
ماهو مفهوم التضحية ولماذا يكون الحديث عنه مهما؟ وكيف نقرأ معنى التضحية في القضية الحسينية، ما هو الهدف من تضحية الامام الحسين (عليه السلام)، وكيف نفهم تضحيات الامام الحسين من خلال علي الأكبر؟ كيف نستلهم معاني التضحية من دروس عاشوراء، وكيف يساعد مفهوم التضحية على تحسين حياتنا، وكيف تؤثر التضحية كثقافة على بناء مجتمعاتنا؟
أراد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يكون ساميا، وأن يسمو في ذاته، ويتطلع نحو السماء، ولا يركن الى الأرض ويغرق في الماديات، ولذلك كان العطاء تعبيرا كبيرا عن هذا الانسان، وعن سموه وتألقه، وعندما يكون العطاء بلا حدود، يسمى هذا العطاء بالتضحية، حين يقدم الإنسان كل ما لديه في قضية ما وبكل روح متسامحة ومتقبلة لهذه التضحية، خصوصا إذا كانت القضية ربانية ويكون الله تعالى هو أقصى الحدود التي يتعامل بها الإنسان.
كان تعامل الأئمة



هنا نلاحظ التألق العظيم لأهل البيت




كيف نقرأ معنى التضحية في القضية الحسينية؟
التضحية في القضية الحسينية ليست طارئة وليست رد فعل، فمنذ أول يوم كان خطاب الإمام الحسين


فالموت حتمي، (فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين) لكن كيف يجب أن يموت الانسان؟، هل عليه أن يموت بكرامة وحرية وعزة، أم أن يموت على فراشه ولم يحقق شيئا في حياته؟
لقد كان للإمام


ما هو الهدف من تضحية الإمام الحسين

يقول الإمام الصادق



لذلك كان هدف الإمام الحسين في بذل روحه والتضحية بنفسه وأولاده، هو لإنقاذ البشرية، وهنا يكمن فرق واضح بين الإنقاذ والاستنقاذ، فالإنقاذ يمكن أن نصفه كالتالي: إذا رأيت أحدا غريقا في الماء فإنك ستضطر أن تنقذه من الغرق، لكن الاستنقاذ يعني بأن يبادر الإنسان لإنقاذ الآخرين طوعا ويهيئ لذلك قبلا، والاستنقاذ يأتي على وزن استفعال والشخص الذي يبقى يسير من اجل هذه القضية سيبقى مستعدا بشكل مستمر ودائم لإنقاذ الآخرين، وليس لأنه ظرف طارئ حدث، فالاستنقاذ عملية مستمرة مستدام واستعداد دائم للإنقاذ.
الهدف في قضية الإمام الحسين




يجب أن نستمر بالسير في مسيرة الاستنقاذ التي ضحى فيها الإمام الحسين من اجل إنقاذ البشر من الجهالة وحيرة الضلالة، ويقول سماحة السيد المرجع أيضا: «ان الامام الحسين صلوات الله عليه ضمن بدمه وبشعائره بقاء الاسلام» وقال ايضاً: «لو لم يكن الامام الحسين صلوات الله عليه ودمه الطاهر لما كنا اليوم نصلي ولما كان هنالك من يقول (لا اله الا الله)».
لذا فكل المسلمين مدينون للإمام الحسين، وليس الشيعة والمسلمين فقط بل حتى البشرية سوف تعرف قيمة الإمام والتضحيات التي قدمها، لأنه استنقذ الإنسانية.
في زمننا هذا أحيانا، هناك بعض البشر ليس لديهم قابلية أن يفهموا قضية الإمام الحسين لكنه


فنحن تقع علينا مسؤوليات كبيرة لإنقاذ العالم من الوضع الذي يعيش فيه، لأن المشكلة فكرية وعقائدية وتفكيرية، حيث يسود أسلوب التفكير الضعيف، والانحراف يهيمن على المجتمعات، والأفكار المنحرفة تؤدي به إلى الغرق المميت في الماديات، وقد أدى ذلك بالمجمل إلى زوال مفهوم التضحية وترسخ الفردية الانعزالية.
التضحية من خلال علي الأكبر؟
تتجسد التضحية الكبيرة للإنسان عندما يرى أولاده يُذبحون عطشا ويُقتلون واحد تلو الآخر، إنك اليوم إذا رأيت أحدا فقد ابنه فسوف تحزن كثيرا عليه، فكيف إذا يُقتل الابن ويقطّع ويموت عطشانا أمام والده، وكذلك بقية أخوته، إن هذه تعدّ تضحية عظيمة.
وصفه أبوه الإمام الحسين بقوله: (أشبه الناس برسول الله


إذاً لابد أن نعرف قيمة هذه التضحية ونكون متعاهدين مع الإمام من اجل تلبية ندائه ونصرته، في قضية علي الأكبر ومقامه الكبير كما قلنا عن قضية أبي الفضل



في قضية معروفة تاريخيا في المسير الى كربلاء، عندما قال الإمام الحسين





فالإمام كان يدري لكنه أراد ان يبيّن مقام علي الأكبر، ويبين هذه القوة العظيمة عند علي الأكبر والتي تعبر عن قيمة هذا الشاب الشجاع البطل المقدام.
كيف نستلهم معاني التضحية من دروس عاشوراء؟
إن عاشوراء هي دروس تربوية لنا، تعلمنا منهج الحياة الصحيح، وأول شيء نتعلمه من دروس التضحية، معنى الربح والخسارة، والبعض يتصور انه إذا أعطى بلا حدود، وضحى بلا حدود يصبح خاسرا، كما يوجد بعض الناس الذين عقليتهم ضيقة فلا يعطي بقدر ما يأخذ، او يأخذ أكثر مما يعطي باعتبار أن هذا العطاء الذي يعطيه او التضحية هي خسارة بالنسبة له بحسب حساباته المادية، لكن على العكس فالتضحية هي ربح للإنسان في كل الأحوال.
هذا الدرس نتعلمه من عاشوراء، فكلما أعطى الإنسان، فإنه ارتقى سلم السمو درجة درجة ويصعد أكثر ويربح أكثر، وهو الرابح وليس الخاسر، على العكس من ذلك أولئك الذين لا يضحون، فهم خاسرون دائما، تراهم محدّدين ضيقين ليس لديهم فسحة من الحركة الإيجابية الواعية، وحساباتهم ضيقة على النقيض من حسابات التضحية الكبيرة والعظيمة، هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية إن التضحية انتصار وليست هزيمة، على العكس من ذلك عدم التضحية هي الهزيمة، لذلك تضحية الإمام الحسين


هناك بعض الناس يتخلون عن مبادئهم بسبب شعورهم بالهزيمة، ويوجد بعض الذين يحاربون الشعائر الحسينية، ويقولون ما هذه الشعائر ولماذا الآن؟، الجواب لابد أن نفتخر بهذه الشعائر، فهي انتصار وقوة لنا وتربية على معاني التضحية والعطاء.
إن رضا الله هو المعيار في كل الأوقات وليس رضا السلطان والتكالب على الدنيا، فقد يفكر صاحب محل ببيع بضاعة مغشوشة، لكنه يتوقف عن ذلك عندما يضع الخوف من الله سبحانه في اعتباراته، فكل شيء نعمله في حياتنا لابد ان يكون في اطار رضا الله، ورضا الله هو توفيق للإنسان، لذلك فإن الذي علينا معرفته هو أن التضحية التي قدمها الإمام الحسين ولم يتنازل عنها، هي من اجل رضا الله سبحانه، فإذا سار الإنسان في هذا المنهج سيكون موفقا في حياته.
(رضا الله رضانا أهل البيت) فهذه النقطة مهمة ويجب أن يلتزم بها الإنسان في حياته، فأي عمل يختاره في حياته عليه أن يتأكد بنفسه، هل هذا يرضي الله أم لا.
التضحية طاقة حياة
النقطة الأخرى في موضوع الاستلهام، أن التضحية حياة والانسحاب موت، فهؤلاء الذين بقوا مع الإمام الحسين هم أحياء وذكرهم خالد، وهذا يعني أننا في مواقفنا يجب أن تكون لدينا حسابات غير دنيوية ضيقة، بل حسابات معنوية عالية.
إن التضحية حياة وليس موت ولا خسارة ولا هزيمة، بل هي حياة تُعطى للإنسان، لذلك نلاحظ أن الذين عندهم عطاء كبير وتضحيات كبيرة في حياتهم، ترى النور في وجوههم ويتألقون معنويا، فكلما يكون الإنسان معطاءً ومضحيا تكون فيه الطاقة الإيجابية كبيرة، اما الذين ليس لديهم عطاء لاترى النور في وجوههم، معنى هذا أن هناك نوعا من الموت يصيب هذا الشخص وتسيطر عليهم الافرازات السلبية والرؤية الظلامية، لأن الإنسان إنما يحيا بالمبادئ، لذلك يجب أن نطبق ما يريده الله سبحانه ورسوله وأهل البيت حتى نغذي انفسنا بالطاقات الإيجابية المستنيرة.
هذه نقطة مهمة جدا من دروس عاشوراء التي جاءت من اجل أن نعيش نحن ونسير في مسيرة صحيحة، لابد أن نطبق ما قالوا ونقرأ أحاديثهم

كيف يساعد مفهوم التضحية على تحسين حياتنا؟
أسوأ شيء في الإنسان هو الأنانية، فهي تجعله مريضا نفسيا وأخلاقيا، لأنه يفكر في نفسه فقط وهذا خطأ كبير، كثير من الأسَر تربي أولادها على الأنانية، وعلى أن يأكل ويشرب ويستمتع ويستأثِر بكل شيء، ويهتم بنفسه فقط، الأنانية مرض يحول الإنسان إلى نرجسي، والنرجسية تتحول إلى نوع من أنواع القلق في حياة الإنسان، فلا يعيش حياة صحية سليمة.
لذلك نتعلم مفهوم التضحية من اجل تربية أنفسنا على الإيثار والعطاء والإنفاق، وبالنتيجة نقوم ببناء سلوكيات صالحة في أنفسنا، بعيدا عن الأنانية، فهذا نوع من التنمية الذاتية، لذا نحن نحتاج التضحية لأنها تنمّي في أرواحنا الجانب المعنوي، بعيدا عن الغرائز المادية الموجودة في داخلنا.
وأهم نقطة في التضحية هي تربية أنفسنا على أن نعتقد بأن التضحية قوة وليست ضعفا، في حين يرى البعض انه اذا ضحى الانسان أصبح ضعيف الشخصية، ولا يحترمه الناس، هذا خطأ كبير يفقد الإنسان ثقته بنفسه، فإذا ضحى يقولون له: ما دخلك بالناس حتى تضحي من أجلهم؟، عليك بنفسك فقط، وهذا خطأ كبير.
بعض الناس ينظرون إلى التضحية على أنها ضعف، لكن العكس هو الصحيح، فالتضحية قوة للإنسان ولشخصيته، ويجب أن ينظر الناس إليه كنموذج صالح في المجتمع، يتعلمون منه معاني التضحية، كذلك التضحية تحسّن طبيعة التعامل مع الآخرين.
في كثير من الاحيان تحدث نزاعات وصراعات داخل المجتمع، سببها الانانية والتفكير في النفس فقط، وسوء الظن بالآخرين، لكن الانسان اذا كان عنده عطاء وتضحية، فإنها تربي فيه نوعا من المشاركة والتفاعل الوجداني مع الآخرين، وهذه من المزايا المهمة في تنمية الشخصية عند الانسان، فيصبح صاحب شخصية اجتماعية ونفسية قوية.
كيف تؤثر التضحية كثقافة على بناء مجتمعاتنا؟
إن بناء المجتمع قائم على وجود التفاعل والإحساس والهدف المشترك، وكذلك وجود الرؤية المشتركة، فإذا كان المجتمع منفصلا منعزلا عن بعضه، تستفحل فيه الانانية والفردية ويكون مفككا، ومليئا بالمشكلات والأزمات والنزاعات، لكن التضحية عملية بناء اجتماعي تؤدي الى تقارب المجتمع فيما بينه، فهذا يضحي وذاك يتعاون، هنا سوف نرى التقارب الروحي والمعنوي الكبير في المجتمع وتصبح لدينا وحدة اجتماعية.
لذلك نقول إن الإمام الحسين يوحدنا، فنصبح مجتمعا متكاملا له أهداف مشتركة، لهذا السبب يجب أن نتعلم مفهوم التضحية ونطبق هذا المفهوم بالعطاء المادي، والإنفاق في سبيل الله، بالعطاء الفكري والثقافي، وبالعطاء من ناحية المجهود، هذا كله يؤدي الى تقريب المجتمع من بعضه البعض واذا تقارب المجتمع نتجه الى حل المشكلات الاجتماعية وبناء السلم الاجتماعي.
فالتضحية هدف يسمو بالإنسان والمجتمع، ذلك ان هدف الرسالة المحمدية هي ان نصنع مجتمعا سعيدا صالحا، يتربى في ظل تضحيات أهل البيت

فإذا لم نطبق ونتبع المثل العليا ستذهب هذه التضحيات هدرا، ولأن الحسين مصباح هداية وسفينة النجاة، فلابد ان نتعلق بهذه السفينة من خلال ممارسة التضحية يوميا، في سبيل المثل والقيم العليا التي أرادتها وأنتجتها النهضة الحسينية المباركة.
* نص حوار من مجموعة حوارات بثت على قناة المرجعية في أيام عاشوراء
كتبه - الشيخ مرتضى معاش
تعليق