الصوفية في تعز على عهد ولي الله الصالح السيد علي بن أحمد الرميمة (السيد عدنان الجن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وائل الرميمه
    • Apr 2009
    • 32

    الصوفية في تعز على عهد ولي الله الصالح السيد علي بن أحمد الرميمة (السيد عدنان الجن

    صاحب الحضرة والمقام
    القطب الرباني
    و
    الهيكل الصمداني
    السيد علي بن أحمد الرميمة
    قدس الله سره
    ورفع في الملك والملكوت قدره

    مشائخه في التصوف- الطرق الصوفية في عصرة- علاقته بالسلطة السياسية- ذريته المباركة
    السيد/عدنان الجنيد





    المقدمة :
    الحمد لله الذي ألبس أولياءه خلع الجلال والجمال ، وسقاهم كاسات الوصال ، والصلاة والسلام على نقطة بيكار الأنبياء وممد ساداتنا الأولياء ، وعلى آله الأصفياء ومن والاهم من المحبين الأوفياء .
    وبعــــــد ..
    إن التعرف على سير الصالحين واستجلاء أخبارهم ومعرفة أحوالهم ،لهي من الأمور التي تثبت قلوب المريدين ، وتوقظ همم السالكين إلى منازل المقربين ، قال تعالى:[وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ] 12:11
    ومن يستقرئ القرآن الكريم فسوف يجده مشحوناً بذكر قصص الأنبياء والمرسلين ، وبعض أخبار الأولياء المقربين ، وذلك لتكون سيرهم نصب أعيننا، ودروساً ومواعظاً في حياتنا ، نتخلق بأخلاقهم ونسير على دربهم ، ونكون من حزبهم، ونتفانى بمحبتهم . فالله سبحانه وتعالى ما ذكرهم في كتابه إلا لكي نفهم عنه بأن تخليد ذكرهم مما يرضيه تعالى.
    فالكتابة عنهم ونشر سيرهم ومناقبهم للناس كي يحذوا حذوهم ، ويسلكوا نهجهم يعد تعظيماً لشعائر الله: [ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب].32:22
    فالشعائر معناها- كما بينه المفسرون- معالم الدين ، وإذا كانت مناسك الحج تسمى بالشعائر، فإنما لكونها علامات للتوحيد والدين الحنيف ، وكل ما هو شعيرة لدين الله فإن تعظيمه مما يقرب إلى الله تعالى .
    ولا شك أن الأولياء- فضلاً عن الأنبياء- هم أكبر وأبرز علامات دين الله تعالى ، فتخليد ذكرهم والكتابة عنهم هو نوع من تعظيمهم واحترامهم .
    ونحن في هذه الوريقات سنضع ومضات نورانية عن شخصية عرفانية ، لها دور كبير في نشر التصوف بمحافظة تعـز(الجمهورية اليمنية)، لا سيما في جبل صبر ، وعند ذكر الصالحين تتنزل الرحمات وتتعرض النفوس للنفحات ، فوالله إن محبتهم نافعة وأنوارهم للمحبين ساطعة فما العيش إلا تحت ظلهم ، وما السعادة إلا في السير على دربهم .
    وعندما هاجت القريحة بحبهم ، صاحت ونادت في حيهم على جهة الافتخار بقربهم فقالت :
    فوالله ما طاب الزمان بغيرهم
    هم الأولياء العارفون بربهم
    وهذا الرميمة عينهم وكبيرهم
    فذا قطب أقطاب الوجود جميعهم
    لقد كان روحاً واقفاً متصرفاً
    تمر به الأيام للبطن طاوياً
    تكلمه الجدران والصرب والحصى
    وأُوتي كشفاً صادقاً ببصيرةٍ
    وسوف ترى ما في السطور لواحقاً
    فشمر ولذ بالأولياء فإنهم
    تفانيت فيهم بل بليت بحبهم
    لقد سكنوا قلبي ومالي غيرهـم
    فلولاهم ما كنت أرضى بعيـشتي
    أعد يا نديمي ذكرهم كل مرةِ
    وفيه وجدت النور حلَّ بمهجتي
    وقد نال من أيدي العلا كل رتبةِ
    وليس له نفس” تحث برغبةِ
    ويكفيه فيها أن يذق بعض أكلةِ
    بأن قدوم الضيف آتٍ ببغتةِ
    فقد أثبت التاريخ ذاك لحكمةِ
    كرامات فتح للرميمة عزتِ
    ملوك على التحقيق أنوار حضرةِ
    شُغلت بهم عن ذكر ليلى ولبنةِ
    عليهم من الرحمن أزكى تحيـةِ


    إن هدفنا في الكتابة عن هذه الشخصية هو صد هجمة الكذب المشين التي يتبناها الجاحدون الذين جعلوا همهم وشغلهم بل وتكوين شخصياتهم اللاأخلاقية مبنياً على تحقير الأولياء ، وتتبع إشكالات أقوالهم بحسب نظرهم وفهمهم الضيق حتى شغلوا جيل العصر عن بناء الإسلام الحق ديناً ودولة بأقوال واهية وآراء خاوية، لا تسمن ولا تغني من جوع، تركوا الشراب وتمسكوا بالسراب وراحوا يقيسون الصقر بالغراب ، والنحلة بالذباب ولم يفرقوا بين الناصبة والأحباب .
    ولنشرع الآن في مقصودنا ونتكلم عن محبوبنا ألا وهو السيد العارف الذي من بحر المصطفى غارف القطب الرباني ، والهيكل الصمداني ، صاحب الحضرة والمقام والذاكر الله على الدوام ، الشيخ / علي بن أحمد الرميمة القادري مشرباً وطريقة ، والهادوي مذهباً ومنهجاً .
    نسبه قدس الله سره
    جاء في سجلات النسب التي في حوزة أحفاده بأنه السيد علي بن أحمد بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن إدريس بن جعفر الزكي بن علي النقي بن محمد التقي بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زيد العابدين بن شهيد كربلاء الإمام الحسين بن الإمام الوصي علي بن أبي طالب زوج البتول فاطمة بنت الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- .

    نســب كأن عليـه شمس الضحـى
    نور ومن فلق الصبـاح عمودا
    ما فيه إلا سيد وابن ســـيد
    حـاز المكارم والتقى والجودا
    ونجد أن الشيخ علي الرميمة يلتقي مع الإمام يحيى بن حمزة عند جده يوسف بن علي بن إبراهيم ، فقد جاء في كتاب "طبقات الزيدية" القسم الثالث ما نصه: "يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن إدريس... إلى آخر النسب" أ.هـ.
    وهذه الترجمة للإمام يحيى بن حمزة تؤكد صحة نسب السيد علي الرميمة وأنه من السادة الحسينيين ، وأجداده هؤلاء كلهم ينتهجون مذهب العترة الطاهرة ، وهو المنهج الذي كان عليه سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- ، وكيف لا يكون مذهبهم كذلك و آباؤهم كانوا بحور العلم والمعرفة ومؤسسو الفقه ، وجميع أئمة المذاهب إنما أخذوا عنهم وتتلمذوا لديهم ، سيما لدى الإمام جعـفر الصـادق-عليه السـلام- .
    وهذا أحد أجداد الشيخ علي الرميمة واسمه علي بن إبراهيم ، كان يسكن في قرية من قرى البصرة تسمى «حدان» كما ذكر الحميري ، أفادني بهذا السيد عبد العزيز الرميمة أحد ذرية الشيخ علي الرميمة ، وأفادني – أيضاً – بأنه وجد في كتاب «سير أعلام النبلاء» بأن الذهبي قال عند ترجمة علي بن إبراهيم بأنه صدوق لكنه شيعي جلد له مؤلفات جمَّة تزيد على المائة..اهـ
    قلت : ويقصد الذهبي بقوله «شيعي جلد» أي أنه يُقَّدم علياً على الشيخين من حيث الأفضلية. وأخبرني- أيضاً – بأن أول من قدم من أجداد جده الرميمة إلى اليمن ، هو جده يوسف بن علي بن إبراهيم ، والدليل أن تراجم الإمام يحيى بن حمزة تحكي بأن جد يحيى بن حمزة جاء من البصرة ( العراق) وسكن مدينة صعدة ، وجده هذا يقيناً هو يوسف الذي يلتقي به مع نسب جدي الرميمة. اهـ .
    أقول : لا بأس بكلام السيد عبد العزيز المذكور آنفاً ولكني وجدت في كتاب السلوك بأن علي بن إبراهيم – جد يحيى بن حمزة – قدم من العراق ومعه ابنه حمزة أيام الإمام السراجي .
    وحقيقة قضية الجد الذي وصل إلى صعدة ، سواء يوسف أو علي بن إبراهيم تحتاج إلى بحث واستقصاء في كتب الأنساب .
    نشأته وظهوره وأهم مشائخه في التصوف
    المهم من هذا وذاك أن شيخنا الرميمة ولد في صعدة وقضى جزءاً من حياته فيها وكان يسودها المذهب الزيدي الهادوي ، فتعلَّم على يد والده وعلماء عصره ، ونشـأ نشأة صالحة متخلقاً بأخلاق أجداده ، عارفاً لعلومهم ، وسائراً على منهجهم. يقول سيدي الشيخ محمد يحيى الجنيد:«بأن الشيخ علي الرميمة كان في صعدة ، وكان وصوله إلى تعز عن طريق أبين متخذاً منها جسراً لبث أفكاره » وعند وصوله إلى تعـز سكن في منطقة الوحيز( وهي منطقة صينه الآن وسيأتي تحديد موقعها لاحقاً )، ومنها بدأت انطلاقته الصوفية ، والذي ساعده على ذلك هو أن عصره كان خصباً في رجالات التصوف ، فقد كان ظهوره في بداية القرن السادس الهجري ، ومعلوم أن القرنين الخامس والسادس الهجريين وصل التصوف فيهما إلى قمة ازدهاره ، فقد تغنت أطياره وترجمت أسراره واتسع انتشاره حتى كثر أنصاره ، فظهر فيهما أقطابه العظام وأعلامه الفخام ، كالإمام أحمد بن علوان(ت665هـ)، والشيخ أبو الغيث بن جميل(ت651هـ)، والشيخ محمد البجلي(ت621هـ)، والشيخ محمد الحكمي(ت617هـ)، والشيخ عمر بن المسن المعروف بالطيار ، والشيخ علي الحداد ، والشيخ مدافع ـ وسيأتي لاحقاً تأريخ وفاتهم ـ
    وأما في غير اليمن فهم كأمثال الإمام محي الدين بن عربي(ت638هـ)، والغوث عبدالقادر الجيلاني(ت561هـ)، والسيد أحمد البدوي(ت675هـ)، والشيخ الكامل أحمد الرفاعي(ت578هـ) ، والشيخ أبي الحسن الشاذلي(ت656هـ) ، والشيخ الكبير أبي مدين التلمساني(ت593هـ)، وغيرهم من أهل الله قدس الله أسرارهم .
    وأول طريقة صوفية بدأت في الانتشار، هي الطريقة القادرية ، فقد أدخلت إلى اليمن في منتصف القرن الخامس ، وأول من أدخلها الشيخ الكبير العارف بالله علي بن عبد الرحمن الحداد ـ وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً ـ وعنه أخذها الشيخ مدافع بن أحمد بن محمد المعيني صاحب الكرامات والمكاشفات ، وهو يُعد شيخ الفتح لسيدي علي الرميمة ، فقد صحبه وأخذ عنه الطريقة القادرية ، قال صاحب كتاب السلوك :« إنه ـ أي الرميمة ـ صحب الشيخ مدافع وحقق له». ولا بد لنا في هذا الصدد أن نذكر ترجمة موجزة عن شيخ سيدي علي الرميمة .
    الشيخ مدافع المعيني
    هو الشيخ العارف بالله مدافع بن أحمد بن محمد المعيني الخولاني ، فالمعيني نسبة إلى جد قبيلة كبيرة من خولان يعرفون ببني معين بضم الميم أصل بلده من شرعب.
    كان من أكابر أرباب الأحوال والكرامات والمكاشفات ، أجمع الناس على ولايته وكماله ، وفيه قلت هذه الأبيات:
    لله در مدافع الخولاني
    بحر المعارف سرها وبريقها
    ما من فقيه جاءه متتلمذاً
    مثل ابن ساوح خصه بمحبةٍ
    وابن جميل قد أتاه راجياً
    فأعاد فيه مدافع ما قد فقد
    ياسيدي أرجو رضاكم إنني
    مني سلامُ عاطرُُ متواصل
    شيخ الشيوخ وقرة الأعياني
    من ذا ينافسه من الأقراني
    إلا وأصبح عارفاً رباني
    ثم اصطفاه مرجع الإخواني
    يشكو الغياب لحاله الرباني
    وسقاه كأساً ماله من ثاني
    عبدُُ مقلُُ صرت كالحيراني
    يغشاكم يابهجة الأزمانِ

    أخذ الطريقة القادرية عن الشيخ علي الحداد- كما سيأتي لاحقاً- وكان مسكنه في قرية الوحيز- غربي مدينة تعز، وتعرف الآن «بصينة» ومنها الطريق المؤدي إلى مشرعة وحدنان- ومن كراماته أن شمس الشموس ومحي النفوس صاحب المقام المحروس سيدى أبا الغيث بن جميل فقد شيئاً من أحواله في أيام بدايته ، فوصل إلى الشيخ مدافع وأقام عنده أياماً حتى رد الله عليه حاله الذي فقده
    ومن مكاشفاته- قدس الله سره- أنه كان له ابنتان خطبهما جماعة من أعيان الناس فلم يقبل منهم أحداً ، فسأله بعض خواصه عن ذلك ، فقال: إن زوجيهما من وراء البحر وسيصلان عمَّا قريب ، فلما وصل الشريفان أبو الحديد وأخوه زوجهما بهما ، فعرف أن ذلك كان منه على طريق الكشف ..
    وكانت وفاة الشيخ مدافع سنة(ت618هـ) في ظفار، وهي الآن ترجع لدولة عمان ، وقبره هنالك مشهور يقصد للزيارة والتبرك وتستنجح عنده الحوائج ، وللشيخ مدافع في قرية الوحيز ذرية مباركة...
    وسنذكر- لاحقاً- سبب ذهابه إلى ظفار ثم إلى الهند ثم رجوعه إلى ظفار ووفاته فيها ،وأما الضريح الذي في قرية الوحيز- صينه- والذي عليه القبة ، إنما هو ضريح ولده الشيخ عمر بن مدافع المتوفى سنة(ت680هـ).
    ...جاء سيدي علي الرميمة إلى الشيخ مدافع لؤلؤة عجماء فثقبه- أي مدافع- بأنواره وحشاه بأسراره ، حتى لمع نجمه في سماء الظهور ، وصار اسمه في ديوان الأولياء مشهوراً ، وأصبح أحد رجالات الفكر الإسلامي ، صوفياً من الطراز الأول ، صاحب خلق وصفاء وكرم ووفاء ، متابعاً لنبيه المصطفى ، ومخالفاً لأهل الطمع والجفا ، فأصبحت مجالسته شفاءً ومغفرة لمن زلَّ وهفا...
    كان- قدس الله- سره مع الله تعالى في كل نفس يلهج بذكره ، ولا ينقطع عن شكره ، لا يتكلم إلا عنه ، ولا يسمع إلا منه ، ولا ينظر إلا إليه ، ولسان حاله يقـول :
    تجلَّى حبيبي في مرائي جمـاله
    فلما تجلَّـى حسنه متنـوعـاً
    ففي كل مرأى للحبيب طلائع
    تسمَّى بأسماء فهن مطالـع

    لم تخطر الدنيا له في بال ، لأنها لم تكن في قلبه ولا في يده ، وإن كان بعض الصوفية جعلوها في أيديهم بعد أن أخرجوها من قلوبهم ، أما هو فقد تركها ظاهراً وباطناً .
    لقد بلغ الذروة في قناعته وزهده لدرجة أنه كان يقتات في الشهر ما يقتاته غيره في اليوم الواحد ، ويقتات للسنة ما يقتاته غيره في شهر ـ وسيأتي توضيح ذلك لاحقاً عند ذكر كراماته ـ
    بهـذا تعلم أنه كان شيخاً روحانياً خفيف الظل شفَّافاً يهزه النسيم ولا تحركه زلزلة الجبل العظيم ، ولقد كان يكثر من العبادة وقيام الليل حتى نحل جسمه وأصفر جسده و لسان حاله يقول :
    جسمي النحيل يقول هذا عاشق ويقول دمع العين هذا مغرم
    الطرق الصوفية التي كانت قائمة في عصره- قدس الله سره- :
    ظهرت في اليمن ثلاث طرق صوفية في زمن الشيخ الرميمة وهن: الطريقة القادرية ، ثم الشعيبية ، ثم الرفاعية ، وكلها مستوردة ولها روادها في اليمن
    الطريقة القادرية: وهي أول طريقة صوفية بدأت في الانتشار،لا سيما في محافظتي تعز والحديدة، ومن قبلها الطريقة العلوية ، إلاَّ أن ظهورها كان في حضرموت والتي وضع بذرها هو السيد الإمام ، والحبر الهمام ، أبو الشيوخ ، عين السادات الأكابر، وأصل النجوم الزواهر، المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن أمير المؤمنين الإمام الوصي سيدنا ومولانا علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، وكانت وفاة السيد المهاجر سنة(345هـ) .ثم خلفه ولده الإمام عبيد الله (ت383هـ)، فتعهد تلك البذرة بالرعاية وسقاها بمائين الأول:ماء المنهج المهاجري(والده أحمد بن عيسى) ، والثاني: ماء الطريقة المكية(أبو طالب المكي). وذلك أنه(اجتمع في مكة المشرفة بالشيخ أبي طالب المكي ، وقرأ عليه كتابه قوت القلوب سنة(375هـ) ذكر ذلك في كتاب الياقوت الثمين) .ومن بعده أخذ لواء التصوف ولده الإمام علوي بن عبيد الله بن أحمد المهاجر الذي جعل من تلك البذرة شجرة وارفة ، يستظل الناس تحتها ويسيروا على نهجها ، فكانت الطريقة العلوية نسبة إلى هذا الإمام«وآل باعلوي به يُعرفون وإليه ينتسبون ، وهو أول من سُمي علوياً ، وأولاده- رضي الله عنهم- ذرية بعضها من بعض ، فجميع آل باعلوي منسوبة إليه في جميع الأرض ، وآل جديد وبصرى أخواه ، انقرضوا وبقي بنو علوي ، وهم المعروفون الآن في جميع النواحي والأقطار ، المشهورون عند جميع الأجناس من الناس.. » .
    ولنعد إلى الطريقة القادرية- التي تهمنا في بحثنا هذا لأنها طريقة شيخنا الرميمة- وهي تُنسب إلى مؤسسها القطب الرباني الغوث عبد القادر الجيلاني المتوفى سنة(ت561هـ). وكان أول من أدخل الطريقة القادرية إلى اليمن هو الشيخ الكبير أبو الحسن علي بن عبد الرحمن الحداد«وذلك أنه قصد حج بيت الله الحرام ، فصادف هنالك الشيخ القطب عبد القادر الجيلاني ، فلبس منه خرقة التصوف ، وأخذ عنه اليد ورجع إلى بلده فلبس الخرقة القادرية باليمن وأخذها عنه الناس ، وغالب مشائخ اليمن يرجعون في نسبة الخرقة إليه ، وكان لبسه لها من يد الشيخ عبد القادر الجيلاني تجاه الكعبة المعظمة في مقام إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم وذلك في شهر شعبان سنة(561هـ) » - يعني في نفس العام الذي توفي فيه الجيلاني- ومن المشائخ الذين أخذوا الطريقة عن الشيخ علي الحداد وصاروا فيما بعد من رواد الطريقة القادرية في اليمن هم :
    - الشيخ عبد الله الأسدي المتوفى سنة(620هـ).
    - الشيخ عمران الصوفي المتوفى سنة(647هـ)، وأخذها ـ أيضاً ـ عن الشيخ مدافع كما في السلوك
    - الشيخ الكامل العارف بالله مدافع بن أحمد بن محمد المعيني. وعنه أخذ الطريقة القادرية مشائخ كثر منهم :
    •الشيخ عثمان بن علي بن سعيد بن ساوح كما في كتابي السلوك والعقود اللؤلؤية ، وفي طبقات الخواص عثمان بن شاوح بالشين ، كان من خواص أصحاب الشيخ مدافع ، وله صداقة حميمة مع الشيخ علي الرميمة- كما ستعرفه لاحقاً-
    وعن هذا الشيخ أخذ الطريقة القادرية جماعة من المشائخ أشهرهم الشيخ عمر المسن المعروف بالطيار المتوفى سنة(640هـ)
    •الشيخ علي الرميمة فقد أخذ الطريقة القادرية عن الشيخ مدافع وصحبه الصحبة التامة- كما مرَّ سابقاً-
    الطريقة الشعيبية:وكان دخولها اليمن بداية القرن السادس بعد الطريقة القادرية وهي منسوبة إلى سيدي الغوث أبي مدين شعيب التلمساني ، المتوفى بتلمسان من أرض المغرب سنة(580هـ)
    «دعا الشيخ أبو مدين التلمساني أحد كبار تلاميذه وهو الشيخ عبد الرحمن المقعد ، وأمره أن يدخل من المغرب إلى مكة ، ومن مكة إلى حضرموت ، وقال له: إن لنا فيها أصحاباً ، سر إليهم ، وخذ عليهم عقد التحكيم ولبس الخرقة ، وقال فيما قال: إنك تموت في أثناء الطريق قبل أن تصل إليهم فأرسل إليهم من يأخذ عليهم عقد التحكيم ولبس الخرقة... وأعطاه الخرقة وأمره أن يعطيها الأستاذ الأعظم ـ يعني الفقيه المقدم ـ ، فلما وصل الشيخ عبد الرحمن المقعد إلى مكة المشرفة حضرته الوفاة ، فأوصى الشيخ عبد الله الصالح المغربي ، وهو من تلامذته ، وأعطاه الخرقة ، وقال له:«ستدخل مدينة( تريم) وتجد الشريف محمد بن علي- الفقيه المقدم- يقرأ على الفقيه علي بن أحمد بامروان ، فاعمد إليه وحكمه وألبسه هذه الخرقة ثم اذهب إلى مدينة (قيدون) إلى الشيخ سعيد بن عيسى العمودي»
    فما كان من الشيخ عبد الله المغربي إلا أن امتثل أمر شيخه وذهب إلى حضرموت ولما دخل تريم وجد الفقيه المقدم بين يدي شيخه بامروان ، فقال له: أيُّ جوهرة أنت لو ثقبت؟! فقال الفقيه: وما الثَّقبُ ؟ قال: التحكيم ، وأخبره بما أتى لأجله وأعلمه بجميع أمره ، فرغب الأستاذ الأعظم بالانحياز إلى جنابه والانتظام في سلك أصحابه»
    من هذا تعلم أن رواد الطريقة الشعيبية في حضرموت هما اثنان: الأول: الأستاذ الأعظم الإمام السيد محمد بن علي المعروف بالفقيه المقدم وهو من ذرية الإمام المهاجر،والثاني: الشيخ العارف بالله سعيد بن عيسى العمودي.
    إلا أنَّ الفقيه المقدم كانت طريقته علوية وهي طريقة آبائه وأجداده ، وذلك قبل وصول رسول أبي مدين التلمساني ، فيكون بهذا أول من جمع بين طريقتين ، ثم حوَّلهما إلى منهج عملي ومدرسة سلوكية في الحياة إذ كانت من قبل- كما يرى بعض الحضارمة - مذهباً ذاتياً وخلقاً فردياً ، وبهذا أصبح الفقيه المقدم صاحب مدرسة مستقلة ، أما رائد الطريقة الشعيبية في شمال اليمن(لا سيما محافظتي تعز والحديدة) هو الشيخ الولي محمد بن مهنا القرشي الذي لبس الخرقة من الشيخ أبي بكر التلمساني ، وهو لبسها من الشيخ الغوث أبي مدين التلمساني المغربي .
    فيُعد الشيخ محمد بن مهنا هو أول من أدخل الطريقة الشعيبية إلى شمال اليمن ، وكانت وفاته بقريته من قرى وادي مور ، وهي قريبة من الناشرية . ومن الذين تتلمذوا على يد هذا الشيخ وأخذوا عنه اليد العارف بالله الشيخ علي الشنيني الذي كان معاصراً لسيدي أبي الغيث بن جميل ... فلم نجد تاريخ وفاته في الطبقات غير أنه كان في زمن أبي الغيث ، الذي كان معاصراً لسيدي الشيخ علي الرميمة ، فكل هؤلاء رواد الطريقة الشعيبية في اليمن وكانوا معاصرين لسيدي علي الرميمة .
    الطريقة الرفاعية: وكان دخولها إلى اليمن في منتصف القرن السادس بعد الطريقة الشعيبية وهي منسوبة إلى مؤسسها الإمام الزاهد والولي الكامل العارف بالله أبي العباس السيد أحمد بن علي بن يحيى الرفاعي ، ولد في قرية واسط بالعراق ، وتوفي سنة(578هـ).
    كان للطريقة الرفاعية الشهرة التامة ، والانتشار الواسع لا سيما في العراق ومصر، وكان دخولها إلى اليمن على يد العارف بالله الشيخ عمر بن عبد الرحمن بن حسان القدسي ، ولد سنة(604هـ) ولحق بأم عبيد وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وأدرك الشيخ نجم الدين المعروف بالأخضر من ذرية أخي الشيخ أحمد الرفاعي ، فأخذ عنه الخرقة وتربى بين يديه ، فلما استكمله أمره أن يدخل اليمن وينشر الخرقة الرفاعية هنالك ، ففعل ذلك ، ولما دخل اليمن اجتمع بالفقيه عمر بن سعيد العقيبي فأقام عنده بذي عقيب أياماً وذلك سنة(649هـ) ثم أسكنه بالمشعب ثم انتقل إلى أماكن أخرى وبنى له بها ربطاً وانتشرت عنه الخرقة الرفاعية وكانت وفاته سنة(688هـ)
    فالطريقة الرفاعية كان انتشارها في اليمن في الجزء الأخير من حياة الشيخ الرميمة... وما ذكرناه عن الطرق الصوفية في اليمن عبارة عن نبذه مختصرة وذلك كي تعرف الطُرق الصوفية وروادها التي ظهرت في زمن شيخنا الرميمة قدس الله سره
    وأما الطريقة الشاذلية فلم يكن لها الظهور في اليمن إلا بعد وفاة الشيخ الرميمة بقرنين من الزمن تقريباً وهي منسوبة إلى مؤسسها الصوفي الكبير الإمام علي بن عبدالله بن عبدالجبار الشاذلي المتوفي سنة 656هـ وهو صاحب الأوراد والأحزاب المشهورة .
    ولا بأس أن نذكر نبذه مختصرة عن رائدها في اليمن- وإن كان ظهورها بعد زمن الرميمة- وذلك لغرض الفائدة تم دخول الطريقة الشاذلية إلى اليمن في بداية القرن الثامن الهجري على يد الولي الصالح الشيخ شمس الدين علي بن عمر القرشي الشاذلي وهو يمني الأصل من القبيلة المشهورة بأهل القرشية وهم بنو دعسين ، سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم سافر إلى القدس الشريف فاجتهد بالعبادة والقراءة وتهذيب نفسه وصحبته للصالحين حتى أنار قلبه ولزم طريقتي الشريعة والحقيقة ، ولقد أخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ ناصر الدين الميلقاني شيخ الطريقة الشاذلية آنذاك ، وكان تولى القضاء الأكبر بمصر ثم عزل نفسه واشتهر بالفضل غاية الشهرة فقصده الشيخ شمس الدين من بيت المقدس ، فلما كان بينه وبين مصر مرحلتان تلقاه بعض أصحاب الشيخ ناصر الدين براحلة ركب عليها وزفَّه في الترحيب والبشارة في الخير وذلك على غير ميعاد فعد ذلك من كرامات الشيخ الميلقاني... وكانت إقامته في مصر نحو ثلاث سنين ، ثم قال له الشيخ ابن الميلقاني: اذهب إلى حيث ينشرح صدرك ، وودعه فسافر من مصر إلى الحبشة وأقام بها وتزوج بها أخت الشيخ سعد الدين سلطان اليمن بالحبشة ، فولدت له أولاداً هنالك ثم سار بهم فركبوا في البحر إلى (المخاء) وكان استقراره بها وظهرت عليه الكرامات وقصده الناس من كل مكان وأخذوا عنه الطريقة الشاذلية وهكذا حتى تم انتشارها في أنحاء ربوع اليمن
    توفي الشيخ شمس الدين علي بن عمر القرشي سنة828هـ ودفن بالمخاء وقبره معروف يزار ويتبرك به رحمه الله ونفع به .
    وكان له شعر حسن ذُكرتّ بعض أشعاره في كتاب« طبقات صلحاء اليمن» لكن لم يذكر لنا التاريخ أنه خلف كتباً ودواوين في الشعر المهم أن تعلم أن الطريقة الشاذلية كان لها الانتشار الواسع في اليمن بفضل شمس الدين علي بن عمر الشاذلي وظلت فترة من الزمن ثم خمدت إلى أن ظهر الشيخ حسان بن سنان (ت1322هـ) في منطقة الصراهم بجبل حبشي (محافظة تعز)
    فقد ذهب مكة والتقى بالشيخ محمد الفأسي سنة1286هـ وأخذ عنه الطريقة الشاذلية ثم رجع إلى اليمن فانتشرت الطريقة الشاذلية على يده انتشاراً واسعاً وكذلك ذريته من بعده كان لهم الفضل الكبير في انتشارها في الآونة الأخيرة .

    علاقته بالسلطة السياسية
    نستطيع أن نلمح علاقة الرميمة بالسلطة الحاكمة آنذاك من خلال ما حدث لشيخه مدافع مع الملك المسعود، وقبل أن نذكر ذلك ونبين ما هنالك، لابد من جولة سريعة حول موقف السلطة الحاكمة من الصوفية بشكل عام ، وسوف نسلط الضوء على القرن الذي عاش فيه شيخنا الرميمة ، فقد عاش مابين القرنين الخامس والسادس- يقيناً- في ظل عهدين حاكمين على اليمن وهما: العهد الأيوبي ، والعهد الرسولي، وسوف نبدأ بالدولة الأيوبية وموقفها من الصوفية، وعلاقة الصوفية بها، ثم نعقبها بالدولة الرسولية.
    بدأ عهد الأيوبيين عام(569هـ) ، وانتهى فعلياً عام(626هـ)...كان الصوفية في ظل هذه الدولة لا ينعمون بحرية الفكر بل كانوا يجدون منها مضايقات بين الحين والآخر، فهذا الملك المسعود بن الكامل الأيوبي كان سيئ الرأي في الصوفية وذلك بسبب الحروب التي جرت بينه وبين مرغم الصوفي الذي خرج عليه، فكانت بينهما وقائع كثيرة غلب في آخرها مرغم الصوفي ، وبعدها هرب من البلاد ، فكره السلطان الصوفية بسبب ذلك لدرجة أنه أصدر أوامره بمعاقبة كل من يلبس لباس الصوفية أو يتزيَّا بشعارهم ، فاتفق أن خرج السلطان المسعود يوماً لطلب الصيد ، وأمامه صاحب الفيل ، فلما وصل إلى الجند ، وافق بالصدفة الشيخ فرج النوبي وكان ولياً صوفياً عليه زي الصوفية ، وكان الشيخ-المذكور- مقبلاً من بعض الأماكن فلما رآه السلطان وعليه زي الصوفية غضب من ذلك وقال: يخالف هذا أمري ، فأشار إلى صاحب الفيل أن يأمر الفيل بأذيته ، ففعل الفيَّال ذلك ، والشيخ على بعد يسير مطرقاً، فحين دنا منه الفيل صرخ الشيخ في وجهه وقال: (الله) فوقع الفيل ميتاً وصاحبه مغشياً عليه، فقيل للسلطان أدرك نفسك فنزل عن مركوبه ، وأقبل إلى الشيخ كاشفاً رأسه معتذراً ، فقال له-الشيخ-: تأدب يا صبي مع الفقراء خير لك ، فقال السلطان: السمع والطاعة ، وعاهده على التوبة عن ذلك ومن يومئذ حسن ظنه بالفقراء وتأدب معهم ويا ليت الملك المسعود تاب من أذية الصوفية ولم ينكث عهده واعتبر بما رآه من تلك الكرامة الخارقة التي أكرم الله بها الشيخ النوبي ، لكن خوفه من الصوفية وكثرة أتباعهم ، وشهرة أمرهم ، وزيارة الناس لهم أمر يقض مضجعه خوفاً على ملكه ، وهذا ما دعاه إلى اعتقال الشيخ مدافع وحبسه ثم إخراجه من البلاد. وإليك بيان ذلك: كان الملك المسعود كثيراً ما ينزل من الحصن ، فيقف في الميدان أو في المطعم يطعم الجوارح الصيدية ، فرأى جمعاً عظيماً من الناس في ناحية الوحيز يقصدون زيارة الشيخ مدافع ، فسأل عنه ،فقيل له: هو رجل من كبار الصالحين وله عند الناس قبول عظيم ومحل جسيم ، فأحب أن يطلع على أمره وأظهر أن غرضه زيارته ، ووصل إلى بابه ، وكان من عادة الشيخ مدافع إذا صلّى الصبح ، يظل إلى صلاة الضحى مشتغلاً بالذكر والتلاوة والصلاة وغير ذلك ، ولا يدخل عليه أحد ولا يخرج إلى أحد ، فاتفق وصول الملك المسعود في ذلك الوقت ، فكان خادم الشيخ يدخل ويخرج ويقول: الساعة يخرج الشيخ ، الساعة يخرج الشيخ من غير أن يعلم الشيخ ، فلما طال وقوف الملك على باب الشيخ جعل جماعة من الأمراء والمماليك الذين كانوا بجانب الملك يقولون: ولد الملك الكامل واقفاً على باب فلاح من أهل اليمن لم يأذن له ، ونحو ذلك، فاغتاظ الملك المسعود من ذلك غيظاً شديداً ورجع قبل أن يجتمع بالشيخ ، ثم إنه خشي أن يحدث منه مثل ما حدث من مرغم الصوفي ، فأمر بالقبض عليه وعلى صهره الشريف أبي الحديد ، وكان قبضه في عشر رمضان من سنة(617هـ) فأقام محبوساً في حصن تعز إلى شهر ربيع الأول من سنة(618هـ)، ثم سفَّر به إلى الهند فأقام فيها نحو شهرين ورجع إلى ظفار فأقام بها أياماً قلائل ثم توفي فيها .. وقد سبق أن ذكرنا ذلك في ترجمته.
    من هذا تعلم كيف كانت معاملة الملك الأيوبي مع أهل الله من الصوفية وما خفي كان أعظم ، وما ذكرناه عبارة عن نموذج يبين لنا حال الصوفية وما واجهوه من تعسفات ومضايقات في دولة بني أيوب ، واعلم أن نفي الشيخ مدافع من البلاد لم يكن سببه تلك الحادثة- الآنفة الذكر- من وقوف السلطان في بابه لمدة ساعة وإنما السبب الأكبر هو كثرة أتباعه وانتشار صيته في البلاد ، وكثرة الناس الوافدين إليه من جميع الأماكن، وهذا أمر يثير مخاوف الملك المسعود ، فيخشى من قيام ثورة مدافعية تُحاك ضده ، كما حدث من مرغم الصوفي ، فهو يتضايق من الشيوخ الذين لهم أتباع كثيرون والذين سكنهم قريب من القلعة، فإذا كان قد قام باعتقال الشيخ مدافع وحبسه ونفيه من البلاد ، فلماذا- أيضاً- اعتقل الشريف أبا الحديد مع مدافع؟! فما هو الجرم الذي اقترفه أبو الحديد حتى يعتقله وينفيه من البلاد مع مدافع؟! ما ذاك إلا لما ذكرناه سابقاً. وإليك نبذة مختصرة عن الشريف لتعرف صدق ما قلناه ، جاء في السلوك :«هو أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن جديد(يصل نسبه إلى الإمام المهاجر...)أصله من حضرموت من أشراف هنالك يعرفون بآل أبي علوي، قدم إلى عدن مع أخ له اسمه عبدالملك ثم خرجا من عدن عازمين على زيارة الشيخ مدافع لما شهر به من الصلاح واستفاض عنه فقدما عليه إلى قرية الوحيز ، فرحب بهما وأقاما عنده أياماً وزوجهما بابنتين له فسكن بذي هزيم قرية تقابل الوحيز ، فأخذ الناس عن أبي الحديد أخذاً كثيراً وتخرَّج على يده العلماء والفقهاء ، وكان من الحفاظ وأقام في الجبل مدة طويلة- أي في القرية المقابلة للوحيز- وصار له بها ذكر شائع وقصده الناس من أنحاء اليمن للأخذ عنه ، فلما قبض الملك المسعود على الشيخ مدافع قبض عليه معه- وقد مر تفصيل ذلك سابقاً- (وبعد رجوعهما من الهند) دخلا ظفار ولبثا بها ثمانية عشر يوماً فتوفي الشيخ مدافع وقبر بها ، ثم عاد الشريف إلى اليمن فلم يطب في الجبال بل نزل تهامة وأقام بزبيد مدة ثم عزم إلى المهجم(كانت مدينة على شط وادي سردد) فدرس مدة في مسجدها... ثم سافر إلى مكة وكانت وفاته بها سنة(620هـ) »1.هـ.
    إذاً نفيه للشريف كان بسبب شهرته وكثرة أتباعه ، هذا أولاً، وثانياً: لأنه كان علوياً فنسبه يصل إلى المهاجر- كما ذكرناه آنفاً-... ثم إلى الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام. ومعروف أن الأيوبيين لا يرتاح لهم بال بوجود العلويين وما فعلوه بالدولة الفاطمية ، بل ومحو آثارها لهو خير شاهد على ما قلناه فهم ثمرة بني العباس وفرع من فروعهم في الظلم والطغيان .
    فإذا فهمت ما ذكرناه- آنفاً- تعلم أن الشيخ الرميمة قد تم نفيه إلى جبل صبر من قبل الملك المسعود أو أنه ذهب بنفسه إلى منطقة «حدنان» ، بسبب المضايقات والتعسفات التي واجهها ـ فلم يطب له المقام في قرية الوحيز بعد ترحيل شيخه عنها ، نلمح هذا من عدم عودة الشريف إلى قريته المقابلة لقرية الوحيز وذلك بعد خروجه من ظفار بل نزل في تهامة وإلا فلماذا لم يطب له المقام فيها؟! ماذاك إلا لأن أصحاب الشيخ مدافع، كالرميمة وعثمان بن ساوح وغيرهما ، قد تركوا قرية الوحيز إما نفياً من قبل السلطان ، أو نتيجة المضايقات ، وذلك لكثرة أتباعهما ومحبيهما ، ومعلوم أن قرية الوحيز وما حولها كانت قريبة جداً من الحصن الذي كان المركز الرئيس لعقد مؤتمرات الأيوبيين ، فعاصمة اليمن في عهدهم مدينة الجند وحصن تعز(الذي يسمى اليوم قلعة القاهرة) واستمر الأمر كذلك فترة طويلة في عهد الرسوليين.
    ولقائل يقول: إذا كان ذلك كذلك ، فلماذا لم ينف الملك المسعود أولاد مدافع طالما أن أصحابه قد تم نفيهم؟!
    نقول: لم يشتهر أحد من أولاده بالأتباع والمريدين بحيث يشكلوا خطراً على الملك المسعود ، وذلك إما لصغرهم ، وإما لا ستعمالهم الخمول. ولم يذكر لنا التاريخ إلا عمر من حيث ظهوره بعد والده ، وأولاده- أي الشيخ مدافع- ثلاثة وهم:« محمد لا عقب له، وأبوبكر له عقب إلى الآن موجودون بالوحيز ثم عمر كان يخالط الأمراء والكبراء وكان محبوباً عند أبيه وحصل له منه نصيب وافر...»
    وعمر هذا لم يكن له الظهور إلا في دولة بني رسول ، أما في عهد الأيوبيين فقد كان مازال شاباً إن لم نقل صغيراً ومعلوم أن العهد الأيوبي انتهى فعلياً سنة(626هـ) وحتى- لو سلمنا جدلاً- كان ظهوره في دولة الأيوبيين فإن ذلك لا يضايقهم لأنه كان كثير الاختلاط بالأمراء والكبراء، مما أدى ذلك إلى نفور الناس عنه وعدم اتباعهم له وهذا شيء يُفرح الملك المسعود ولا يثير مخاوف منه.
    وأما ما جاء عنه- أي الشيخ عمر بن مدافع ـ من اختلاطه بالأمراء وعدم تأدبه بآداب الشريعة . فذلك له تأويله ، فإما أنه تعمد ذلك كي يصرف الناس عنه ، وهذا من باب الخمول الصوفي ، أو أنه كان صاحب عناية ، ومن سبقت له العناية لاتضره الجناية ، وقد كان ملحوظاًً من قبل والده في حياته وبعد مماته(أي في حضرته البرزخية).قال الجندي في السلوك مانصه:«... ذكر لي بعض الثقات أن المظفر لما كثر سماعه ما هو عليه من الخلطة همَّ أن يغير عليه شيئاً من المسامحات ، فرأى الشيخ- مدافع- في المنام قائلاً يقول له : يا يوسف إن غيرت على عمر غيرنا عليك...»
    من هذا تعلم أن ظهور الشيخ عمر واشتهار أمره إنما كان في عهد المظفر، يعني بعد انتهاء دولة الأيوبيين بـ21سنة ، فالملك المظفر تولى الملك بعد أبيه المنصور سنة(647هـ) و كان كثير المحبة للصوفية- كما ستعرفه لاحقاً- وأما ما كان منه في شأن الشيخ عمر وهمَّه بأذيته فذلك غيرة لظاهر الشريعة فقط لا خوفاً من الشيخ عمر ولا من أتباعه ، كما كان شأن الملك الأيوبي مع مدافع ... المهم من هذا تعلم أن ذهاب الشيخ الرميمة إلى جبل صبر كان في عهد بني أيوب(الملك المسعود) للإشارات والدلالات التي ذكرناها سابقاً وهذا ما نجزم به ، وأما دولة بني رسول التي بدأت فعلياً سنة(626هـ) واستقلوا بالحكم سنة (630هـ) فقد كان الصوفيه يتمتعون خلالها بكامل حريتهم ، وقد عاش الشيخ الرميمة بقية عمره في عهد بني رسول وهي 33 سنة من بداية أستقلالهم بالحكم ، وعاصر ملكين: الأول عمر بن علي بن رسول ، والثاني ولده المظفر ، وفي عصرهما استطاع الرميمة أن ينشر أفكاره الصوفية ، وبحرية تامة ، تعرف ذلك من خلال موقف بني رسول من الصوفية ولنتكلم عن الملكين اللذين عاصرا الشيخ الرميمة وموقفهما من الصوفية .
    ولنبدأ بأول ملك من بني رسول ومؤسس الدولة الرسولية وهو عمر بن علي بن رسول الملقب بالمنصور في عهده بدأ الصوفية يتنفسون الصعداء وينعمون نوعاً ما ، وقد كان يحبهم ويصحبهم ، وكيف لا وهم الذين بشروه بالملك فقد جاء في كتاب قرة العيون :« وكان المنصور يصحب الشيخ والفقيه صاحبا عواجه وهما ممن بشره بالملك»
    قلت ومراده بالشيخ هو الولي الكبير العارف بالله سيدي محمد بن أبي بكر الحكمي وأما الفقيه فمراده هو الشيخ العلامة الفقيه محمد البجلي فقد كانا من مشائخ الصوفية فلا يذ كر أحدهما إلا ويذ كر الآخر معه - قدس الله سرهما - وكان الملك المنصور كثيراً ما يعظم الشيخ الصوفي إبراهيم الفشلي ويعتقد فيه الاعتقاد التام ، وإبراهيم هذا يُعد شيخ الولي الشهير سيدي أحمد الصياد ،... وهكذا كان اعتقاده مع سائر الصوفية إلاَّ أنه كان يخاف من أن أحدهم ينافسه في السلطة أو يدعو لنفسه أو يجعل حوله تجمعات لأن حادثة مرغم الصوفي وخروجه على الملك المسعود وما جرى بينهما من حروب مازالت في ذاكرته تنغص صفو عيشه ، فقد جاء في السلوك ما نصه:« وكان له- أي وحيش بن محمد بن أسعد- عم اسمه عمر بن أسعد سلك طريق الجد في العبادة فارتقى بذلك إلى حالة تخيل بحيث كان يخبر أنه الفاطمي صاحب الزمان المنتظر فبلغ عمر بن رسول ذلك فخشي أن يحدث منه كما حدث من مرغم الصوفي في أيام المسعود بن الكامل ، فاستدعاه إلى تعز وسأله عما نُقل عنه ، فقال:نعم ، فأمر به فشنق بالميدان حسماًً لمادة المتعبدين لمن ادعى ذلك» اهـ... إلا أن الشيء الجميل في الملك المنصور أنه كان يقبل النصيحة والموعظة ولا يأنف في ذلك ، ولا تأخذه العزة والعظمة فمن ذلك رسالة الإمام الباهوت سيدي أحمد بن علوان والتي عنوانها- كما في الفتوح العلواني - وهذه شفاعة أخرى في سائر الجيران والرعية من أهل الديار اليمنية ، وهي رسالة كبيرة تشمل نصائح جميلة ، ومواعظ جليلة يبين فيها- للسلطان- أحوال رعيته ، المستظلين بفناء دولته ، ثم يقرعه بمواعظ كقوله: فاستيقط أيها الملك عن هذا الإغماض ، فإن الملوك والحكماء أيقاظ... وكقوله: فلا تكن ممن غرته الدنيا ، ومنته دوام المحيا ، فإنها كأضغاث رؤيا ، لم تغن عنك من الله شيئا .... وكقوله:« ولا يستغرق جهلك عقلك ، أو يستفرغ وقتك شغلك ، بجمع هذه العاجلة ، والغفلة عن الآجلة... ثم ينشده شعراً نقتطف منه بعض الآبيات

    يا ثالث العمرين افعل كفعلهما
    وليستوي فيه منك السر والعلن

    إلى
    واختم بخير فإن الملك منتقل
    هذي تهامة لا دينار عندهم
    فما ذنوب مساكين الجبال وهم
    والأضعفون فما يقتات أجزلهم
    فانظر إليهم فعين الله ناظرة
    عار عليك عمارات مشيدة
    إلى سواك فلا تستهوك الفتن
    ولحج أبين بل صنعاء بل عدن
    جيران بيتك والأحلاف والسكن
    إلا بما جرت المسحات والحجن
    هم الأمانات والسلطان مؤتمن
    وللرعية دور كلها د من












    وهذه القصيدة كلها مواعظ تقريعية في غاية الروعة والسبك ، فهكذا الباهوت ابن علوان وإخوانه من رجالات الصوفية لا يخشون أحداً فإذا ما رأوا شعائر الله تُهتك والظلم حلَّ في الأنام ، فإنهم لا يسكتون بل يبذلون نصحهم للسلطة الحاكمة وأعوانهم فيأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر....
    هذا والحكام آنذاك- كالملك المنصور ومن بعده من ملوك الدولة الرسولية- كانوا أصحاب عقول راسخة ، وعلوم نافعة ، ومحبة صالحة وكان أعظمهم قدراً ، وأنشرهم عدلاً ، وأخلصهم للصوفية نفعاً هو المثقف الكبير والملك الخطير شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول المعروف بالمظفر المولود سنة(619هـ) وقيل(620هـ) كما ذكر صاحب السلوك ..
    بعد ما قتل والده الملك المنصور سنة(647هـ) على يد جماعة من مماليكه ، «ذهب المظفر إلى الشيخ أبي الغيث بن جميل- قدس الله روحه- ونعله في حلقه فقال له الشيخ: ما تطلب؟ فقال: الملك فقال له : وليتك »
    فهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن اعتقاد المظفر بالصوفية قد بلغ الغاية ، والذي جعل المظفر يفعل ذلك هو أن أباه كان قد قتل خادم الشيخ أبا الغيث ، فلما وصل الخبر إلى أبي الغيث بمقتل خادمه قال: مالي ولمحراسة أنا أنزل عن أمشباب ، وأترك الزرع ، فقتل عند ذلك الملك المنصور ....
    وعبارة الشيخ هذه بلغت أهل تهامة وهو واحد منهم فهم يضيفون الهمزة والميم في أول كل كلمة عوضاً عن« ال» التعريف ، والمشباب يقصد به خشبات تنصب في وسط الزرع ويجعل عليها عريش يقعد الحارس عليها يحرسها...
    ومقصود سيدي أبي الغيث أنه الحارس للملك ومملكته بما فيها رعيته وعبر عنهم بالزرع فكما أن حارس الزرع مادام في المشباب فإن اللص أو الحيوان أو غير ذلك لا يمكن أن يدخل إلى الزرع ويتلفه طالما أن الحارس في المشباب لكنه إذا ترك الحراسة ونزل من المشباب ربما يتعرض الزرع للآفة أو السرقة ، كذلك لما ترك أبو الغيث حراسة المملكة وذلك لأنه كان القطب في عصره والمتصرف في المملكة لما كان كذلك دخل اللصوص إلى الزرع الذين هم رعيته ، فأُصيب أحد رعيته (وهو الملك المنصور) بالقتل... المهم لما وصل كلام أبي الغيث إلى مسامع المظفر فما كان منه إلا المجيء إلى الملك الحقيقي المتصرف في المملكة كي يثبَّته ويعقد له الملك...
    بهذا تعلم أن للصوفية صولة وجولة لا سيما من منتصف القرن السادس وما بعده لدرجة أن الملوك يهابونهم ، بل ولا تنعقد السلطنة لأحدهم إلا عن طريق أهل الله من الصوفية ، والمتتبع للملك المظفر وذلك قبل أن يمسك بزمام ملكه كان لا يتحرك لأمر إلا بإذن من الصوفية ، جاء في قرة العيون وفي السلوك - واللفظ للأول- مانصه:« لم يكن في يد المظفر- وذلك بعدما قُتل والده- إلا قائم سيفه ، إلا أن القلوب مملوءة بمحبته فجمع العسكر وشمر وخرج من المهجم إلى زبيد ، يستخدم كل من مرَّبه من العرب ، وكان خروجه بإشارة الشيخ أبي الغيث بن جميل.. »
    ولا تظن أن محبة المظفر للصوفية كانت بسبب إقامتهم له بالملك ودعمهم إياه معنوياً فحسب ، بل محبته لهم منذ الصغر، وذلك أن والده المنصور لما زار الشيخ إبراهيم الشيباني ، اصطحبه معه ، ولما دنا المظفر من الشيخ المذكور ضرب الشيخ بيده على كتف المظفر ، وقال له: الملك لك ولذريتك لا أسد الدين ولا فخر الدين ، يعني بني عمه. وكان المظفر يخاف أن ينازعوه في الملك بعد أبيه ، فكان كما قال: تولى الملك المظفر وذريته من بعده وبطل أسد الدين ، وفخر الدين ، فلما صار الملك إلى الملك المظفر سامح الشيخ في خراج أرضه وأراضي أهله ، ولم يزالوا على الجلالة والاحترام مدة المظفر وبعده...
    هذه المواقف والمكاشفات التي كانت بمرأى ومسمع من الملك المظفر جعلته ينظر إلى الصوفية بأنهم الملجأ والمنجا بعد الله ورسوله لا سيما إذا أدلهمت عليه الخطوب ، أو احتوشته الكروب ، لهذا كان يهابهم دون غيرهم« ومن ذلك أنه كان يوصي غلمانه أن يعلموه بوصول الفقيه الصوفي(أبو الفداء الشيخ إسماعيل الحضرمي) لأنه كان يدخل عليه بغير إذن ، فكان يتخوف أن يدخل عليه وعنده شيء مما ينكره عليه ، فكان ما يشعر في الأيام إلا وهو عنده من غير أن يعلم به الحجَّاب وغيرهم »
    إن المظفر بمحبته للصالحين من الصوفية واحترامه لهم كسب قلوبهم ، فلقد بلغ في تقديره لهم أنه كان يأمر الناس أن يكرموهم وقد حدث أنه استدعى الشيخ عيسى بن مطير الحكمي إلى تعز ولبَّى الشيخ دعوة الملك ، فكان كلما مرَّ ببلد خرج ، إليه أهلها وتلقوه وأكرموه وأعلموه أن السلطان- المظفر- أمر عليهم أن إذا مربهم ، أن يكرموه وأن يعطوه ما طلب منهم ، فما أخذ من واحد منهم شيئاً حتى وصل إلى السلطان فأكرمه وعظمه ...
    وهذا لا يعني أنه كان يستدعيهم إلى قصره فقط ولا يزورهم ، بل كان يذهب إلى منازلهم ويتبرك بالأكل من طعامهم ، كذهابه لزيارة الشيخ الزاهد أحمد بن محمد الضبعي ، بل لم يذهب إلا بعد ما سأل من القاضي أسعد بن مسلم أن يجمع بينه وبين الشيخ المذكورلماذا؟ لأنه يعلم بأن الشيخ لا يرغب بمقابلة الملوك ، فما كان من القاضي إلا أنه تحايل على الشيخ . . . كان الملك في الجند والشيخ في قرية قريبة من الجند ، وعادة الشيخ أنه يخرج للجند لأداء صلاة الجمعة ، فأرسل القاضي إلى السلطان يعلمه بوصول الشيخ وأمره أن يقف في دهليز البستان ولا يترك عنده أحداً من الخدم والغلمان ، ففعل السلطان ذلك ، ثم أن القاضي خرج هو والشيخ بعد الصلاة يتماشيان نحو قرية الشيخ ، وكان طريقهما على باب البستان الذي فيه السلطان ، فلما صارا قريبين منه قال القاضي للشيخ : مل بنا إلى هذا الموضع نستظل فيه ساعة بينما يصل إلينا بعض الأصحاب ، فوافقه على ذلك ودخل الدهليز فوجد السلطان قاعداً هنالك وحده ، فقام إلى الشيخ وسلم عليه وبشَّ بوجهه ثم سأل منه الدعاء فدعا دعاءً مختصراً وخرج مسرعا. ..
    ويروى- أيضاً- أن الملك المظفر زاره إلى منزله وسأله أن يطعمه شيئاً مع أنه كان لا يوجد شيء في بيت الشيخ من طعام وغيره ، فدخل الشيخ موضعاً من بيته وأخرج شيئاً من الخبز ، فأكل منه السلطان ووزيره وحملا منه شيئاً على سبيل التبرك ...
    فانظر إلى الملك المظفر كيف توسط بالقاضي ، وكيف اختبأ في الدهليز وظل وحده منتظراً ، كل هذا كي يُحظى باللقاء مع شيخ صوفي ، وانظر كيف ذهب إلى بيته وأخذ من ذلك الخبز تبركاً ، كل هذا ليدلك على على أن علاقة المظفر مع الصوفية كعلاقة التلميذ مع شيخه ، حب وأدب واحترام وإجلال «ويروى أن الملك المظفر لما دخل عدن سمع بذكر فقيه صوفي فأحب الاجتماع به فأرسل له رسولاً يطلبه ، فقال الفقيه الصوفي للرسول: قل لمن أرسلك : ليس لي إليه حاجة فإن كان له حاجة وصل هو ، فأُخبر السلطان بذلك ، لكن السلطان- بعد أن عرف أن هذا الفقيه الصوفي من أهل الزهد والصلاح- قال: يجب علينا أن نزوره ، وفعلاً زاره وطلب منه الدعاء والتمس منه البركة..»
    هذا وكان الملك المظفر لا يولي القضاء إلا من تحقق صلاحه وورعه ، ولم يكن اعتماده في القضاء إلا على الصوفية ، مثل الشيخ إسماعيل الحضرمي ، فقد ولاه قاضي القضاة فقام في ذلك أتم القيام ، وكذلك في التدريس ، فقد اعتمد عليهم كمثل الشيخ علي بن الحسن الوصابي فقد جعله مدرساً في مدرسته التي بناها في تعز ، أما ولاته فقد كان تعاملهم مع الصوفية نفس تعامل ملكهم معهم من حيث حبهم واحترامهم وزيارتهم«يروى أن بعض الولاة بالجهة التي فيها الفقيه- الصوفي- عمر بن سعيد الهمداني المتوفى( 663)هـ كان يحب الفقيه ويتردد عليه كثيراً للزيارة ويقبل منه الشفاعات وغير ذلك» .
    هذا ولقد كان الصوفية لهم مطلق التصرف من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يستطيع أي مسؤول في السلطة الحاكمة أن يمنعهم من ذلك ، جاء في كتاب (مرآة الزمان) لليافعي مانصه:«ومنها أن جماعة من الديوان وأهل الدولة أرادوا أن يجتمعوا في عدن على اللعب والشراب،وملأوا أزياراً كثيرة خمراً ، فأراقها الشيخ الكبير الولي الشهير الوافر الفضل والنصيب عبد الله بن أبي بكر الخطيب المدفون في موزع ، فغضب أمير عدن وغيره من أهل الدولة ، ولم يقدروا على الانتقام من الشيخ المذكور ، فكتبوا إلى الملك المظفر بذلك ، فرد عليهم الجواب وهو يقول فيه:هذا لا يفعله إلا أحد رجلين ، إما صالح ، وإما مجنون ، وكلاهما مالنا معه كلام»اهـ
    بل لقد بلغ الصوفية من أمرهم إلى أنهم هددوا السلطان بالتخلي عن ملكه إن لم يعدل ، فقد(روي أن الشيخ الكامل إسماعيل الحضرمي كتب مرة إلى الملك المظفر في شقف من خزف:« يا يوسف كثر شاكوك وقلَّ شاكروك ، فإما عدلت وإلا انفصلت» فكتب إليه السلطان يعتب عليه في ذلك قائلاً له:« قد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني» ، فأمره باللطف به ، فقال تعالى:[فقولا له قولاً لينا]44:20الآية)
    هل رأيت ملكاً بلغ من التواضع ومحبة الصوفية كمثل المظفر ؟! يناديه باسمه ويهدده بتلك العبارات القاسية مع كل ذلك يرد عليه المظفر بأدب وخضوع ، بل إن جواب الملك المظفر يدل على حلمه الكبير وعلمه الوفير، وفيه قال الإمام اليافعي:«كان الملك المظفر كيَّساً ظريفاً يحب مجالسة العلماء ويعتقد الصالحين ، وقال- أيضاً-: كان له مشاركة في بعض العلوم»
    من هذا تعلم أن علاقة الصوفية مع السلطة الحاكمة(دولة بني رسول)- لاسيما في القرن السادس- علاقة متميزة،... لهم نفوذهم القوي ، فكلامهم يؤخذ ، وأوامرهم تنفَّذ دون قيد أو شرط ، وهيبتهم فوق هيبة السلطة ، لأنهم مراجعها. وهكذا استمرت مكانة الصوفية حتى بعد الملك المظفر- وما ذكرناه- من علاقة السلطة دولة بني رسول مع الصوفية- كافياً لتعرف أن الرميمة لم يكن رحيله من منطقة الوحيز إلى حدنان إلا في زمن العهد الأيوبي(الملك المسعود) وليس في زمن بني رسول وذلك لعلاقته المتميزه معهم بحكم أنه الصوفي الكبير وهم- كما عرفت- يعتقدون في الصوفية ويجلونهم إلى درجة القداسة.
    ترحيله إلى جبل صـبر(عزلة حدنان)
    بعد التقائه بشيخه مدافع في منطقة الوحيز وانتفاعه به ، مكث في هذه المنطقة فترة من الزمن حتى أصبح شيخاً كاملاً وعالماً عاملاً وعارفاً واصلا ، خاض جميع العلوم ، وفاق على علماء الرسوم حتى استوعب علوم عصره وجارى تطوراته ومتغيراته .
    لم يعتكف في زاويته قانعاً بزهده كما دأب على ذلك بعض المتصوفة ، وإنما كان ثائراً ومناضلاً وناطقاً بالحق يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومع تزايد تلاميذه ومريديه الذين كانوا يأتون إليه من كل فج وصوب ليأخذوا علومهم وأورادهم منه عن طريق التلقين ، قامت الدولة الأيوبية بترحيله أو بمضايقته مما أضطر إلى الطلوع إلى جبل صبر للسببين الآتيين:
    أولاً: ظهوره السريع وكثرة أتباعه وانتقاداته الحادة التي كان يوجهها إلى ملك عصره(الملك المسعود الأيوبي)، لأنه-قدس الله سره- لا يمكن أن يرى الظلم ويسكت عليه ، كالظلم والتعسف الذي حدث لشيخه مدافع ، فبصوته الشجاع الذي كان يقض مضجع الظالم المستعمر الملك المسعود أزداد له الناس حباً واعتقاداً ، وأصبح بنظرهم القطب الأوحد الذي لا ينافسه بمقامه أحد ، وأما ماجاء في طبقات الخواص
    ثانياً: قرب سكنه من قلعة القاهرة ، ومعلوم أن القلعة- كما ذكرنا ذلك سابقاً- كانت المركز الرئيس للسلطان الأيوبي التي كان يعقد مؤتمراته فيها ، فكان لا بد من ترحيل الرميمة أو مضايقته حتى لا يعكر صفو عيش الظالمين ، وحتى يأمنوا من الأخطار التي قد تلحقهم كانتفاضة ثورية ، أو هجوم مباغت أو...
    بهذين السببين ، تم إخراج الشيخ الرميمة من منطقة الوحيز إلى جبل صبر ، ولا عجب في ذلك ، فأجداده من قبله شردوا في عهد تينك الدولتين الأموية والعباسية ، فقد أذاقوا أئمة آل البيت الويلات من سجن وتعذيب وتقتيل وتنكيل ونفي وتشريد ، كل هذا بسبب التفاف الناس حولهم ومحبتهم لهم ، لأن ذلك بنظر السلطات الحاكمة يشكل خطراً على عروشهم التي يدافعون عنها كما يدافع الأسد عن عرينه ، وما أشبه الليلة بالبارحة .
    وبعد ترحيل الشيخ علي الرميمة إلى جبل صبر، ولَّى شطره نحو قرية (ذي يعفر) فاتخذ لنفسه من الجهة الشرقية منها سكناً وسماها وكأنه قال ـ عند وصوله لتلك المنطقة ـ : «هنا حدّنا »، ومع مرور الزمن حصل تصرف في اللفظ فسميت (حدنان) ، وبنى فيها الدار والمسجد المعروفين باسمه حالياً ، واتخذ منهما رباطاً للعلم ومحلاً لإقامة الحضرة .
    وأما ما جاء في طبقات الخواص و السلوك :« من أنه لزم طريق العزلة بجبل صبر» ، فهذا لا ينافي ما ذكرناه آنفاً ، فالدولة الحاكمة آنذاك عند ما رحلته إلى جبل صبر، أو رحل بنفسه بسبب المضايقات التي كان يجدها من قبل الحكام ، فطلع إلى جبل صبر ووصل إلى المنطقة المذكورة آنفاً فلم يكن بها أحد من الناس فبقى وحيداً مع أهله وأبنائه مختلياً بربه ، ولهذا عبر أصحاب الطبقات بأنه لزم طريق العزلة بجبل صبر ، لكنهم لم يذكروا سبب طلوعه واستقراره في تلك المنطقة .
    وخلال استقرار الشيخ علي الرميمة في حدنان بدأ الناس من المناطق المجاورة وكذلك البعيدة يقصدونه للزيارة والتبرك ، وجاء إليه مريدوه وطلاب العلم الذين كانوا ينتفعون به أيام إقامته في منطقة الوحيز ، فاشتهر أمره وذاع صيته وظهرت عليه الكرامات – وسنذكر بعضاً منها لاحقاً – وكذلك المكاشفات ، وكان بحق كهفاً للضعفاء والمظلومين يقرب البعيد ويأوي الطريد ويرد الشريد ويهدي إلى صراط الحميد ، لقد أحبه الناس على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم القاصي منهم والداني ، فكل واحد بمحبته متفانٍ وكأنه حكم رباني ، فبحلمه الكبير وسياسته الحكيمة وعبقريته الفذة ، جعل الناس يلتفون حوله ويتتلمذون لديه ليصبحوا من أتباعه وطلابه .
    لقد نقش لنفسه في ذاكرة الأيام صورة بديعة في الجمال والعظمة ، وحقاً كان من أولياء الله المخلصين وأحد أئمة آل البيت العارفين ، الذين أوجب الله على عباده مودتهم بقوله:[قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ]23:42 وجعلهم أمان الأمة من الضلال إذا ما تمسكوا بهم وساروا على منهجهم ، كما جاء في الحديث المتواتر (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي آل بيتي ) .
    ومع هذا كان الشيخ علي الرميمة رجلاً متواضعاً بسيطاً بساطة فطرية تربى عليها منذ نشأته فهو لا يرى لنفسه وجوداً لفنائه بالإله المعبود ، حيث تعلقت روحه وحواسه بالعروة الوثقى وطافت بسدرة المنتهى وعانقت روح محبوبه المصطفى ، حتى صار سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يأخذ ويعطي بها ، ورجله التي يمشي عليها ، وبهذا جاوز جميع المقامات ، وحصلت له العلامات وواجهته في منازلاته البشارات ، فكان الثاقب لدرة الأسرار واللابس خلعة الوصي الكرَّار،( خلعة القطبية ذات الرتبة العلية)، جاءته من حضرة عين المعاني ، وتوَّجه بها إمام طريقته الغوث الجيلاني ، فكان عبد القادر الثاني متصرفاً في الأكوان وإمام أهل الديوان. وهنا نوقف القلم عن العنان لأني لست من فرسان هذا الميدان ، ولأن الكلام في هذا الصدد فوق ما تتصوره الأذهان .
    تلا مذته واصحابه:
    ما من شيخ طريقة إلا وله أتباع وتلاميذ ومريدون ، ومما لاشك فيه أن شيخنا الرميمة كان أكثرهم أتباعاً لا سيما وكراماته مستفيضة ، وسمعته وشهرته بالصلاح والاستقامة والولاية سارت بها الركبان ، وذاع صيته في كل مكان ، فلا غرو أن يأتيه الناس ويتتلمذوا على يديه ، ويسيروا على نهجه ، وهو يُعد- كما قال سيدي الشيخ محمد بن يحيى الجنيد ـ الرجل الثاني بعد الباهوت أحمد بن علوان ، يعنى علماً ومعرفة وشهرة وأتباعاً. فمن الذين كانوا يكثرون زيارة الشيخ الرميمة وأخذوا اليد عنه وتتلمذوا على يديه ، القاضي الورع تقي الدين محمد بن علي الرياحي الحميري المولود سنة(599هـ)، فقد كان من مريديه المبرزين ، ولابد من نبذة مختصره عن سيرته الذاتية : أصل بلده إب ، وكان والده قاضياً بها ،فلما دنت وفاته حذره من القضاء ، فلما توفي لم يتعرض له قبولاً لوصية أبيه ،لكن لما حلَّت المظالم الشنيعة به وبأخوته وكثر الأعداء في أذيته ، أمرته والدته أن يأخذ مكان والده ، وفعلاً امتثل أمر والدته ولذلك قال: ثم عدت البلد فلبثت قاضياً واستترنا عن الظلم وانقمع عنا الأعداء .
    ثم عينه قاضي القضاة على قضاء تعز وجعل مكانه أخاه أحمد ، ولقد اشتهر أمره بالصلاح والزهد والورع لدرجة أنه كان يمشى حافياً لقضاء حوائج الناس ، وكثيراً ما كان يشفع للمستضعفين عند السلطان ، قال صاحب كتاب السلوك:« أخبرني الثقة وهو الفقيه عثمان الشرعبي ، قال كتب أهل بلد من غير تعز يشكون قاضيهم إلى المظفر ، فكتب السلطان- أي المظفر- ياقاضي بهاء الدين ، انظر في أمرهم ، فالقضاة كلهم في النار إلا محمد بن علي وذلك لما تحقق من ورعه ببحث شاف علي يد من يثف به ....»
    أما أخباره في الورع والأمانه وما ظهر عليه من الكرامات ، فيطول تعدادها ولكن أُحيلك إلى كتاب السلوك وسوف تجد فيه ما ذكرناه .
    قال صاحب كتاب السلوك:«كان- القاضي محمد بن علي- يصحب الشيخ علي الرميمة أحد عباد صبر ويكثر زيارته ويخبر عنه بأمور كثيرة تدل على خير»
    قلتُ: وأكثر الأخبار التي جاءتنا عن الرميمة هي عن هذا القاضي ، وهذا يدل على أن للرميمة كراماتٍ كثيرة وأخباراً سديدة لم تصلنا ، وما ذكره القاضي إلا شذرات فقط ، وكانت وفاة القاضي محمد بن علي نهار السبت11شوال(682هـ)، فلم يكفن إلا بقرضٍ اقترض له وهذا يدل على زهده في الدنيا . . . فهذا هو القاضي أحد تلاميذ الشيخ الرميمة ، وإذا كان هذا حال التلميذ فكيف بحال شيخه!! وكما قيل:هذا الشبل من ذاك الأسد.
    وأما أصدقاؤه فقد كانوا كثيرين منهم الشيخ الفقيه عثمان بن ساوح وكانت تربطه صداقة حميمة مع الشيخ الرميمة ، فضلاً عن كونه من خواص ومريدى الشيخ مدافع....قال بعض الناس للشيخ مدافع: من يصحب بعدك؟ فقال: الفقيه عثمان بن ساوح.
    ...هذا ولقد أخذ الخرقة عن هذا الفقيه جماعه من مشاهير المشايخ كالشيخ عمر المسن....»
    بعض كراماته ومكاشفاته :
    إن الكرامة ثمرة الاستقامة ، والمكاشفة ثمرة المجاهدة ، وإذا أخلص العبد مع ربه حصل على قربه فكان ربانياً يقول للشيء كن فيكون ، ومما لاشك فيه ولا ريب أن شيخنا الرميمة كان من أكابر أهل الاستقامة ، ومن خواص أهل الحضرة والعلامة ، وما سنذكره هنا من كراماته عبارة عن نموذج فقط ، لأن التاريخ لم يذكر لنا إلا قطرة من بحر كراماته ومكاشفاته ، فمنها أن جدران بيته مع الحص والصرب ، والحيوان(الأليف) كانوا يخبرونه بقدوم الآتي إليه ، جاء في كتاب السلوك[2/106- 107] مانصه:«أخبر القاضي- أي محمد بن علي- أن الشيخ علي الرميمة قال له يوماً: يا قاضي ، من السلطان اليوم؟ ، قلت: الملك المظفر ، فقال هكذا كنتُ أظن حتى كان ليلة أمس قمت لوردي فبينا أصلي إذ سمعت البيت حتى الخشب والصرب ما فيه من آلة يقول جاء السلطان جاء السلطان بفرح حتى سمعت طاقيتي- أي الكوفية - على رأسي تقول ذلك حتى الحيوان الذي في البيت ، فغلب على ظني أن المظفر سيصل إليّ ، فلما أصبحت أمرت أهلي بتنظيف البيت ، فلما دفئت الشمس ، اقبل الفقيه عثمان يسير على ضعف ، وبيده عصا يتوكأ عليها فدخل عليّ البيت وصافحني بعد السلام ، وكان له بالقرب من بيتي مزرعة بها زرع جيد ، فقلت يا فقيه ما أحسن زرع ضيعتك فتنفس الصُعداء وقال: ضيعتي آخرتي فحين سمعته يقول ذلك غلب على ظني أنه السلطان المعني وقلت له نعم أنت السلطان؟ فقال وقد أعلموك أحسن الله العافية والخاتمة....»اهـ
    والصرب بالتحريك الأعواد الصغار توضع على خشب سقف المكان وهي لغة مخاليف تعز وإب وهذه- أيضاً- تُعد كرامة للشيخ الفقيه عثمان بن ساوح لنيله للقطبية وذلك عند قول الرميمة له أنت السلطان- أي قطب الزمان وشيخ الوقت....!!
    ومن كراماته العظيمة التي تدل على كمال روحانيته ، وأنه قد فاق أهل الرياضات الروحية ، والمجاهدات اللاهوتية قلَّة أكله لدرجة أن الذي يأكله غيره في اليوم كان يكفيه ، للشهر، وأن الذي كان يقتاته غيره في الشهر كان يكفيه هو للسنة ، قال العلامة الشرجي في طبقاته :« وكان- أي الرميمة- متقللاً من الدنيا خصوصاً في أمر المأكل والمشرب إلى غاية ، حتى أن الذي يأكله في سنة قدر ما يأكله غيره في شهر»
    وقال القاضي محمد بن علي:« أخبرني الشيخ علي بن أحمد الرميمة أن أكله في السنة اثنا عشر زبدَّياً يكلفه أهله على ذلك ، والزبدي التعزي يومئذٍ قدر ثمانية أرطال في تلك الأيام ، وإنما زيدته في آخر الدولة المظفرية ، وهذا القدر يأكله الواحد المنفرد في شهر»
    قال محمد بن علي الأكوع: والزَبَدَي بالتحريك مكيال معروف مستعمل في زبيد إلى عهدنا هذا»
    قلتُ: إن الإنسان العادي- مثلاً- مقدارأكله في اليوم رغيفين ، هذا على أقل تقدير ،ولو أردنا أن نقوم بتقطيع الرغيفين إلى قطع صغيرة كي نجعلهما ثلاثين قطعة (عدد أيام الشهر) ثم أعطيناها لشخص لتكون قوته لمدة شهر فإن قوته سيكون كل يوم وليلة قطعة صغيرة من- ذلكما الرغيفين ـ التي لن تملأ فمه فضلاً عن إشباع بطنه ، وهذا صعب على الإنسان ولن يتحمل ذلك أكثر من أسبوع فكيف بالشهر أو بالسنة أو بالعمر كله ، لكن الرميمة كان قوته ذلك في عمره كله ، وهذه كرامة ولا يقدر على فعل ذلك إلا من كان روحاً لا نفس له.
    وأما مكاشفاته فمنها ما جاء في العقود (اللؤلؤية) و(السلوك) و(طبقات الخواص) :أن القاضي محمد بن علي الحاكم بمدينة تعز يومئذٍ قال: كان الملك المظفر قد أرسل الشيخ عبد الله بن عباس والأمير المعروف بابن الداية إلى مصر ، فلما كان بعد مدة جاء العلم إلى اليمن ، أن ابن عباس توفي في الديار المصرية ، قال القاضي: فمررتُ ببابه فسمعت في بيته بكاءً أتعبني لأنه كان لي منه صحبة ، فطلعت إلى الشيخ علي الرميمة وأعلمته بذلك ، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال: لم يمت إلا ابن الداية وابن عباس في عافية ، فانزل أخبر أهله بذلك ، فنزلت مسرعاً فأخبرتهم ، ثم بعد أيام وصل العلم المحقق بموت ابن الداية ، وأن ابن عباس في عافية كما ذكر الشيخ نفع الله به»اهـ .
    قلت :إن نزول القاضي بتلك السرعة وجوانحه مملوءة باليقين مما سمعه من شيخه الرميمة إلى بيت ابن عباس كي يخبرهم بسلامة ابن عباس ، كل هذا يدل على أن القاضي لم يكن لأول مرة سمع من الرميمة من تلك المكاشفات ، بل قد سمع الكثير من ذلك ، كيف لا وهو كان يقطع المسافة من تعز إلى حدنان مشياً على أقدامه ، ويكثر من زيارة الشيخ وهو الحاكم والمشار إليه بالعلم والصلاح والعدل والفلاح ، ما ذاك إلا لأنه قد رأى الخوارق الجمة ، وسمع العوارف المهمة من الشيخ الرميمة ...
    وكان - قدس الله سره- إذا وضع يده على المريض وقرأ عليه ، يشفى من ساعته ويقوم من مرضه كأن لم يكن به شيء ، وكان يتخذ الرقية لشتى الأمراض ، ويدعو لكل من طلب منه الدعاء ، فتقضى له جميع الحوائج والأغراض ، ولقد كان الناس يستسقون به الغيث إذا حصل لهم القحط والجدب ، فيغيثهم الله بالأمطار ببركة هذا الشيخ الجليل .
    ولا عجب فالله سبحانه وتعالى يكرم أولياءه بما شاء ، وكيف شاء ، فالكرامات لا ينكرها إلا من كان جاهلاً بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- ، فالقرآن الكريم مشحون بمعجزات الأنبياء وبكرامات الأولياء كقصة أصحاب الكهف والرقيم ، وقصة آصف بن برخيا وإتيانه بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان ، وقصة مريم البتول ، فقد كان زكريا يدخل عليها فيجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ... إلى غيرها من الكرامات ، وما جاز لأولئك من الكرامات فيجوز أن تظهر لغيرهم من أهل الاستقامة ، وكل معجزة لنبي من الأنبياء جائز أن تكون كرامة لولي من الأولياء:[لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ]64:10 ، ومن يتتبع كتب السير والتراجم فسيجد الكثير من الكرامات لصحابه رسول الله  ولتابعيهم ولمن بعدهم ، وهذا لا يخفى على الإنسان الأمي فضلاً عن المتعلم .
    وأما كرامات الشيخ علي الرميمة بعد موته فهي مشهورة ، وحتى لا أكون مبالغاً أُحيلكم إلى المشائخ في (حدنان) ممن بلغوا سن الكبر وهم مازالوا أحياء ، فاسألوهم ماذا وجدوا من الكرامات خلال حضورهم في جمع الرميمة وما حصل لهم من البركات الحسية والمعنوية والخوارق المادية كخروج الريال الفرنص من التابوت مع كتاب صغير لأحد الوافدين من المحبين .
    سبب تلقيبه بالرميمة :
    ولكي يتسنى لنا معرفة السبب الذي لقب به شيخنا علي بالرميمة ، لا بد أن نعرف جذر هذه الكلمة واشتقاقاتها اللغوية وإليك بيان ذلك:جاء في مختار الصحاح رَمَّ الشيء يَرمُّه بضم الراء وكسرها رَمّاً ومَرَمَّةً أصلحه ، وفي لسان العرب :«الرَّم إصلاح الشيء الذي فسد بعضه من نحو حبل يَبْلى فتُرمُّهُ أو دار تَرُمُّ شأنها مَرَمَّةً ، ورَمُّ الأمر إصلاحه بعد انتشاره ، وفي حديث النعمان بن مُقرَّن فلينظر إلى شسعه ورَمَّ ما دثر من سلاحه»
    «واسَتَرمَّ الحائط: دعاء إلى إصلاحه » ورَمَمْتُ الشيء أرُمُُّهُ وأَرْمُّهُ رَمَّاً ومَرَمَّةً إذا أصلحته. يقال: قد رَمَّ شأنه
    إذاً جذر الكلمة(رمّ) ، فهو- قدس الله سره- كان يرُّم الأشياء التي أفسدها الناس ويرمم النفوس (بتهذيبها وإصلاحها) كي يوصلها إلى حضرة الملك القدوس، لهذا قيل له رميمة.
    ويدخل في هذا المعنى ترميم الخط من حيث إصلاحه وتحسينه ، ولقد قيل إنه كان للرميمة خط” جميل” ، جاء في المعجم الوسيط «(الترميم) في علم الرسم والتصوير: وضع ورقة شفافة على الرسم المراد نقله والمرور بالقلم على الورقة مترسماً الخطوط التي في الرسم الأصلي والرسم يظهر فوق الورقة الشفافة..»
    أخبرني صديقي السيد عبد العزيز الرميمة أن جده الشيخ الرميمة خط بيده القرآن الكريم في مصحف ،وما زال موجوداً إلى يومنا هذا ، وهو في حوزة الشيخ صادق بن علي بن عبد الله الضباب ، وأخبرني أنه لا يعلم عن اليد التي أوصلت هذا المصحف إليه.
    وقيل الرميمة تصغير رمة ـ كما قال صاحب السلوك ـ ، والرُّمّة بالضم قطعة من الحبل ، وقولهم: خذ هذا برمته أي اقتده بحبله ، جاء في لسان العرب ما نصه:«قال أبوبكر في قولهم أخذ الشيء برُمَّتهِ فيه قولان: أحدهما: أن الرُّمَّةَ قطعة حبل يُشَدُّ بها الأسير أو القاتل إذا قيدَ إلى القتل للقَوَدِ وقول علي- عليه السلام- يدل على هذا حين سئل عن رجل ذكر أنه رأى رجلاً مع امرأته فقتله ، فقال: إن أقام بَيَّنةً على دعواه وجاء بأربعة يشهدون ، وإلا فلُيعط برُمَّتهِ. يقول إن لم يُقم البينة قاده أهله بحبل عنقه إلى أولياء القتيل فيقتل به . والقول الآخر: أخذت الشيء تاماً كاملاً لم ينقص منه شيء وأصله البعير يشد في عنقه حبل فيقال أعطاه البعير برُمَّته .
    قال الكميت (وصَْلُ خرْقاء رُمَّةُ في الرَّمام) قال الجوهري أصله أن رجلاً دفع إلى رجل بعيراً بحبل في عنقه ، فقيل ذلك لكل من دفع شيئاً بجملته....»
    وهكذا الرميمة أصلح نفسه في بداية السلوك ، وقادها بحبل المجاهدة ، حتى حصل على المشاهدة ، وأعلمها أنه عبد مملوك ، وبعد ذلك دفعها برمتها إلى حضرة ملك الملوك... أو أنه- بعد أن حصل على جوهرة الجمال ، وتُوج بتاج الكمال ، أخذ بترميم نفوس السالكين ، وسقاها كاسات اليقين ، ثم دفعها برمتها إلى حضرة رب العالمين .. هذا ولا مانع أنه سمي بالرميمة لكل ما ذكرناه آنفاً
    وفاته قدس الله سره :
    لقد كان للسيد علي الرميمة ـ كما في طبقات الخواص ـ عند أهل صبر وأهل تعـز وتلك الناحية مكانة عظيمة ، ولهم فيه معتقد حسن يرجعون إليه في النوائب ويطلبون منه الدعاء إذا حلت بهم المصائب .
    هكذا ظل طول حياته في خدمة الناس يفرج كربة المكروبين ويكشف الغم عن المغمومين ويدخل السرور على المحزونين ويقوم بنصرة المظلومين ويعطي المحرومين، تراه إما في خدمة الناس أو في رباطه يعلم المريدين أو في محرابه عابداً متفكراً وفي الحق مستغرقاً متفانياً ، تالياً للقرآن مكثراً من الصلاة على النبي العدنان - صلى الله عليه وآله وسلم- ، هكذا حتى لبَّى منادي الملك الديان ورفرفت روحه إلى فسيح الجنان في يوم الجمعة بعد صلاة الضحى خامس وعشرين من شهر رمضان ، سنة (663هـ) ، ودفن في مسجده بحدنان كما في السلوك و حسب النقوش الحجرية الموجودة في تربته المقصودة للتبرك والزيارة .
    وعلى قبره تابوت حسن الأنوار عليه تلوح والعودة منه تفوح والزوار يتوافدون إليه في كل وقت وحين ، ويقام له في كل سنة جمع كبير، يأتون الناس من المحبين من كل مكان قاصدين مسجده وزائرين قبره ، وتقوم ذريته باستقبال الزائرين وإضافة الوافدين بإطعام الطعام وتوزيع القات للصغير والكبير ، ولقد شهدت الجمع في إحدى السنوات فرأيت تلك الجموع تتوافد إلى مسجد الرميمة ، وذريته يستقبلونهم ويكرمونهم وفتوة الرميمة متجلية عليهم بالكرم وحسن الضيافة ، فعلمت أن الفرع من ذلك الأصل وأن الرميمة لم يمت بل مازال حياً في ذريته .
    ولما كنَّا في الليل ونحن جالسون في مسجده ، وأمامنا تابوته ، وسيدي الشيخ محمد بن يحيى الجنيد يحاضرنا ونحن نستمع إلى محاضراته الدينية ونُطرب بقصائده النبوية ، إذ هبت علينا النسمات الرُميميَّة ، وأحسسنا بالوجد والروحانية ، وكأن الرميمة بين أيدينا ومن حُمَّيا كأسه يسقينا فأنعم بها من ليلة المصطفى نورها والرميمة يديرها والجنيد مديرها والباهوت يزورها .
    فجزى الله ذريته على الجهود التي يبذلونها في استقبال وإكرام الزائرين خيراً جزيلاً.
    آثاره العلمية :
    كثير من الأولياء العارفين لم نحصل على أي شيء من آثارهم العلمية لاسيما في جبل صبر ، ومعلوم أنهم خلفوا آثاراً علمية لكن السبب في عدم حصولنا عليها هو عدم اهتمام من جاء بعدهم بتلك الآثار العلمية، ولذلك تعرضت للضياع وبعضهم ربما حافظوا على كتب أسلافهم المخطوطة ، إلا أنهم عندما فتحت الدولة الحاكمة أبواب السياحة باعوها لأولئك السواح الأجانب بمبالغ مغرية.
    فأصبحنا نجد كتب أسلافنا في مكاتب أوروبا ، والبعض الآخر- وهم في النادر- ، قد تجد عندهم كتباً مخطوطة لأسلافهم إلا أنهم رفضوا أن يخرجوها للناس كي ينتفعوا بها ، وأخفوها بحجة أنها من المعارف الإلهية التي لا يفهمها الناس .
    أما آثار الرميمة العلمية لا نعلم منها شيئاً ، لكن بعض الأسلاف ذكروا بأن كتباً كانت له بحسب ما أخبرني به السيد عبدالعزيز الرميمة ، ولم يصلنا من آثاره إلا بعض الأدعية والأذكار وهي مثبوتة في مخطوطات قديمة في حوزة ذريته - وسنذكر بعضاً منها لاحقاً – وهذا الورد الذي يقام يومياً في مسجده هو من أوراده ويسمى براتب الرميمة وهو من أنفع ما يتوصل به المريد إلى ذي العرش المجيد .
    ويكفي من آثاره أنه ترك رباطاً علمياً من أعظم أربطة تعز أثراً وأكثرها أتباعاً كان يحمل اسمه ، إلا أنه تحول بعد قيام الجمهورية إلى مدرسة علمية.
    من أوراده- قدس الله سره- وهو الورد المعروف براتب الرميمة
    - قراءة سورة ياسين ثم قراءة قوله تعالى:[فسبحان الله حين تمسون..] إلى قوله[وكذلك تخرجون] وقراءة قوله[لا يستوي اصحاب النار وأصحاب الجنة..] إلى قوله [وهو العزيز الحكيم].
    - قراءة سورة الملك .
    - قراءة سورة الشرح والقدر، وقريش، والإخلاص والفلق والفاتحة .
    - قراءة أول سورة البقرة من آية«1» إلى آية«5» ثم آية الكرسي وهي آية«255» ثم أواخر سورة البقرة وهي من آية«284» إلى آخر السورة .
    - ثم قوله تعالى:[قل اللهم مالك الملك..] إلى قوله تعالى [وترزق من تشاء بغير حساب] آل عمران آية(26-27) .
    - أواخر سورة الكهف من آية«107» إلى آخر السورة .
    - أسم الذات«الله الله الله» سبعون مرة .
    - «الله ربي ولا أشرك به شيئاً الذين أمنوا تطمئن قلوبهم بذكر الله إلا بذكر الله تطمئن القلوب فاعلم أنه لا إله إلا الله » مائة مرة .
    - « لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الأول... يسبح له مافي السماوات والأرض وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم .
    - « سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» خمسون مرة .
    - [ إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما] .« اللهم صلى على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم» عشر مرات .
    - [وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم و ماكان الله معذبهم وهم يستغفرون]«أستغفر الله العظيم» سبعون مرة .
    - « نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه» ثلاث مرات .
    - « نسالك التوبة والمغفرة والرضوان لنا ولوالدينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات» مرة واحدة .
    - [ الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز] .
    - « يالطيف يالطيف يالطيف يا الله يالطيف يالطيف يالطيف الطف بنا يالطيف» سبعون مرة .
    - « اللهم يا عليماً بخلقك ويا سميعاً بخلقك ويا خبيراً بخلقك ألطف بنا يا خبير ياسميع يابصير يالله»
    - « اللهم ألطف بنا في قضاءك ، وأهدنا إلى رضاك ، وعافنا من جميع بلائك و أوزعنا أن نشكر نعمائك ولا تخزنا يوم لقائك » مرة واحدة .
    - [ فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ]
    - «حسبنا الله ونعم الوكيل» عشر مرات .
    - «سبحان الله تعظيم لله سبحان الله شكراً لله»
    - «سبحان الله حق” حقا جل المولى صمد” يبقى»
    - « سبحان الله حي” قيوم فرد” صمد” يبقى ويدوم» ثلاث مرات .
    - « سبحان الله العلي العظيم بحمده» ثلاث مرات .
    - [ الله ولى الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور] ثلاث مرات .
    -« تحصنت بالله الحي القيوم الذي لا يموت أبداً ، ادفع عنا السوء بألف ألف لا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» ثلاث مرات .
    - « تحصنت بذي العزة والجبروت واعتصمت برب الملكوت وتوكلت على الحي الذي لا يموت ، اصرف عنا الأذى إنك على كل شيء قدير» ثلاث مرات .
    - « ياذا الجلال والإكرام أمتنا على دين الإسلام» ثلاث مرات .
    - « يا قوي يا متين اكفنا شر الظالمين» .
    - « أصلح الله أمور المسلمين صرف الله شر المؤذيين» ثلاث مرات .
    - « أمنا بالله واليوم الآخر تبنا إلى الله باطناً وظاهراً» ثلاث مرات .
    - « يا الله بتوبة والقبول والإحسان يا الله بتوبة قبل درج الأكفان» ثلاث مرات .
    - « يا الله بها يا الله بها يا الله بحسن الخاتمة» ثلاث مرات .
    - « واعتصموا بالله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلاّم على المرسلين والحمد لله رب العالمين » .
    أبناؤه وذريته :
    لقد خلف الشيخ علي الرميمة أبناء نجباء وأحفاداً عظماء يتناقلون فكره ومذهبه الهادوي الذي غرسه لهم جيلاً بعد جيل إلى يومنا هذا ، ولا إشكال فيمن تأثر من ذريته بالمذهب الشافعي .
    فالرميمة- على حسب ما جاء من أخبار الأوائل وتناقله الأحفاد إلى يومنا هذا ، وبحسب ما أخبرنا به أحفاده ـ كان له من الأولاد سبعة:
    الأول : الطفيل وقبره بحسنات في الجهة الجنوبية الغربية في مدينة تعـز وعلى قبره قبة عظيمة، أما ما يقال من أن الطفيل جاء ضيفاً عند إبراهيم الحرازي ثم توفى ودفنه الحرازي وأوقف له فليس بصحيح ، لأن إبراهيم الحرازي المسمى في كتب التراجم إبراهيم بن محمد بن إبراهيم العراقي كانت وفاته في سنة( 866)هـ- كما ستعرفه لاحقاً- وهذا يرد قولهم ذلك لأن الطفيل قبل إبراهيم الحرازي بقرنين من الزمن تقريباً هذا إذا ثبت بأن الطفيل من أولاد سيدي الرميمة .
    وما دمنا قد تعرضنا لذكر الشيخ إبراهيم الحرازي فمن الواجب علينا من باب محبتنا له أن نذكر ترجمة موجزة عنه حتى تعم الفائدة لا سيما وهو من أولياء مدينة تعز ومعظم السالكين من الصوفية يتشوقون لمعرفة هذا الولي فنقول: هو الشيخ العارف بالله برهان الدين سيدي إبراهيم بن محمد بن إبراهيم العراقي انتقل والده من العراق إلى اليمن وخدم الدولة الأفضلية الغسانية مع الاصباهية فتزوج امرأة قيل إنها من بني الجعد وسكن ثعبات فولد له هذا الشيخ إبراهيم . . . توفي والده وهو صغير ، فبقي مع والدته ، وكانت من الاخيار ، فربته أحسن تربية ، فكان- وهو صغير- يجالس أهل الخير ويتصدق بما معه ، ثم بعد بلوغه سافر إلى مكة المشرفة فحج وخدم الشيخ الصالح عفيف الدين عبدالله المغربي المشهور بالبجاوي المنتسب إلى الشيخ أحمد الرفاعي فهذبه وحكمه وعلمه طريق الصوفية ، ثم إن الشيخ إبراهيم خرج على قدم التجرد من مكة فوقف نحو سنتين ثم عاد إليها . فلما نظر إليه شيخه المذكور- آنفاً- شهد له بالتمكن وأنه قد فتح عليه وأمره بالرجوع إلى بلده ، فرجع- الشيخ إبراهيم- ومر بذي سفال بمكان يسمى الثجة فأقام بها أياماً يضع الزنبيل على عنقه ويقبل الصدقة فما أجتمع له تصدق به على الفقراء والمساكين ، وكان يلبس الخشن من الثياب ويؤثر الخمول والعزلة... ثم واصل سيره من ذي سفال إلى أن وصل إلى مدينة تعز حيث والدته ، فأقام بها مدة يزور قبور الصالحين ويعتبر بها ودأبه ذكر الله تعالى سراً وجهراً ، ثم نزل مدينة زبيد فأقام بها يزورالصالحين في قبورهم ، واشتهر وقصده الناس للزيارة... ثم عاد إلى مدينة تعز فجلس في الأجينات بمقبرة تعز وذلك بعد أن بنى له الملك الناصر داراً فيها ، فظل الشيخ إبراهيم في الأجينات سنييناً حتى بلغ الغاية في الشهرة ، وكان مقرباً لدى السلطان فقد كان يأخذه أينما ذهب ، ثم انتقل الشيخ إبراهيم من الأجينات إلى حسنات وهي منطقة بجانب ثعبات فأعمر هناك بيوتاً وسكن هو وأولاده فيها ، إلى أن توفي سنة(866)هـ وعمره حينئذٍ ست وتسعون سنة ، وقبره الآن بحسنات عليه تابوت حسن وقبة كبيرة بابها إلى المسجد ، والمسجد يعرف باسمه وله ذرية في تلك المنطقة ، وهو يعد الجد الأكبر للأولياء الذين في جبل صبر كالشيخ عبدالقادر الطيب المقبور في مشرعة ، والشيخ أحمد إبراهيم الطيب المدفون في سيعة ، والشيخ المحيا في ذي البرح والشيخ إبراهيم المعروف بصاحب الشعرة المدفون في قرية العارضة القريبة من رأس قمة جبل صبر وهؤلاء المذكورون كانوا فيما بين القرنين العاشر والحادي عشر ، وأسرة بني الطيب سواء الذين في حسنات أو في سيعة أو في مديرية مشرعة وحدنان كلهم من ذرية سيدي إبراهيم الحرازي ، وكان لهذا الشيخ كرامات ظاهرة سواء في حياته أو بعد مماته بقرون ، و كاتب هذه الأسطر قد شاهد كرامة لهذا الولي بأم عينيه ، وذلك أثناء زيارته لضريحه ، هذا ولقد كان لهذا الولي شعر حسن في الزهد وإليك بعضاً منه
    دع التباطر فيما لست تملكه
    وخلَّ عنك بني الدنيا وصحبتهم
    وآخ في الله إخواناً تصان بهم
    واقنع بمولاك عن كل الأنام ولا
    واسأله ما شئت إن الله ذو كرم
    واسأله عفواً وغفراناً وعافية
    واخضع لمولاك اذعاناً لقدرته
    واقنع بقوتك يوماً فهو يكفيكا
    فإن صحبتهم يا صاح ترديكا
    عند انتقالك عن قوم يعادوكا
    تسل سواه أناساً فهو يغنيكا
    وإن سألت سواه ليس يعطيكا
    سبحانه وتعالى فهو باريكا
    فهو اللطيف الذي للخير يهديكا


    ولنعد الآن إلى ذكر بقية أولاد سيدي علي الرميمة .
    والثاني : شهيد بن علي الرميمة وقبره بقرية المحرس ، والثالث : رديف وقبره في قرية ذي مهنة بالجبل ، والرابع : الشيخ عبد الله وقبره بالجحيمة تحت المحرس ، والخامس :السيد لهيم مات صغيراً ، والسادس : مديفع أو مدافع بن علي سماه تبركاً بشيخه مدافع .
    والسابع :السيد مسعود بن علي الذي سار على نهج والده ولقد عرف عنه ببناء المساجد أينما حل ورحل ، ولقد سميت المقبرة الكائنة رأس أكمة ذي يعفر باسم أكمة مسعود وله قبة باسمه وضريح يُتبرك به .
    ثم تبع مسعود ولده إبراهيم فقد كان شيخاً عارفاً ، قيل: إنه كان له من المريدين والتلاميذ ما يقرب من ثلاثين ألف ، وكان على صلة بابن عمه الإمام يحيى بن حمزة في زمن ولايته على المناطق الزيدية.
    وكان ولاة تعـز يخافون منه ويحذرون خروجه عليهم حتى اضطروا لمجاراته فوهبوا له ولأربطته العلمية معظم ممتلكاتهم في قرية عقاقة والجبلين ، وأوقفوها للصادر والوارد وإطعام الطعام كما وهبوا له جميع خراج الدولة من الأرض (موزع والوازعية) وجعلت النظارة لهذه الأرض للشيخ إبراهيم بن مسعود وذريته من بعده .
    جاء في كتاب طبقات صلحاء اليمن ص249- 250 ما نصه:« وأما ذرية الشيخ علي- أي الرميمة- فمنهم الشيخ الصالح إبراهيم بن مسعود ، أُخبرت أنه كان من الأولياء الصالحين من عباد الله الزاهدين ، وأنه كان في الحياة عند أن خرج أهل صبر عن طاعة السلطان المجاهد مع خوفهم منه ، فقال لهم الشيخ إبراهيم ما دمت حيّاً بينكم فلا سبيل للسلطان المجاهد عليكم فإذا مت فإن السلطان المجاهد يطلع الجبل قهراً ويقتل منكم جمعاً كثيراً فتوفاه الله تعالى واجتمعوا للقراءة عليه ، فطلع المجاهد وعسكره وأخذ الجبل قهراً وقتل من أهله جمع كثير ، فكان ذلك تصديقاً لما قاله الشيخ إبراهيم . وكانت وفاته سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة-(731هـ)- ومنهم ولده الشيخ بدرالدين حسن ، أُخبرت أنه كان عابداً صالحاً مكرماً للضيف مطاع القول ، مفتوحاً عليه بالمعارف ، مقصوداً للمهمات ، تُقض على يديه الحاجات... وظهرت له الكرامات وتوفي سنة أربع وثمانمئة-(804هـ) رحمه الله ونفع به. وله أولاد نجباء أكبرهم الشيخ جمال الدين محمد ، أُخبرت أنه نشأ أحسن نشؤ فاجتهد بالعبادة وتوفي وهو شاب ، ولم أتحقق من تاريخ وفاته. والثاني هو الشيخ عفيف الدين عبدالله ، كان من الأخيار والعباد مقصوداً للمهمات سلك سبيل والده وأهله بقضاء الحوائج لأهل قطره ، وانتهت رئاسة أهل هذا البيت إليه- أى بيت الرميمة- وجُلَّل واحترم وكان مطاعاً عند أهل بلده ، فنَّم عليه من لا خير فيه إلى سلطان الوقت فألزمه السكنى- أي الإقامة الجبرية- بمدينة تعز فسكن بها أياماً ثم رجع إلى بيته فأقام فيه وكان يكتب الرقي ، والعزائم للمرضى وغيرهم فيكون فيها الشفاء بإذن الله تعالى ، ولما قربت وفاته اشتاق إلى مكة المشرفة فسافر للحج ثم توفي هنالك بعد سنة ثلاثين وثمانمئة-(830هـ)- رحمه الله تعالى ونفع به ، ومنهم الشيخ شجاع الدين عمر بن محمد بن حسن ، كانت الرياسة لعمه الشيخ عفيف الدين المقدم الذكر ، وكان هذا مشتغلاً بالتجارة في زمان عمه فلما توفي عمه ، ترك ذلك واعتكف واجتهد بالذكر والدعاء والتلاوة. وأخبرني القاضي جمال الدين محمد بن داود الوحصي أنه حكى له الشيخ شجاع الدين أنه رأى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في آخر عمره وأنه استجار به من النار ولزمه قال فدعا له بدعاء كثير وقبل يده ثم توفي قريب سنة أربعين وثمانمئة-(840هـ)- اهـ »
    وفي عام 1019هـ أوقف السيد العارف بالله صاحب القدر الجليل والخلق العظيم عبدالقادر بن علي الرميمة معظم ما يمتلكه في أرض طالوق وبرداد من الأراضي الثمينة وذلك لإطعام الطعام لأبنائه وأحبا به وذريته وللوافدين ، وأن يقام من غلات الوقف مولدين شريفين للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم- ، بأن يؤخذ ثوران وما يتبعهما لإقامة المولدين في بيته وفي تربة السادة بحدنان ، ثم تابعه أخواه الشيخ سليمان بن علي ومحمد بن علي فقد قاما بالنذر ببعض أملاكهم في عزلة حدنان ومشرعة والمحجا وغيرها نذراً احترازياً عن البيع والشراء والقسمة .
    أما الأراضي الموقوفة لإصلاح التربة ولمن افتقر من الذرية فهي أرض الأشاني وجبل حبشي وزرائب السوا وغيرها .
    ومع تزايد الأسرة وتفرق البعض إلى عزل مختلفة ، إلا أنهم كانوا يتسابقون ويتزاحمون على عمل الخيرات والقيام على تربة جدهم وعمل المولد الشريف .
    فكان أولاد السيد علي بن عبد الصمد بن عبد الفتاح بن إسماعيل قائمين على تربة جدهم ومحافظين على الأذان والراتب الذي يؤدى في المسجد بين صلاتي المغرب والعشاء ، وكانوا – أيضاً – يقومون على نظارة أرض الأشاني وبلاد تعـز والحجرية وحدنان ، وينظمون موعد المولد الشريف ويقومون بكل متطلباته، وكان أولاد السيد عبدالله بن نور الدين قائمين على نظارة الأوقاف وتصريفها كل بحسب احتياجاته وهم القائمون والواقفون أمام الخاص والعام بما يخص الأسرة .
    وهكذا ظلت الأمور تسير على نظام يسوده الحب والتعاون على أعمال الخير والبر. وكما قلنا سابقاً بقيت الولاية على المسجد والتربة بيد إسماعيل بن علي بن عبدالصمد ثم ولده سعد ثم ولده محمد ثم ولده عبدالحميد ثم ولده علي عبدالحميد وبعد وفاته انتقلت الولاية للسيد محمد سعيد بن محمد بن غالب صاحب القدر الجليل المعروف بسعة حلمه ، وصدق قوله ، وعمله وسلامة توجهه الحسي والمعنوي لحضرة ربه الذي اتته الولاية مرغمة ، فلقد استفرغ وقته وبذل جهده من صباه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعمار بيوت الله حيث اشتهر ببناء المساجد ليس في قريته فحسب وإنما بناحية مشرعة وحدنان وطالوق والجنديه والقصيبه ، وكان الوالي الروحي والقائم على تربة جده ومسجده ، وإقامة الراتب ، والجماعي ، ومن مناقبه أنه كان كثير الحج والزيارة وكان كما أخبروني عنه أنه إذا أراد قضاء الحاجة وهو في الحرم المكي أو المدني يخرج إلى خارج مكة أو المدينة ، ومن كراماته- أيضاً- أنه حينما مرض مرض الوفاة وذلك في شهر رمضان قال لأهله ولمن حوله إذا مَّرت ليلة بدر ولم أمت فلا يزال في العمر بقية ، فإذا به يموت في ليلة بدر كما ألهمه الله تعالى. رحمه الله ونفعنا الله به هذا وما تركته من أحوال الشيخ محمد سعيد الرميمة فهو كثير وإنما أردت بهذه الأسطر القليلة أن أخلَّد شخصيته الجليلة عرفاناً له ولبصماته الخيرية التي مازالت إلى يومنا هذا(رحمة الله تغشاه) ، وبعد وفاته قام ولده عبدالله بما كان يقوم به والده فمن أعماله ترميم التربة ، وشراء أكبر دست من المدينة المنورة يسع ثلاثة رؤوس من البقر لا ستخدامه في جمع الرميمة ، ونتمنى أن يحافظ أولادة من بعده على صيانة المسجد والتربة وعلى استمرارية الجمع فهو من القربات التي ترضي الله عز وجل....
    هذا ولم يتوقف رباط العلم إلا بعد رحيل السيد علي عبدالحميد ، وبعد قيام الجمهورية بخمس سنوات قام العلامة السيد عبد الله بن محمد الرميمة بإحياء الرباط من جديد حيث التحق بالرباط من العزل الأخرى بالمئات وأخبرني ولده السيد عبدالعزيز بأنه تخرج على يد والده الآلاف من طلبة العلم كلهم يجيدون اللغة العربية والفقه والتوحيد والأدب ، وله مؤلفات عديدة بعلوم الأدب والشعر واللغة وفي الحكم والفقه ، ولديه قصة مولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- ومازالت هذه الكتب تحت الطبع ونتمنى من أبنائه أن يتعاونوا على طبعها وإخراجها للناس كي ينتفعوا بها ، وكان السيد عبد الله الرميمة يسمى عند أهل ناحيته (بالأمين) وله عندهم قدر كبير يهابونه ويحترمونه ويجلون أمره ويسمعون أقواله ويتناقلون كلامه وكأنها درر .
    الذرية المعاصرة لكاتب هذه الوريقات :
    ومع انتشار المدارس الحكومية في ربوع اليمن قاطبة بدأت الأربطة التقليدية بالتراجع والانقراض شيئاً فشيئاً وحلت بدلاً عنها المدارس الحكومية ورباط الرميمة كغيرة فقد تم تحويله إلى مدرسة علمية .
    وذرية الرميمة الآن تربوا على خمسة آلاف نسمة قاطنين في حدنان والجبلين وحبيل سلمان وبرداد وطالوق والجند... ، اتجهوا إلى المدارس ليتعلموا أنواع العلوم الحديثة وتخرجوا من الجامعات بمختلف التخصصات العلمية والدينية ومنهم أكثر من مائتي موظف في جميع الوزارات وفروعها ويعملون لخدمة وطنهم بجد ونشاط وإخلاص لرفع نهضة اليمن السعيد ، فمنهم العلماء كالفصيح المتكلم والسياسي المخضرم الذي انتهت إليه رئاسة الأسرة رجل المنابر الأستاذ المثابر السيد عبد الرحمن بن عبد الله الرميمة- حفظه الله- ومنهم الأخيار الذين اشتهروا بالفتوة والإيثار ، ومنهم الذين سمعنا عنه الكثير صاحب الأبداع الذي أحبته أسرة الرميمة بالإجماع المثقف الدكتور والجرَّاح المشهور السيد محمد عبدالجليل الرميمة- حفظه الله- ومنهم الشعراء والأدباء....إلخ
    الخاتمة
    هذه هي ذرية الشيخ علي الرميمة الذي وجب علينا من باب محبتنا له ولذريته أن نترجم عنه بلغة عصرنا لأحفاده وأحبابه وأتباعه ولكل صوفي تتوق نفسه لمعرفة أخبار الأولياء .
    وأن نزيح عن محبيه وأتباعه ضباب التشويه الذي قام به المغرضون عمداً وروجه المنتفعون قصداً وتحدث به المنخدعون جهلاً .
    ويكفينا من سلفنا الصالح أن جبل صبر شهد في عهدهم تحولاً واسعاً في الحياة الفكرية ورست الطريقة الصوفية القادرية ثم بعدها الشاذلية في بعض مناطق صبر، إلا أن حدنان إضافة إلى احتفائها للطريقة القادرية تميزت بالمنهج الهادوي الذي وضع جذوره وأسس بنيانه الشيخ علي الرميمة ومازال أبناؤه يتناقلونه إلى يومنا هذا .
    وأنا أدعوهم إلى التمسك بمنهج أجدادهم وأن يستمروا على إقامة جمع جدهم ، فبيقائه عزهم وبدوامه مجدهم وأن ينشروا لكل محبيه أوراده وأذكاره ويحيوا ما أندرس من آثاره .
    ولا يغتروا بأولئك الذين يهرفون بما لا يعرفون قاتلهم الله أني يؤفكون الذين يكفرون خلق الله ويبدعون كل من أحب أو زار أولياء الله . يغررون على البسطاء والسذج من العوام بأخبار كاذبة وروايات زائفة كي يثبتوا منهجهم الشيطاني. وتراهم يستدلون على أقوالهم بآيات قرانية ويؤولونها بما يوافق هواهم ، عقيدتهم التشبيه والتجسيم لذات الله والتحقير من شأن رسول الله ومن قدرآل البيت عليهم سلام الله ومذهبهم السب والشتم والتكفير لسائر خلق الله .وسلوكهم نصب العداوة لأولياء الله ومنع إقامة الموالد التي ترضي الله ..
    ألا فوحدوا صفكم وأمضوا على ما كان عليه جدكم ، فالعلم عندكم والولاية موزعة بينكم وربما تكون لمن تأهل وصدق منكم وقولوا : يا جذبات الحق أوصلينا ويا نفحات الفضل قربينا .
    فالصوفية ما صاروا أولياء إلا لأنهم سلكوا طريق الاستقامة فكانت لهم من الله الكرامة ..
    جعلنا الله وإياكم منهم .. اللهم كما مننت علينا أولاً بمعرفتهم فلا تحجبنا عن محبتهم ورؤيتهم واحملنا على سنتهم وطريقتهم ولا تحل بيننا وبينهم حتى تحلنا محلهم وتدخلنا مدخلهم يا رب العالمين ..
    تم الانتهاء من تدوين هذه الوريقات في ظهر يوم الأربعاء 18 ذو الحجة سنة 1426هـ
    الموافق 18/1/2006م ..
    قائمة المـراجع
    القرآن الكريم .
    - « السلوك في طبقات العلماء والملوك(المعروف بتاريخ الجندي)» للقاضي بهاء الدين الجندي .
    - « طبقات الخواص أهل الصدق والإخلاص » للشرجي .
    - « طبقات صلحاء اليمن المعروف بتاريخ البريهي» للبريهي السكسكي.
    - « العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية» للخزرجي .
    - « جامع كرامات الأولياء» للنبهاني .
    - « مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان» لأبي محمد عبد الله بن أسعد اليافعي .
    - « قرة العيون بأخبار اليمن الميمون» لابن الدبيع الشيباني .
    - « الإمام الحداد» مجدد القرن الثاني عشر الهجري[1044- 1132هـ] د.مصطفى حسن البدوي
    - « المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى» لأبي بكر المشهور .
    - « الأستاذ الأعظم الفقيه المقدم » لأبي بكر المشهور .
    - « طبقات الزيدية الكبرى» لإبراهيم بن القاسم .
    - « تصفية القلوب من درن الأوزار والذنوب» للإمام يحيى بن حمزة .
    - « عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب» لـ جمال الدين أحمد بن علي بن الحسن.
    - « الفتوح العلواني» للإمام أحمد بن علوان . جمعه ورتبه السيد محمد بن يحيى الجنيد
    - « سجلات النسب التي في حوزة أحفاد الرميمة .
    - « المعلومات التي زودني بها السيد عبدالعزيز الرميمة»وهي فيما يخص ذرية الرميمة وقد عزوتُ إليه كل ما سمعته منه .
    - كتيَّب مخطوط يضم فيه أوراد وأذكار الرميمة
    - بعض المعاجم اللغوية وهي:
    - «الصحاح في اللغة» للجوهري
    - « جمهرة اللغة» لابن دريد
    - « القاموس المحيط» للفيروز آبادي
    -« مختار الصحاح» لـ زين الدين الرازي
    - « لسان العرب» لابن منظور الأفريقي المصري
    - « تاج العروس من جواهر القاموس» للمرتضى الزبيدي
    - « المعجم الوسيط» لمجموعة من الدكاترة
  • نجمي السيد الرميمة
    • Aug 2010
    • 8

    #2
    اتقدم بالشكر والتقدير والعرفان لسيدي الاخ الاستاذ عدنان الجنيد على كل الجهود التي يبذلها في اعلاء واضهار وتعريف مقام الصالحين
    واسأل من الله ان يهب لك ما وهبه لكافة عباده الصالحين ويكمل دينك وخلقك بكمال الاتباع للنبي الاعظم محمد وال بيته الاطهار اللهم صل على محمد وال محمد
    وارجوا ان تقبل يا سيدي شكري وامتناني
    اخوك / نجمي هاشم الرميمة
    فجزاك الله عنا خير الجزاء
    ربي يوفقك ويجعلك من اهل العرفان

    تعليق

    يعمل...
    X