منهج الرفض والبراء في المسيرة الحسينية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دمعة الكرار
    • Oct 2011
    • 21333

    منهج الرفض والبراء في المسيرة الحسينية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللَهٌمَ صَل ِعَلى مُحَمْدٍ وَآل ِ مُحَمْدٍ الْطَيّبْينَ الْطَاهِرّيْنَ
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الإمام الحسين (عليه السلام) ومنهج البراءة من المشركين:
    لقد دافع المسلمون في الجزيرة العربية عن الوحي في العصر الأول أفضل دفاع، وجاهدوا الكفار دون هوادة حتى نصرهم الله تعالى، فعمّ الإسلامُ الجزيرةَ ورفرفت على ربوعها راية التوحيد، وحينئذ أنزل الخالق (عزّ وجل) سورة البراءة، وهي السورة الوحيدة في القرآن التي لا تفتتح بـ ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾، دلالة على غضب الله وشدة انتقامه!
    وعندما نزلت هذه السورة على الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأراد إبلاغ المسلمين في الموسم الأكبر في الحج، بأنه منذ تلك اللحظة وإلى أربعة أشهر يمهل المشركين لكي يتركوا الجزيرة العربية ولا يعودوا إلى حرم الأمن الإلهي، نزل جبرائيل (عليه السلام) على الرسول (صلى الله عليه وآله) وأخبره بأن لا يحمل هذه السورة إلى المشركين إلا هو أو شخص يمثله ويكون نفسه، وحينئذ دعا النبي (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) وحمَّله هذه السورة، فصدع الإمامُ بها في الموسم.
    كانت القبائل العربية المشركة المتوافدة إلى موسم الحج الأكبر متواجدة في المشاعر كما في مكة المكرمة، فأعلن الإمام (عليه السلام) البراءة بكل صراحة منهم في ذلك الموسم العظيم.
    والملاحظ في هذا المجال أن كل الطغاة عبر التأريخ يرفضون الحديث عن البراءة، فلا بأس أن تتحدث عن الصدق والوفاء وصلة الرحم والصلاة والزكاة، ولكن إياك أن تتحدث عن الشرك والرشوة والفساد والانحراف والمنكر.
    تُرى لماذا تبدأ كلمة التوحيد بالرفض وتنتهي بالإثبات (لا إله إلا الله)؟ ولماذا يغفر الله تعالى كل ذنب ولكنه لا يغفر الشرك به؟ ولماذا يعد الشرك ظلماً عظيما؟ ولماذا كانت معركة الأنبياء عبر التأريخ مع الشرك والمشركين الذين كانوا يتخذون مع الله آلهة ومَن دونه أولياء؟
    السبب في كل ذلك هو أن المنزلق الأكبر للبشرية إنما هو منزلق أن لا يرفضوا الله تعالى، ولكنهم يشركون به في نفس الوقت، فكل شيء يشهد على وجود الله، ولكن الناس يريدون عادة أن يعبدوا مع الله غيرَه، وأن يتخذوا مخلوقاته أولياء من دونه، سواءً كانوا حجراً أم بشراً أم مناهج، فالمشكلة هي أن الإنسان يريد أن يعبد الله تعالى عندما تكون له مصلحة في ذلك، فتراه يعبد الله حيناً ويخضع للطاغوت حينا، فالمنزلق الخطير الذي يوقع الشيطانُ الإنسانَ فيه هو هذا المنزلق، فلا بأس أن يصلي من الليل إلى الصباح، ولكن إذا تعين عليه أن يطبق قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ أن يقوم لله ويشهد بالقسط وينكر المنكر ويقاوم الطاغوت ويرفض الانحراف، فحينئذ تبدأ الصعوبة، فالذي ينهض في وجه سلطان جائر وينكر عليه فساده وانحرافه، فان هذا السلطان لن يسكت عنه، ولذلك كان إبراهيم الخليل (عليه السلام) محطِّماً للأصنام، لأنه رفض الانحراف، بل انه بدأ مسيرة التوحيد من خلال الرفض، رفض عبادة الشمس والكواكب حتى قـال: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ ، فلو لا رفضه لعبادة من هو دون الله لما كان موحداً ولما عمد إلى تحطيم الأصنام.
    الرفض بداية الإيمان:
    وهكذا فإن الرفض هو بداية الإيمان، ولقد علَّمنا أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) درسَ الرفض والتوحيد.
    فالسر الذي جعل العالم كله وعبر التاريخ يقف إجلالاً له (عليه السلام) كلّما مرت ذكرى محرم، يكمن في أن منهج التوحيد علّمه كيف يرفض الانحراف، ولو كلفه ذلك أن يسفك دمه! فالإمام الحسين (عليه السلام) أعلن عن ثورته بقوله: «إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة... ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرّمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله!»

    فلم يقل: أنا لا أبايع يزيد، بل قال: إن منهجي يختلف عن منهجه، فمثل أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) الذي رضع من ثدي الإيمان ونشأ في كنف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وترعرع في حضن فاطمة الزهراء (عليها السلام) وشبّ تحت رعاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، لا يمكنه أن يبايع رجلاً فاسقاً كيزيد، فمن كان مع الحسين لا يمكن أن يكون مع يزيد، وهذا هو الطريق الصحيح.
    ولقد أعلن الحسين (عليه السلام) مرة أخرى عن منهجه التوحيدي في رسالته إلى العلماء، حيث نقل في هذه الرسالة حديثاً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: «من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيّر عليه بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله»بحار الانوار
    ، أي أن الإنسان الذي يداهن سلاطين الجور ولا يتبرأ منهم، فانه سيكون شريكاً في جرائمهم، وقد كان الإمام الحسين (صلوات الله عليه) يستهدف من هذه الرسالة استنهاض همم العلماء، ليقوموا قياماً واحداً ضدّ يزيد الطاغية.
    وفي هذا المجال نستمع لقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾
    ، ولقوله (عزّ وجل): ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

    فالكفر بالطاغوت هو بداية الطريق، والذي لا يكفر به لا يمكن ان يؤمن بالله، فكيف من الممكن أن تجتمع على إنسان واحد قيادتان، وكيف يقوده إمامان: إمام الهوى وإمام الهدى؟!
    إن حركة الإنسان لا تتحمل قيادتين، ولذلك فان الرفض هو بداية التسليم والإيمان، وهذا هو ما فعله الإمام الحسين (عليه السلام)، فهو لم يترك جانباً من جوانب حياتنا إلا وأضاءه بنهضته الكبرى.
    إن الحسين (عليه السلام) بدأ نهضته هذه بقضية هامة، وهي انه قد نظر إلى العاقبة منذ بداية الطريق، فقد أعلن في أول خروجه من مكة المكرمة قائلاً: «خُطَّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلا...»، ثم قال (عليه السلام): «من كان فينا باذلاً مُهجته موطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله» بحار الانوار

    وهكذا فإنه (عليه السلام) لم يُمَنِّ الناس بالإمارة والنصر والخيرات، وإنما أعلن لهم أن هذا الطريق لابد وان ينتهي بالشهادة، وعندما يتسلّح قوم بهذا النهج وهذه الروح العالية، فإنهم لا يمكن أن يغلَبوا عن ضعف، لأن النهاية هي الشهادة، وهم قد بدؤوا بالنهاية هذه، أي اعتبروها بداية الطريق كما فعل الإمام الحسين (عليه السلام).
    ونحن اليوم إذ نجدد ذكرى أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ونحيي شهر محرم بما فيه من نفحات إلهية وفرص للهداية وعواطف جياشة وأعين دامعة، وبما فيه من مجالس الذكر والعزاء، علينا إن نحييه بالكلمة المسؤولة التي تحمّل الناس مسؤوليتهم الشرعية، فالقرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾
    ويقول: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ فالكلّ سوف يقف في ذلك اليوم الرهيب لكي يجيب ربه، ولا فرق في ذلك بين الكبير والصغير والعالم والجاهل والغني والفقير، فالجميع يتحملون المسؤولية، فأنت مسؤول وأنا مسؤول وكلنا مسؤولون.
  • الـدمـع حـبـر العـيـون
    • Apr 2011
    • 21803

    #2


    تعليق

    • دمعة الكرار
      • Oct 2011
      • 21333

      #3

      تعليق

      يعمل...
      X