون ظئراً، وها هنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفله لكم، فقال الملك: أدخلوها، فوضعنه في حجرها، ثم ألقمته ثديها فازدحم اللبن في حلقه، فلما عرف فرعون أنها من بني إسرائيل، قال: هذا مما لا يكون الغلام والظئر من بني إسرائيل، فلم تزل امرأته تكلمه فيه وتقول: ما تخاف من هذا الغلام؟ إنما هو إبنك ينشأ في حجرك حتى قلبته عن رأيه. وكتمت أمه خبره وأخته والقابلة حتى هلكت أمّه والقابلة فلم تعلم به بنو إسرائيل، وكانوا يطلبونه ويسألون عنه فعمي عليهم خبره، وبلغ فرعون أنهم يطلبونه فزاد في العذاب عليهم وفرّق بينهم ونهاهم عن الإخبار به والسؤال عنه.
الهوامش
(1) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 368، باب 34، ح6. (2) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 360، باب 34، ح5. (3) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 372، باب 35، ح6، وعيون أخبار الرضا،
: 297، باب 66، ح35. (4) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 377، باب 36،
. (5) كفاية الأثر للخزاز القمي: 279، والآية في سورة البقرة: 148. (6) كفاية الأثر للخزاز القمي: 283. (7) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 381، باب 37، ح5. (8) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 382، باب 37، ح37، ح6 و7. (9) الكافي للكليني،
: 328،
. (10) الكافي للكليني،
: 328،
. (11) الكافي للكليني،
: 328، ح3. (12) الكافي للكليني،
: 329، ح4، ولفظ الحديث: (عن حمدان القلانسي قال: قلت للعمري: قد مضى أبو محمد؟ فقال لي: قد مضى ولكن قد خلف فيكم من رقبته مثل هذه، وأشار بيده). (13) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 409، باب 38، ح8. (14) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 410، باب 38، ح9. (15) إعلام الورى للطبرسي،
: 257. (16) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 345، باب 33، ح31. (17) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 322، باب 31، ح3. (18) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 152، باب 6،
4. (19) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 153، باب 6،
6 وص327، باب 32، ح6. (20) في المصدر: وتعب. (21) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 327، باب 33، ح7، وص350، ح46. (22) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 329، باب 32،
1. (23) واسعها. (24) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 127- 136، باب 1
. (25) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 137- 141، والآية في سورة مريم: 49. (26) مرّ عن الصدوق أنها تسعة أيام، وهو يخالف الرواية والمشاهدة، ولعل مراده أنه يمكن قطعها في تسعة كما دل عليه ما في هذه الرواية. (27) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 141- 145، باب 5، والآيات حسب الترتيب في سورة يوسف: 86، 96، 90، 89 و90.
قال في الرواية الأولى: ووقعت الغيبة والشدة ببني إسرائيل وهم ينتظرون قيام القائم أربعمائة سنة، حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره اشتدت البلوى عليهم وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فإستتر، فراسلوه فخرج بهم إلى بعض الصحارى وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر، وكانت ليلة قمراء، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى وهو حدث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة، فعدل عن موكبه إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز، فعرفه الفقيه بالنعت، فانكب الفقيه على قدميه وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك، وعلم الشيعة أنه صاحبهم، فسجدوا شكراً لله، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجّل الله فرجكم، ثم غاب وخرج إلى مدين فأقام عند شعيب، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى، وكانت نيفاً وخمسين سنة، واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه، فبعثوا إليه فطيب قلوبهم وأعلمهم أن الله عز وجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة فحمدوا الله، فأنقصها الله إلى ثلاثين فقالوا: كل نعمة فمن الله، فجعلها عشرين، فقالوا: لا يأتي بالخير إلا الله، فجعلها عشراً فقالوا: لا يصرف الشرّ إلا الله، فأوحى الله إليه: قل لهم: لا ترجعوا فقد أذنت في فرجكم، فبينما هم كذلك إذ طلع موسى راكباً حماراً فسلم عليهم، فقال له الفقيه: ما اسمك؟ قال: موسى، قال: إبن من؟ قال: إبن عمران. قال: إبن من؟ قال: إبن فاهت بن لاوى بن يعقوب، قال: بم جئت؟ قال: بالرسالة من عند الله عز وجل، فقام إليه فقبل يده، ثم جلس بينهم وطيب نفوسهم وأمرهم أمره، ثم فرقهم، وكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة.(1)
وقوع الغيبة بالأوصياء والحجج من بعد موسى إلى زمان المسيح (عليهما السلام):
روى الصدوق في إكمال الدين باسناده عن أهل البيت (عليهم السلام): أن يوشع بن نون (عليه السلام) قام بالأمر بعد موسى صابراً من الطواغيت على البلاء حتى مضى منهم ثلاثة، فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امرأة موسى (عليه السلام) في مائة ألف، فغلبهم يوشع فقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين، وأسر صفراء.
واستتر الأئمة بعد يوشع إلى زمان داود (عليه السلام) أربعمائة سنة، وكانوا أحد عشر حتى انتهى الأمر إلى آخرهم، فغاب عنهم ثمّ ظهر فبشرهم بداود (عليه السلام) وأخبرهم أنّ داود يطهّر الأرض من جالوت وجنوده، وكانوا يعلمون أنّه قد ولد وبلغ أشدّه ويرونه ولا يعلمون أنه هو، ولما فصل طالوت بالجنود خرج أخوة داود وأبوهم وتخلف داود، واستهان به إخوته وقالوا ما يصنع في هذا الوجه، فأقام يرعى غنم أبيه، واشتدت الحرب وأصاب الناس جهد، فرجع أبو داود وقال له: إحمل إلى إخوتك طعاماً يتقوّون به، وكان داود (عليه السلام) قصيراً قليل الشعر، فمر بحجر فناداه خذني واقتل بي جالوت فإنّي إنما خلقت لقتله. فأخذه ووضعه في مخلاته التي تكون فيها حجارته التي يرمي بها غنمه، وأدخل على طالوت فقال: يا فتى ما عندك من القوّة. قال: كان الأسد يعدو على الشاة فآخذ برأسه وأقلب لحييه عنها فآخذها من فيه، وكان الله أوحى إلى طالوت أنّه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملأها، فدعا بدرعه فلبسها داود فاستوت عليه، فقال داود: أروني جالوت، فلمّا رآه أخذ الحجر فرماه به فصكّ به بين عينيه فدمغه وتنكّس من دابّته وملكه الناس، وأنزل الله عليه الزبور، وعلمه صنعة الحديد فلينّه، له وأمر الجبال والطير أن تسبّح معه، وأعطاه صوتاً لم يسمع بمثله حسنا، وأعطي قوة في العبادة، وأقام في بني إسرائيل نبيا. وهكذا يكون سبيل القائم (عليه السلام) له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله عز وجل فناداه أخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله، وله سيف مغمد إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف: أخرج يا ولي الله فلا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم، ويقيم حدود الله ويحكم بأحكام الله عز وجل. ثم أن داود استخلف سليمان (عليه السلام) وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، ثم غيبه الله غيبة طال أمدها. ثم ظهر لهم، ثم غاب عنهم ما شاء الله، وتسلط عليهم بختنصّر وبقي دانيال أسيراً في يده تسعين سنة، ثم جعله في جب، واشتدت البلوى على شيعته المنتظرين لظهوره وشك أكثرهم في الدين لطول الأمد، ثم أخرجه بختنصر لرؤيا رآها، فظهر من مكان مستترا من بني إسرائيل، ثم توفي دانيال وأفضى الأمر بعده إلى عزيز فكانوا يأخذون عنه معالم دينهم، فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه، وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا فظهر وله سبع سنين ووعدهم الفرج بقيام المسيح بعد نيف وعشرين سنة، فلما ولد المسيح (عليه السلام) أخفى الله ولادته وغيب شخصه لأن أمه انتبذت به مكانا قصياً، فلما ظهر عيسى اشتدت البلوى والطلب على بني إسرائيل حتى أفضى بهم الإستتار إلى جزيرة من جزائر البحر.(2)
---------------------------------------------------
(1) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 145- 147، باب 6. (2) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 153- 158، باب 7.
غيبة إدريس (عليه السلام)
قال الصدوق في إكمال الدين:
أول الغيبات غيبة إدريس النبي (عليه السلام) المشهورة حتى آل الأمر بشيعته إلى أن تعذر عليهم القوت، وقتل الجبار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيهم، ثم ظهر (عليه السلام) فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده وهو نوح (عليه السلام)، ثم رفع الله إدريس إليه فلم تزل الشيعة يتوقعون قيام نوح (عليه السلام) قرناً بعد قرن وخلفاً عن سلف صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نوبة نوح، ثم ذكر حديثا عن الباقر (عليه السلام) يتضمن غيبة إدريس عشرين سنة مختفياً في غار لما خاف من جبار زمانه وملك من الملائكة يأتيه بطعامه وشرابه، ثم ذكر ظهور نبوة نوح (عليه السلام)، ثم روى بسنده عن الصادق (عليه السلام) أنه لما حضرت نوحا (عليه السلام) الوفاة دعا الشيعة، فقال لهم: إعلموا أنه ستكون من بعدي غيبة يظهر فيها الطواغيت، وأن الله عز وجل يفرّج عنكم بالقائم من ولدي اسمه هود، فلم يزالوا يترقبون هودا (عليه السلام) وينتظرون ظهوره حتى طال عليهم الأمد وقست قلوب أكثرهم، فأظهر الله تعالى ذكره نبيه هودا (عليه السلام) عند اليأس وتناهي البلاء، وأهلك الأعداء بالريح العقيم، ثم وقعت الغيبة بعد ذلك إلى أن ظهر صالح (عليه السلام).
غيبة صالح (عليه السلام)
ثم روى الصدوق بسنده عن الصادق (عليه السلام) أن صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه زماناً وكان يوم غاب عنهم كهلا مبدح البطن (23) حسن الجسم، وافر اللحية، خميص البطن، خفيف العارضين، مجتمعاً، ربعة من الرجال، فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه، وكانوا على ثلاث طبقات طبقة جاحدة، وأخرى شاكة، وأخرى على يقين.. إلى أن قال: وإنما مثل القائم مثل صالح (عليه السلام).(24)
غيبة ابراهيم (عليه السلام)
قال الصدوق عليه الرحمة: وأما غيبة إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) فإنها تشبه غيبة قائمنا صلوات الله عليه، بل هي أعجب منها، لأن الله عز وجل غيّب أثر إبراهيم (عليه السلام) وهو في بطن أمه حتى حوله عز وجل بقدرته من بطنها إلى ظهرها، ثم أخفي أمر ولادته إلى بلوغ الكتاب أجله.
ثم روى الصدوق بسنده عن الصادق (عليه السلام): أن أبا إبراهيم كان منجما لنمرود بن كنعان، فقال له: يولد في أرضنا مولود يكون هلاكنا على يديه، فحجب النساء عن الرجال، وباشر أبو إبراهيم امرأته فحملت به، وأرسل نمرود إلى القوابل لا يكون في البطن شيء إلا أعلمتن به، فنظرن إلى أم إبراهيم، فألزم الله ما في الرحم الظهر، فقلن: ما نرى شيئاً في بطنها، فلما وضعت أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود، فقالت له امرأته: لا تذهب بإبنك إلى نمرود فيقتله، دعني أذهب به إلى غار فأجعله فيه حتى يأتي عليه أجله، فذهبت به إلى غار وأرضعته، ثم جعلت على باب الغار صخرة وانصرفت، فجعل الله رزقه في إبهامه فجعل يمصها، وجعل يشبّ في اليوم كما يشبّ غيره في الجمعة، ويشبّ في الجمعة كما يشبّ غيره في الشهر ويشبّ في الشهر، كما يشبّ غيره في السنة، ثم استأذنت أباه في رؤيته فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم وعيناه تزهران كأنهما سراجان، فضمته إلى صدرها وأرضعته وانصرفت، فسألها أبوه فقالت: واريته بالتراب، فمكثت تعتلّ فتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم فتضمه إليها وترضعه وتنصرف، فلما تحرك وأرادت الإنصراف أخذ ثوبها وقال لها: اذهبي بي معك، فقالت: حتى أستأمر أباك، فلم يزل إبراهيم في الغيبة مخفيا لشخصه كاتماً لأمره حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى، ثم غاب الغيبة الثانية وذلك حين نفاه الطاغوت عن المصر، فقال: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الآية. ثم قال الصدوق: ولإبراهيم (عليه السلام) غيبة أخرى سار فيها في البلاد وحده للإعتبار، ثم روى حديثاً يتضمن ذلك.(25)
غيبة يوسف (عليه السلام)
قال الصدوق: وأما غيبة يوسف (عليه السلام) فإنها كانت عشرين سنة، لم يدهّن فيها ولم يكتحل ولم يتطيّب ولم يمسّ النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف واخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيام في الجبّ، وفي السجن بضع سنين، وفي الملك الباقي، وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وبينهما مسير تسعة أيام، فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله وإلقائهم إياه في غيابة الجب، ثم بيعهم إياه بثمن بخس، ثم بلواه بامرأة العزيز، ثم بالسجن بضع سنين، ثم صار إليه ملك مصر، وجمع الله تعالى شمله وأراه تأويل رؤياه.
ثم روى الصدوق: بسنده عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال: كان يعقوب (عليه السلام) يعلم أن يوسف حي لم يمت وأن الله سيظهره له بعد غيبته، وكان يقول لبنيه (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وكان بنوه يفنّدونه على ذكره ليوسف.
ثم قال الصدوق: فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب حال يعقوب في معرفته بيوسف وغيبته، وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال أخوة يوسف الذين قالوا لأبيهم (تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)، وقول يعقوب (عليه السلام) (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) دليل على أنه قد كان علم أن يوسف حي وأنه إنما غيّب عنه للبلوى والامتحان.
ثم روى بسنده عن الصادق (عليه السلام): إن في القائم (عليه السلام) سنّة من يوسف (عليه السلام): إلى أن قال: إن إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم أخوته وهو أخوهم ولم يعرفوه حتى قال لهم (أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز وجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجّته عنهم، لقد كان يوسف إليه ملك مصر وبينه وبين والده مسير ثمانية عشر يوماً،(26) فلو أراد الله تبارك وتعالى يفعل بحجّته ما فعل بيوسف، أن يكون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عز وجل له بأن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف (عليه السلام) حين قال: (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ * قالُوا أَ إِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي).(27)
غيبة موسى (عليه السلام)
روى الصدوق بسنده عن سيد العابدين عن أبيه سيد الشهداء عن أبيه سيد الوصيين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن يوسف لما حضرته الوفاة جمع شيعته وأهل بيته، وأخبرهم بشدّة تنالهم تقتل فيها الرجال وتشقّ بطون الحبالى وتذبح الأطفال حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوى بن يعقوب، وهو رجل اسمر طويل).
وفي رواية عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لهم: إن هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب، وإنما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لأوى بن يعقوب اسمه موسى بن عمران، غلام طويل جعد آدم. فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمّي إبنه عمران ويسمّي عمران إبنه موسى.
وفي رواية عن الباقر (عليه السلام): إنه ما خرج موسى حتّى خرج قبله خمسون كذّابا كلّهم يدعي أنّه موسى بن عمران. فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام، وقال له كهنته: هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام، الذي يولد العام في بني إسرائيل. فوضع القوابل على النساء وقال: لا يولد العام غلام إلا ذبح، ووضع على أمّ موسى قابلة، فلمّا حملت به وقعت عليها المحبّة لها وقالت لها القابلة: مالك يا بنيّة تصفرّين وتذوبين؟ قالت: لا تلوميني فإني إذا ولدت أخذ ولدي فذبح، قالت: لا تحزني فإنّي سوف أكتم عليك، فلما ولدت حملته فأدخلته المخدع وأصلحت أمره، ثم خرجت إلى الحرس وكانوا على الباب، فقالت: إنصرفوا فإنه خرج دم متقطع، فانصرفوا، فأرضعته، فلمّا خافت عليه أوحى الله إليها أن اعملي التابوت، ثم اجعليه فيه ثم أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر. فوضعته في الماء، فجعل يرجع إليها وهي تدفعه في الغمر، فضربته الريح فهمّت أن تصيح فربط الله على قلبها، وقالت امرأة فرعون إنها أيام الربيع فاضرب لي قبّة على شطّ النيل حتى أتنزه، ففعل وأقبل التابوت يريدها، فأخذته فإذا فيه غلام من أَجملِ الناس، فوقعت عليه منها محبّة وقالت: هذا ابني؟ وقالت لفرعون: إني أصبت غلاما طيّباً حلوا نتخذه ولداً فيكون قرة عين لي ولك فلا تقتله، فلم تزل به حتّى رضي، فلما سمع الناس أن الملك قد تبنى إبنا لم يبق أحد من رؤساء أصحابه إلا بعث إليه امرأته لتكون له ظئرا، فلم يأخذ من امرأة منهنّ ثديا، فقالت أم موسى لأخته: انظري أترين له أثراً؟ فأتت باب الملك، فقالت: بلغني أنكم تطلبون ظئراً، وها هنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفله لكم، فقال الملك: أدخلوها، فوضعنه في حجرها، ثم ألقمته ثديها فازدحم اللبن في حلقه، فلما عرف فرعون أنها من بني إسرائيل، قال: هذا مما لا يكون الغلام والظئر من بني إسرائيل، فلم تزل امرأته تكلمه فيه وتقول: ما تخاف من هذا الغلام؟ إنما هو إبنك ينشأ في حجرك حتى قلبته عن رأيه. وكتمت أمه خبره وأخته والقابلة حتى هلكت أمّه والقابلة فلم تعلم به بنو إسرائيل، وكانوا يطلبونه ويسألون عنه فعمي عليهم خبره، وبلغ فرعون أنهم يطلبونه فزاد في العذاب عليهم وفرّق بينهم ونهاهم عن الإخبار به والسؤال عنه.
الهوامش
(1) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 368، باب 34، ح6. (2) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 360، باب 34، ح5. (3) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 372، باب 35، ح6، وعيون أخبار الرضا،













قال في الرواية الأولى: ووقعت الغيبة والشدة ببني إسرائيل وهم ينتظرون قيام القائم أربعمائة سنة، حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره اشتدت البلوى عليهم وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فإستتر، فراسلوه فخرج بهم إلى بعض الصحارى وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر، وكانت ليلة قمراء، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى وهو حدث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة، فعدل عن موكبه إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز، فعرفه الفقيه بالنعت، فانكب الفقيه على قدميه وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك، وعلم الشيعة أنه صاحبهم، فسجدوا شكراً لله، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجّل الله فرجكم، ثم غاب وخرج إلى مدين فأقام عند شعيب، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى، وكانت نيفاً وخمسين سنة، واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه، فبعثوا إليه فطيب قلوبهم وأعلمهم أن الله عز وجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة فحمدوا الله، فأنقصها الله إلى ثلاثين فقالوا: كل نعمة فمن الله، فجعلها عشرين، فقالوا: لا يأتي بالخير إلا الله، فجعلها عشراً فقالوا: لا يصرف الشرّ إلا الله، فأوحى الله إليه: قل لهم: لا ترجعوا فقد أذنت في فرجكم، فبينما هم كذلك إذ طلع موسى راكباً حماراً فسلم عليهم، فقال له الفقيه: ما اسمك؟ قال: موسى، قال: إبن من؟ قال: إبن عمران. قال: إبن من؟ قال: إبن فاهت بن لاوى بن يعقوب، قال: بم جئت؟ قال: بالرسالة من عند الله عز وجل، فقام إليه فقبل يده، ثم جلس بينهم وطيب نفوسهم وأمرهم أمره، ثم فرقهم، وكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة.(1)
وقوع الغيبة بالأوصياء والحجج من بعد موسى إلى زمان المسيح (عليهما السلام):
روى الصدوق في إكمال الدين باسناده عن أهل البيت (عليهم السلام): أن يوشع بن نون (عليه السلام) قام بالأمر بعد موسى صابراً من الطواغيت على البلاء حتى مضى منهم ثلاثة، فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امرأة موسى (عليه السلام) في مائة ألف، فغلبهم يوشع فقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين، وأسر صفراء.
واستتر الأئمة بعد يوشع إلى زمان داود (عليه السلام) أربعمائة سنة، وكانوا أحد عشر حتى انتهى الأمر إلى آخرهم، فغاب عنهم ثمّ ظهر فبشرهم بداود (عليه السلام) وأخبرهم أنّ داود يطهّر الأرض من جالوت وجنوده، وكانوا يعلمون أنّه قد ولد وبلغ أشدّه ويرونه ولا يعلمون أنه هو، ولما فصل طالوت بالجنود خرج أخوة داود وأبوهم وتخلف داود، واستهان به إخوته وقالوا ما يصنع في هذا الوجه، فأقام يرعى غنم أبيه، واشتدت الحرب وأصاب الناس جهد، فرجع أبو داود وقال له: إحمل إلى إخوتك طعاماً يتقوّون به، وكان داود (عليه السلام) قصيراً قليل الشعر، فمر بحجر فناداه خذني واقتل بي جالوت فإنّي إنما خلقت لقتله. فأخذه ووضعه في مخلاته التي تكون فيها حجارته التي يرمي بها غنمه، وأدخل على طالوت فقال: يا فتى ما عندك من القوّة. قال: كان الأسد يعدو على الشاة فآخذ برأسه وأقلب لحييه عنها فآخذها من فيه، وكان الله أوحى إلى طالوت أنّه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملأها، فدعا بدرعه فلبسها داود فاستوت عليه، فقال داود: أروني جالوت، فلمّا رآه أخذ الحجر فرماه به فصكّ به بين عينيه فدمغه وتنكّس من دابّته وملكه الناس، وأنزل الله عليه الزبور، وعلمه صنعة الحديد فلينّه، له وأمر الجبال والطير أن تسبّح معه، وأعطاه صوتاً لم يسمع بمثله حسنا، وأعطي قوة في العبادة، وأقام في بني إسرائيل نبيا. وهكذا يكون سبيل القائم (عليه السلام) له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله عز وجل فناداه أخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله، وله سيف مغمد إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف: أخرج يا ولي الله فلا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم، ويقيم حدود الله ويحكم بأحكام الله عز وجل. ثم أن داود استخلف سليمان (عليه السلام) وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، ثم غيبه الله غيبة طال أمدها. ثم ظهر لهم، ثم غاب عنهم ما شاء الله، وتسلط عليهم بختنصّر وبقي دانيال أسيراً في يده تسعين سنة، ثم جعله في جب، واشتدت البلوى على شيعته المنتظرين لظهوره وشك أكثرهم في الدين لطول الأمد، ثم أخرجه بختنصر لرؤيا رآها، فظهر من مكان مستترا من بني إسرائيل، ثم توفي دانيال وأفضى الأمر بعده إلى عزيز فكانوا يأخذون عنه معالم دينهم، فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه، وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا فظهر وله سبع سنين ووعدهم الفرج بقيام المسيح بعد نيف وعشرين سنة، فلما ولد المسيح (عليه السلام) أخفى الله ولادته وغيب شخصه لأن أمه انتبذت به مكانا قصياً، فلما ظهر عيسى اشتدت البلوى والطلب على بني إسرائيل حتى أفضى بهم الإستتار إلى جزيرة من جزائر البحر.(2)
---------------------------------------------------
(1) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 145- 147، باب 6. (2) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 153- 158، باب 7.
تعليق