في غيبة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وفاء للحسين
    • Jan 2010
    • 2738

    في غيبة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف






    برزت في عصر الغيبة الصغرى (260- 329هـ) حتى أواخر القرن الرابع ثلاثة اتجاهات فقهية مختلفة في المجتمع الشيعي، هي:

    أ: أهل الحديث
    يمثل هذا الاتجاه في واقعه امتداداً للاتجاه المتمركز حول السنة والنقل، الذي بذل جهده في جمع الحديث وضبطه وحفظه، ولقد مر فيما سبق أن اتباع هذه المدرسة عموماً لم تكن لهم علاقة بالاجتهاد بوصفه ممارسة ومجهوداً فكرياً يقوم على أساس الاستنباط العقلي. أكثر من ذلك كان هؤلاء يطعنون حتى بمنهج الاستدلال العقلي الكلامي الذي يستخدم لتقوية المذهب واستحكامه، ويستعمل في حراسة منظومة الفكر الشيعي والذود عنها(74).
    هذه حالة كانت تشبه تماماً أتباع مدرسة أهل الحديث في الوسط السني، حيث نهى فيها أحمد بن حنبل - على سبيل المثال - حتى عن ذلك القسم من الكلام الذي يستخدم في الدفاع عن الإسلام والذود عنه(75).
    ويتوزع فقهاء مدرسة أهل الحديث من زاوية اتباع الحديث، إلى فريقين: الأول: الفريق الذي يتعاطى الحديث برؤية نقدية ويمارس عملية نقد الحديث على ضوء الأصول الصحيحة المتداولة في علمي الرجال والحديث، بالنتيجة فهو لا يقبل الرواية مهما كانت، كما له دراية بالروايات الواردة في المجال الفقهي، ويعرف في الأغلب قواعد أصول الفقه في مختلف حالات الأدلة ولو بصورة بسيطة(76) بل نراه يستفيد عملياً من ذلك الجزء من القواعد الأصولية الذي أرشدت إليه الروايات(77) لكن مع ذلك كله لم يكن أنصار هذا الاتجاه يفكرون مطلقاً بفصل الفقه عن الحديث، كما لم يبادروا إلى تدوين الكتب الفقهية المستقلة وترتيبها، بالإضافة إلى انهم كانوا يخشون كتابة المطالب الفقهية بغير العبارات الموجودة في نصوص الروايات الدينية ذاتها(78) بإيحاء من منهجهم المحافظ وبتأثير من نزعتهم المتمركزة حول النقل. وتتمثل الكتابات الفقهية لهذا الفريق من المحدثين بأنها مجموعة من النصوص الحديثية وقد رتبت ترتيباً موضوعياً، في حين قام هؤلاء بحذف الأسانيد أحياناً(79).
    من رموز هذا الاتجاه في التدوين الفقهي محدثون من أمثال محمد بن يعقوب الكليني(ت: 329هـ) ومحمد بن الحسين بن أحمد الوليد(ت: 343هـ)، ومحمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق المتوفى سنة 381هـ(80).
    الثاني:الفريق الذي يتبع الحديث دون قيد أو شرط،وهو غريب تماماً عن مباني أصول الفقه ومرتكزاته وقواعد الجرح والتعديل الحديثي، لا اطلاع له مطلقاً على قواعد الاستدلال وآداب البحث(81).
    إن الميول المتطرفة لهذا الفريق في الانحياز إلى الأحاديث والالتزام بها كانت تتشابه مع اتجاه الحشوية المتطرف في المذهب السني، هذا الاتجاه الذي يعد من بين الاتجاهات الموجودة في مدرسة أصحاب الحديث عند ذلك المذهب، أكثرها تطرفاً وجموداً وانحرافاً(82).
    مع هذا التمايز في استخدام المصطلح(أي إطلاق وصف الحشوية على اكثر اتجاهات مدرسة الحديث السنية جنوحاً للجمود والتطرف ) يلحظ أن مصنفات متكلمي الشيعة في القرون الرابع والخامس والسادس استعملت هي أيضاً مصطلحات من قبيل الحشوية(83) والمقلدة(84)الى جوار مصطلحات مثل اصحاب الحديث (85) والاخباريه (86) في نعت جميع أنصار الاتجاه الحديثي في هذه المرحلة.
    لقد توفرت كتب علم الرجال على ذكر بعض فقهاء هذه المدرسة واتجاههم على نحو صريح كما هو الحال في أبي الحسين الناشي وعلي بن عبد الله بن وصيف(ت: 366هـ) الذي قالوا عنه انه يتحدث في الفقه بأسلوب أهل الظاهر(87).
    أن عدم وجود ممارسة استدلالية ومرتكزات اجتهادية في هذه المدرسة،وافتقار رموزها لأي ضرب من الفكر الإبداعي الجديد، حيث لم تزد الأنظار الفقهية للمنتمين إلى هذه المدرسة على مفاد الأحاديث الدينية نفسها، ومن ثم عدم اكتسابها لقيمة فقهية مستقلة، أفضى إلى عدم العناية بها في النصوص والمصادر الفقهية(88).
    لكن يلحظ نقل المصادر الفقهية لنظرات الكليني والصدوق اللذين يدخلان في عداد الفريق الأول من المدرسة الحديثية(89).
    ولقد استطاعت هذه المدرسة، التي سجلت حضورها في البدء بوصفها أحد الاتجاهين البارزين في المجتمع العلمي الشيعي، أن تمد هيمنتها تدريجياً على المراكز العلمية وتسيطر على المحيط الفكري الشيعي في عصر الغيبة الصغرى، حتى تمكنت من الانتصار كاملاً على الاتجاه العقلي الكلامي والنمط الفقهي القائم على أساس الاجتهاد والاستدلال. وفي هذا السياق خضعت قم بوصفها آنئذ أكبر وأهم تجمع ديني شيعي، إلى سلطة هذه المدرسة بصورة كاملة، حيث كان فقهاء قم محدثين أجمعهم (90) يعارضون أي ضرب من الاستدلال والاجتهاد والتفكير العقلاني في المجتمع الإسلامي الشيعي.
    ويلحظ ايضاً أن الأكثرية الغالية لفقهاء الشيعة في هذه المرحلة حتى أواخر القرن الرابع كانوا من اتباع هذه المدرسة(91).
    بدأت هذه المرحلة بالاضمحلال والتلاشي أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس، كما سنرى.بجهود حثيثة بذلها الشيخ المفيد وتلميذه الشريف المرتضى. وان كان ذلك لم بمنع من وجود بعض أتباعها في الأدوار اللاحقة على نحو مبعثر(92) لكن لم يكن لهؤلاء أي أثر يذكر في المحيط العلمي الشيعي. وإن آثار المفيد والمرتضى ومصنفاتهما تبرز على نحو واضح النهج الفقهي لهذه المدرسة وتبين بجلاء أصول معتقداتهم(93).

    ب: القَديمان
    بالتزامن مع هيمنة المحدثين على المناخ العلمي والديني للشيعة أواسط القرن الثاني من القرن الثالث وجزء كبير من القرن الرابع، برزت الى السطح شخصيتان علميتان كبيرتان بين فقهاء الشيعة، كان كل واحد منهما صاحب منهج فقهي خاص. والعنصر المشترك في المنهج الفقهي لهذين الاثنين يتمثل باستخدامهما معاً لمنهج الاستدلال العقلي.
    على هذا الضوء كان عمل هذين الفقيهين يعد ضرباً من الاستدلال لمنهج الفقه التحليلي التعقلي الذي كان سائداً في عصر حضور الأمام، كما عكس إنجازهما الحلقة الأولى للفقه الاجتهادي الشيعي الذي برز بصيغة مجموعة مدونة ومستقلة(94).
    لقد جاء منهج هذين الفقيهين مستقلاً عن الحديث، لكنه مستند إليه ويتحرك في إطاره، وهو يمارس عملية تفريع الفروع عن الأصول من خلال الاستعانة بالاستدلال العقلي واستخدام الفكر وا لاجتهاد والنظر.
    مع ان كل واحد من هذين الرمزين كان من فريق، كما ان له منهجاً ومساراً في العمل مختلفاً عن الآخر، إلا انهما وصلا إلى نتيجة واحدة في كثير من المسائل الفقهية، وصارا إلى وجهة نظر مشتركة فيها. على هذا الأساس دأبت المصادر الفقهية في العادة إلى الإشارة إليهما من خلال عنوان(القديمين)(95).
    هذان الرمزان الفقهيان هما:
    1- ابن أبي عقيل أبو محمد الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني الحذاء، من علماء النصف الأول من القرن الرابع(96) ومصنف الأثر الفقهي المشهور(المتمسك بحبل آل الرسول)الذي كان يعد في القرنين الرابع، والخامس من أشهر المراجع الفقهية وأهمها(97)، كما أن فقرات وأجزاء من كتابه كانت قد نقلت في المصادر الفقهية المتأخرة(98).
    2- ابن الجنيد أبو علي محمد بن أحمد بن الحنيد الكاتب الإسكافي، من أعلام أواسط القرن الرابع(99) ومؤلف كتاب(تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة) و(الاحمدي في الفقه المحمدي)(100).
    لقد عاش هذان العالمان في عصر واحد تقريباً، على أن ابن عقيل الذي تقدم قليلاً على ابن الجنيد زمنياً(101) عد علمياً في زمرة متكلمي الشيعة(102) وهو في الحقيقة أول شخصية تدخل في تركيب المدرسة الفقهية للمتكلمين، التي كونت العهد الثالث من عهود الفقه الشيعي وأدواره، كما سنلحظ ذلك بالتفصيل لاحقاً في خصوصيات هذه المدرسة ومنهج رموزها في العمل.
    أسوة ببقية المتكلمين لم يعترف ابن عقيل بالأحاديث الدينية غير الثابتة أو ما يطلق عليه في لغة علم الأصول بخبر الواحد، ولم يعتبرها حجة.كما يتضح من آرائه وفتاواه أن منهجه الفقهي يقوم على أساس القواعد القرآنية الكلية، والأحاديث المشهورة الثابتة. ففي الموارد التي يوجد فيها قاعدة كلية عامة في القرآن، وفي المقابل ذكرت الأحاديث استثناءات لتلك القاعدة، تراه يحفظ للقاعدة القرآنية عموميتها وكليتها، ولا يعبأ بتلك الأحاديث إلا إذا كانت قطعية لا مجال للتردد فيها(103).
    على انه من الطبيعي أن يكون كثير من الأحاديث والروايات في عصره واضحة ومحددة بحكم قربه من عصر حضور الإمام(104).
    بالإضافة إلى عدم غموض نظرات الأئمة في الأصول والمرتكزات الفقهية الأساسية، تبعاً للاختلافات الروائية للسبب ذاته ؛ لذلك كله صار الكثير من الروايات التي ذكرها في كتبه منسوباً إلى الأئمة، موضع القبول المطلق من علماء الشيعة بعده(105).
    حظي المنهج الفقهي لابن أبي عقيل باحترام وعناية العلماء من بعده وراحوا يشيدون به(106)، كما أن آراءه الفقهية والحقوقية نقلت في جميع المصادر الفقهية.
    أما الشخصية الثانية في هذه الطبقة متمثلة بابن الجنيد فلم تحظ بإقبال كبير، كما أن منهجه الفقهي صار موضعاً لانتقاد المعاصرين له والمتأخرين عنه.
    يعد ابن الجنيد من متكلمي الشيعة المؤثرين، له تصانيف ومؤلفات كلامية متعددة (107)، من بينها كتاب في الدفاع عن الفضل بن شاذان المتكلم الشيعي المشهور في القرن الثالث(108)، هذا المتكلم الذي يعد- كما رأينا فيما سلف- من أنصار التفكير العقلاني عند الشيعة، ومن مؤيدي المنهج الاستدلالي والتحليلي في الفقه. مع ذلك كله كان ابن الجنيد يصنف من زاوية الاتجاه الفقهي، على مدرسة أصحاب الحديث ويعد من اتباعها (109)، لانه كان ينظر إلى الأحاديث الدينية غير القطعية على أنها حجة ويعمل بها.
    من جهة أخرى،كان يؤمن بالمنهج التحليلي والاستدلالي العقلي في استنباط الأحكام الفقهية واستخراجها من مصادرها، على عكس المحدثين الذين كانوا يكتفون بالعمل بظاهر الرواية فقط، ويبدو أن ابن الجنيد كان يعد الإدراك الكلي الفقهي المستمد من كل رواية بالمقارنة مع أشباهها ونظائرها،معياراً للعمل(110).
    ورغم عدم الاعتراف بإمكان الاستفادة من اكتشاف علل الأحكام، يبدو أن ابن الجنيد كان يستفيد من هذا العصر في منهجه الفقهي(111).
    ولقد أشرنا فيما سبق إلى أن هذا المنهج في الاستنباط الفقهي القائم على قاعدة تأسيس الضوابط الكلية، وقواعد العامة في المسائل، ومن ثم الاستغناء عن النص الحديثي الخاص في كل مورد، كان يعد في القرون الأولى ضرباً من القياس (112)، ولذلك وقف أصحاب الحديث من هذه الممارسة موقفاً سلبياً.
    وعلى ضوء ما مر اتهم ابن الجنيد بأنه من اتباع(القياس)(113)(والرأي) (114)، وذلك أسوة ببقية من اتهم من ذوي الميول العقلانية والاستدلالية في الفقه المتداول في عصر حضور الإمام، ومن بينهم الفضل بن شاذان. وأدت الاتهامات إلى ترك كتبه وإهمال مؤلفاته(115)، وذلك بعكس المصنفات الفقهية لابن أبى عقيل، كما صارت سبباً لعدم العناية بنظراته الفقهية في العهدين الثالث والرابع من عهود الفقه وأدواره(116)، حيث طغت رؤى أهل الحديث.
    دافع ابن الجنيد عن نفسه وعن منهجه الفقهي في عدد من الكتب التي ألفها حيث تشهد أسمائها عن طبيعة منهجه المنتخب في الفقه، من تلك الكتب(كشف التمويه والإلباس على اغمار الشيعة في أمر القياس)0وأظهار ما ستره أهل العناد من الرواية عن أئمة العترة في أمر الاجتهاد)(117). كما دافع أيضا عن نهجه في كتابه(المسائل المصرية)(118).
    وكان المفيد، الفقيه الشيعي المعروف(من أعلام القرن الخامس الهجري )، ناهض ابن الجنيد وبادر لمواجهة منهجه الفقهي، بالرغم من كونه تلميذاً له(119)، وهو أِشاد بذكائه واستعداده الفقهي(120)، ففي بعض مصنفاته خطأ المفيد أستاذه ابن الجنيد، كما في(المسائل الصاغانية)(121)، و(المسائل السروية)(122)، وأيضا في رسالتين خاصتين، إحداهما في الرد على رسالة ابن الجنيد(المسائل المصرية).
    جاءت بعنوان(نقض رسالة الجنيدي إلى أهل مصر)(123)، على حين حملت الأخرى عنوان(النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي)(124)، ولم يقتصر ذلك على المفيد وحده، بل بادر تلامذته أيضاً لاستعراض آراء ابن الجنيد الفقهية والرد عليها في مؤلفاتهم(125).
    يقوم المنهج الفقهي لابن الجنيد على الاعتراف بحجية الأحاديث الدينية وقيمتها بوصفها مصدراً أساسيا في الفقه، وذلك خلافاً للمرحلة الثالثة من مراحل الفقه- التي سيأتي الحديث عنها لاحقاً ـ كما يسجل من جهة أخرى اعترافه بقيمة العمل بوصفه أداة أساسية في استنباط الأحكام، والمنهج بهذه التركيبة هو أقرب الى مراحل الفقه الشيعي الأكثر تكاملاً التي جاءت فيما بعد ـ وأكثر انسجاما معها(126).
    هذا المعنى هو الذي يفسر النظرة الإيجابية إلى أفكار ابن الجنيد فيما بعد. فبعد قرنين من وفاته نقل الفقيه الشيعي ابن إدريس أواخر القرن السادس الآراء الفقهية لابن الجنيد بإكبار واحترام( 127)، ثم عندما شق منهج الاستدلال العقلي طريقه في الفقه الشيعي على نحو أوسع في النصف الثاني من القرن السابع، حظيت آثار هذا العالم بالكثير من الثناء والإعجاب، وصار ينظر إليها بغاية الإجلال والاحترام، على سبيل المثال عد العلامة الحلي ابن الجنيد في المرتبة العليا من مراتب الفقاهة (128)، وراح ينقل آراءه الفقهية في تآليفه ومصنفاته(129).
    عندما وصل المسار الفقهي الى المرحلة الخامسة بذل فقهاء هذه المرحلة عناية كبيرة بآراء ابن الجنيد واهتموا بها أكبر الاهتمام، بخاصة الشهيد الأول، والفاضل المقداد، وابن فهد الحلي، حتى انهم نقلوا في كتبهم جميع نظرياته في المسائل الفقهية المختلفة، أما الشهيد الثاني الذي يعد من فقهاء هذه المرحلة من أدوار الفقه، فقد ذكر بشأن ابن الجنيد أنه من نوادر قدماء فقهاء الشيعة من حيث البحث العلمي والدقة في النظر يعز نظيره(130).
    على كل حال، فقد بدأت عملية تدوين الفقه الشيعي، وترتيبه في منظومة مستقلة، والتعاطي معه كعلم منفصل عن الحديث ومتميز عنه بشكل كامل، لاول مرة في هذه المرحلة وعلى يد هذين العالمين الفقيهين (131).

    ج: الاتجاه الوسطي
    برزت في هذه المرحلة فئة من الفقهاء أصحاب الفتوى(132)، في المراكز العلمية الشيعية لم يكن لها معرفة بالاجتهاد الدقيق على وفق منهج مدرسة(القديمين)(ابن أبى عقيل وابن الجنيد )، كما أنها لم تكن تتعاطى الفقه على نحو مستقل تماماً عن النصوص الحديثية، ولم تتعامل معه على أساس التحليلات الحقوقية الدقيقة، لكنها في الوقت ذاته لم تكن تتبع المنهج المحافظ لاهل الحديث القائم على أساس التقليد والتمركز حول النقل، ولذا كانت تؤمن بالنظر والاجتهاد في المسائل الفقهية، ويمكن القول باختصار: أن هذه الفئة من الفقهاء كانت اتجاهاً وسطاً بين الاتجاهين المشار إليهما فيما سبق.
    اكتسب الاجتهاد في هذه المدرسة صيغة استخراج الأحكام الأكثر جزئية من القواعد الحديثية العامة، أو انتخاب أحد الطرفين أو أحد الأطراف في حال تعارض الأخبار فيما بينها، من الواضح أن عملية حسم الموقف في مثل هذا المورد والرسو على رأي محدد في أمثال هذه التعارضات، على نحو متساو على الدوام، وهو الأمر الذي كان يمنح هذه المدرسة الفقهية ضرباً من التحرك المتوازن والمعتدل، يكتسب أحيانا وفي بعض المسائل المبتلى بها صيغة أشد وأكثر جدية.
    من بين هذه المسائل تبرز مسألة العدد بشأن شهر رمضان(وتبحث تحديداً أيام شهر رمضان وفيما إذا كان عددها تابعاً لمواصفات النجوم والهيئة أسوة بأيام بقية الشهور، أم لها ميزان ثابت، ومن ثم فإن أيام هذا الشهر لا تتغير )(أي يكون شهر رمضان ثلاثين يوماً على الدوام - المترجم) لقد اختلف فقهاء هذه المدرسة في هذا الموضوع، وألفوا رسائل متعددة في الرد على بعضهم وانتقاد المخالفين لهم في الرؤية (133).
    تتمثل أهم شخصيات الاتجاه الوسطي هذا ممن توافرت بعض المصنفات الفقهية على تناقل آرائهم، بما يلي:
    1ـ علي بن بابويه القمي المتوفى عام 329هـ.
    2- أبو الفضل محمد بن أحمد الصابوني الجعفي، صاحب(الفاخر)، المتوفى في النصف الأول من القرن الرابع.
    3- جعفر بن محمد بن قولويه القمي المتوفى عام 369هـ.
    4- محمد بن أحمد بن داود بن علي القمي المتوفى 368هـ.
    3ـ المتكلمون
    استطاعت مدرسة أهل الحديث أن تسيطر - كما رأينا - على المناخ العلمي والمراكز الثقافية الشيعية بالكامل منذ أوائل عهد الغيبة الصغرى حتى النصف الثاني من القرن الرابع، بحيث كانت لها سلطة لا تنازع،بيد أن نفوذ هذه المدرسة راح يضعف يوماً بعد آخر في العهود الأخيرة من القرن الرابع، وذلك بظهور طبقة جديدة من المتكلمين الحاذقين والأقوياء، حيث تواصلت الضغوطات النقدية لهؤلاء على مدرسة الحديث وتعرضت على أيديهم إلى ضربات مدمرة أدت الى ضعفها بمرور الأيام، قبل أن ينتهي الأمر إلى تلاشيها وزوالها تقريباً في نهاية المطاف.
    لقد تمثلت الشخصية البارزة التي استطاعت أن تحقق هذا النجاح للاتجاه الكلامي والعقلي الشيعي، بالمتكلم والفقيه البارز الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي، المعروف بابن المعلم المتوفى عام 413هـ(134)، تتلمذ المفيد على يد أحمد بن محمد بن الجنيد الإسكافي، ومحمد بن علي بن بابويه القمي الصدوق، وجعفر بن محمد بن قولويه، وأحمد بن محمد بن علي بن داود القمي، وأبى الحسين علي بن وصيف الناشي (135).وبذلك كان على دراية كاملة بالمدارس الفقهية الثلاث الرائجة في القرن الرابع.
    لم ير المفيد من سبيل الى فتح باب الاستدلال، والاتجاه العقلي في الكلام والفقه الشيعيين، إلا من خلال توجيه نقد شديد، وقاس لمنهج أهل الحديث السطحي المتحجر. انطلاقاً من هذه الرؤية راح المفيد يوجه ضربات مدمرة لسلطة الاتجاه القشري، ويكسر هيمنته على المحيط العلمي ويتجاوز نفوذه الضارب على المجتمع الديني الشيعي، حيث استطاع في نهاية المطاف ان يحقق نجاحاً كاملاً على صعيد إنجاز هذه المهمة.
    ويبدو أن هناك عاملاً أساسيا آخر ساهم في نجاح المفيد تمثل بما كان عليه وضع محدثي قم آنئذ، خاصة وأنهم قادة مدرسة الحديث في ذلك العصر وروادها. فقد كان هؤلاء المحدثون يحملون نظرات خاصة إلى الأئمة، بحيث كانوا يرفضون نسبة أي أمر غير طبيعي واستثنائي إليهم وينسبون من يفعل ذلك إلى(الغلو) والانحراف الديني(136)، حتى بلغ بهم الحال أن ينسبوا إلى(الغلو) والانحراف كل من يؤمن بأن النبي مصون عن السهو أو الخطأ(137)، وهي المسألة التي تبلورت في لغة الكلام الشيعي بعنوان(سهو النبي)حيث التقى أكثر محدثي الشيعة والإخباريين المتأرخين، وبعض المجتهدين أيضاً، على موقف واحد منهما يتفق مع رأي محدثي الصدر الأول (138).
    ومن الواضح أن مثل هذه الرؤى لم تكن ترق للقاعدة الشيعية العادية التي كانت ترى في العادة أن المقام الالهي لأئمتها أرفع كثيراً من هذا الحد، وأسمى من تلك الأوصاف، ولقد استفاد المفيد من هذه الفرصة خاصة، ووظفها على نحو فاعل في كسر شوكة المخالفين والنيل من سلطتهم. ومع أن المفيد كان قد تتلمذ على يد الصدوق، ومن ثم فهو أستاذه، بالإضافة إلى أنه شيخ القميين(139)،ورئيس المحدثين(140)، إلا أن المفيد عرض بالنقد الشديد للصدوق في عدد من مصنفاته. فقد انتقد على نحو واسع وعنيف عقائد الصدوق وآراءه في رسالة(تصحيح الاعتقاد)التي تعد شرحاً للرسالة(الاعتقادات)للصدوق، فعل ذلك أيضاً في(المسائل السروية)(141)، و في رسالة(جواب أهل الحائر) ورسائل أخرى، وفي الرسالة الأخيرة خاصة بلغ من عنف النقد وشدته على الصدوق(142) ما حمل بعض العلماء لنفي صحة نسبة الرسالة إلى المفيد(143) حيث نسبها بعضهم إلى الشريف المرتضى(144)، فيما ذهب آخرون لنسبها إلى شخص ثالث(145)، وقد حصل ذلك كله على الرغم من أن الرسالة تعود إلى المفيد بنحو واضح (146) لان كثير من مطالبها يمكن مشاهدتها عيناً في آثاره الأخرى، بالأخص(تصحيح الاعتقاد)(147).
    يتضح من هذه الهجومات العنيفة، والانتقادات الحادة، وبقية الاعتراضات الموجهة إلى منهج أهل الحديث(148)، أن المفيد لم ير طريقاً مجدياً لإنقاذ المناخ العلمي والفكري للشيعة، من نفوذ المحدثين غير المبادرة الى مثل هذه الشدة والعنف في المواجهة(149)، ومن خطوات المفيد على هذا الطريق أيضاً تصنيفه كتاباً في رد مدرسة أهل الحديث تأليفه بعنوان(مقابس الأنوار في الرد على أهل الأخبار)(150).
    كما كان للشريف المرتضى دورا مهم أيضاً في مواجهة المحدثين والهجوم على مدرستهم. فقد عمد في كثير من مؤلفاته إلى مهاجمتهم بشدة، كما فعل في(جوابات المسائل الموصلية الثالثة)(152) و(رسالة في الرد على أصحاب العدد)(153)، و(رسالة في إبطال العمل بأخبار الآحاد)(154)، كما اتهم جميع محدثي قم بفساد العقيدة والانحراف الديني (155)، باستثناء الصدوق الذي التزم حياله بموقف معتدل وفصله في الحكم عن البقية.
    انتهت حملات المفيد والمرتضى وبقية متكلمي الشيعة في النصف الأول من القرن الخامس حتى زوال مدرسة أهل الحديث وانقراضها(156) من جهتها توفرت بعض المصادر القديمة على ذكر هذا الصراع الحاد الذي نشب بين المدرستين الشيعيتين(157) حيث عبرت عن أصحاب الحديث بمصطلح(الأخبارية) وعن الاتجاه الكلامي بمصطلحات مثل(المعتزلة) و(الكلامية)كما أن المفيد والشريف المرتضى أنفسهما قد ذكرا مدرسة المتكلمين والمحققين بازاء مدرسة أصحاب الحديث (158).
    أما المصادر الشيعية المتأخرة فقد عبرت عن أنصار هذه المدرسة وأتباعها في العادة بمصطلح(الأصولية)(159).
    لقد أخذ المفيد الفقه عن جعفر بن محمد بن قولويه من فقهاء المدرسة الوسطية(160)، كما كان عارفاً - كما رأيناه - بجميع المناهج الفقهية في عصره. لكن اتجاهه الكلامي أملى عليه أن يكون معجباً بمنهج ابن ابي عقيل(161) الذي كان ميراثه الفقهي قد اصبح أنموذجاً عاماً لمدرسة المتكلمين.
    يستند فقه المتكلمين الى القواعد القرآنية الكلية ويقوم على أساس الأحاديث الثابتة، كما مرت الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن المنهج الفقهي لابن أبى عقيل. أما الروايات التي يرويها الشيعة عن أئمتهم، بيد أن صحة انتسابها إليهم ليست قطعية(أخبار الآحاد )، فهي ليست معبرة عند فقهاء المتكلمين، بل كان هؤلاء يأخذون بالنظريات المشهورة والمتداولة بين الشيعة(الاجماعات ) التي كان عمل الطائفة يقوم على أساسها (162).
    ولقد كانت عملية استنباط الأحكام الشرعية من المصادر المذكورة تقوم على أساس المنهج الاستدلالي والتحليل العقلي، هذا المنهج الذي كان المتكلمون على دراية كاملة بقواعده، وعلى معرفة تامة بوسائله بحكم تماسهم اليومي مع عملية التفكير والاستدلال وصلتهم المباشرة بالبحث والمناظرة، ومن ثم كانوا متمرنين عليه حاذقين مهرة في استخدامه.
    لكن مع ذلك كله ينبغي الالتفاف إلى أن مدرسة أهل الحديث كانت قد تركت تأثيرات كثيرة على النمط الفكري العام لأتباع التشيع بفعل المدة الزمنية الطويلة التي هيمنت بها على المجتمع العلمي الشيعي وفرضت سلطتها خلال ذلك عليه.فتأثيرات هذا الفكر لم تختلف تماماً بالرغم من زوال المدرسة نفسها واضمحلالها، بل راحت تبرز بصيغة أجزاء وعناصر ثابتة في الفكر الشيعي. إن الاختلافات التي كانت تبرز أحياناً حيال بعض المسائل بين الرؤية الشيعية في عصر حضور الإمام الراحل المتأخرة عن ذلك، إنما كانت تنشأ من هذه الحقيقة. وبهذا العامل نفسه يمكن تمييز بعض ضروب الاختلاف بين مدرسة المتكلمين في القرن الخامس ومدرسة المتكلمين في عصر حضور الإمام كما هو الحال مع الفضل بن شاذان، فإن التركيبة الأساسية لمدرسة المتكلمين بالمكونات المشار لها آنفاً، تشير بنفسها إلى تأكيد رواد المدرسة على عدم اعتبار الأحاديث تلقائيا.
    والى هذه النقطة بالتحديد استند المفيد(163) والمرتضى (164) وتلامذتهما(165)، والتقوا عليهما بأجمعهم.
    أما أبرز ثلاثة فقهاء كبار في هذه المرحلة الفقهية ممن عكس فقه كل واحد منهم وجهاً ممتازاً في هذه المدرسة، فهم:
    1- المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي(ت: 413هـ)، مؤلف عدد من الرسائل الفقهية والمصنفات، مثل(المقنعة) و(الأعلام فيما اتفقت عليه الإمامية من الأحكام).
    2- الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي(ت: 436هـ)، مؤلف(الانتصار) و(المسائل الناصريات) وعدد من المجاميع في جواب أسئلة فقهية، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الرسائل الفقهية، وهو تلميذ المفيد.
    3ـ أبو الصلاح تقي الدين نجم الدين الحلبي(ت: 447هـ) تلميذ المرتضى، ومؤلف كتاب(الكافي في الفقه).
    إن لكل واحد من هؤلاء العلماء الثلاثة إبداعات خاصة به(166)
    ثم عدد آخر من فقهاء هذا الدور يعدون من أتباع هذه المدرسة وشراح أفكارها، ورد لهم ذكر في المتون الفقهية، هم:
    1- سلار بن عبد العزيز الديلمي(ت: 448هـ) مؤلف كتاب(المراسم العلوية والأحكام النبوية).
    2- القاضي عبد العزيز البراح(ت: 481هـ) مؤلف(المهذب) و(الجواهر) و(شرح جمل العلم والعمل).
    3- أبو الحسن محمد بن محمد البصروي، تلميذ المرتضى ومؤلف كتاب(المفيد في التكليف).
    4- أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي المتوفى عام 449هـ.
    4- مدرسة شيخ الطائفة
    لاحظنا فيما مضى أن فقه مدرسة المتكلمين يقوم على أساس الظواهر القرآنية والأحاديث الثابتة المشهورة، على حين لا تنظر هذه المدرسة إلى الأحاديث الدينية ولا تتعاطاها على أساس أنها مصدر فقهي بنفسها وبشكل تلقائي.
    محاولة شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي(ت: 460هـ) تكمن في سعيه لاعادة الاعتبار إلى مثل هذه الأحاديث وتصحيحها من دون القرائن والشواهد الخارجية، وذلك في نفس الوقت الذي يحافظ فيه على الطابع العقلي والتحليلي للفقه(167)، لقد نجح الطوسي في إنجاز هذه المهمة ووضع أساساً جديداً للفقه الشيعي يختلف تمام الاختلاف عن المناهج السابقة.
    وتعد مدرسة شيخ الطائفة في حقيقتها محصل تركيب بين العناصر المقومة لمدرسة المتكلمين ومدرسة أهل الحديث والجمع بينهما على صعيد مركب واحد. وقد استطاع الطوسي من خلال مصنفاته الفقهية المتعددة أن يفتح أمام الفقه الشيعي آفاقاً جديدة، فاستطاع الفقه الشيعي أن يرتاد أبعاد الفقه التفريعي(التشقيقي) الماثل بتكاثف صور وأشكال متعددة للمسألة الواحدة، من خلال كتابه(المبسوط)كما ارتاد هذا الفقه آفاق الفقه المقارن من خلال كتابه الآخر(الخلاف)عبر المقارنة بين مختلف المدارس الفقهية الإسلامية.
    إن أساس هذين الكتابين(المبسوط والخلاف ) مستمد من النصوص السنية، وعن هذا الطريق انتقل جزء مهم من المعارف الحقوقية(الفقهية ) السنية الى الفقه الشيعي، مما أفضى إلى نموه وازدهاره وفي الحقيقة: أن الفقه الشيعي في مدرسة شيخ الطائفة شهد تقدما وازدهارا واتساعاً مشهوداً عبر تغذيته من ميراث ثقافة الفقه السني الذي كان بدوره قد شهد جهوداً كبيرة خلال القرون الأولى.
    أفضت هذه العملية إلى تغير ملامح الفقه الشيعي وصورته بالكامل كما انتهت جوهرياً إلى تحول هذا الفقه وأفضت إلى تقدمه وإيجاد التكامل فيه، وان كانت العملية لم تسلم من نفوذ مفاهيم غير شيعية إلى بنية الفقه الشيعي، مما لا ينسجم مع مرتكزاته التقليدية، لقد بادر الشيخ في هذين الأثرين(المبسوط والخلاف ) إلى بيان وجهة نظره في جميع المواضع وزاد على الصيغة السنية للكتاب رؤاه المنبثقة من مرتكزات الفقه الشيعي والقائمة على أساسه، حيث جاءت هذه الإضافات بصيغة التحشية، وان كان لم يستطع أحياناً أن يهضم الأساس السني في الفقه على نحو صحيح ويجذبه بشكل كامل.
    لقد أدى هذا المنهج إلى بروز ضرب من الإضراب وعدم التنظيم والانسجام في الميراث الفقهي لشيخ الطائفة، وهي العقبة التي وجدت حلها فيما بعد على يد المحقق الحلي.
    صنف الشيخ في الفقه الشيعي التقليدي كتاب(النهاية)الذي ظل يعد على مدار عدة قرون أهم نص فقهي شيعي، كما ترك بالإضافة إلى ذلك كتاب(الجمل والعقود) وعددًا آخر من المصنفات والرسائل الفقهية، من جهة أخرى ساهم تدوينه للمجموعتين الحديثتين(تهذيب الأحكام) و(الاستبصار)، ومناهجه في الجمع بين الأحاديث المتعارضة وفي الاستنباط الفقهي ؛ ساهم في تكامل مسار الفقه الشيعي.
    واستطاعت مدرسة شيخ الطائفة بخلفيتها الفقهية الراسخة أن تحافظ بنحو جيد على ثباتها واستقرارها طوال ثلاثة قرون كاملة، وان تفرض سلطتها على المجتمع الحقوقي والمحيط العلمي الشيعي.
    بالإضافة إلى ذلك مرت هذه المدرسة خلال هذه القرون الثلاثة بثلاث مراحل قطعتها على النسق التالي:
    1- اتباع الشيخ: تمثلت الفترة الزمنية منذ حياة شيخ الطائفة والى قرن بعد وفاته، بأنها مرحلة التلاميذ والاتباع. فعلى مدار قرن كامل لم يأت الرجال الذين تسنموا موقع الفقاهة وبادروا إلى التأليف واشتغلوا بتدريس الفقه الشيعي، بأي جديد غير تناقل أقوال الشيخ وشرحها ؛ وذلك لان شخصية الشيخ ألقت بظلالها الكثيفة على المراكز العلمية الشيعية حتى لم يعد بمقدور أحد أن يقدم إبداعا أو يساهم بطرح جديد ونظر مبتكر.
    انطلاقاً من هذه الزاوية أطلقت على فقهاء هذا العهد وصف(المقلدة) و المقصود هو تقليد أولئك لمنهج الشيخ واتباعهم آراءه بالكامل (168). لقد ذكر سديد الدين الحمصي، الفقيه الشيعي المشهور أواخر القرن السادس، بأن الشيعة بعد الشيخ لم يكن لها أي فقيه أو مفت وصاحب نظر، بل صار جميع فقهاء الشيعة حكاة لآراء الشيخ ومبينين لنظراته وحسب(169).
    أما ابرز فقهاء هذا العهد ممن تداولت المصادر الفقهية أسمائهم وآرائهم، فهم:
    1- أبو علي حسن محمد بن حسن الطوسي(توفي بعد سنة 515هـ) مؤلف كتبا(شرح النهاية) و(المرشد إلى سبيل العبد).
    2- نظام الدين بن حسن الصهرشتي، تلميذ الشيخ ومؤلف(إصباح الشيعة بمصباح الشريعة ).
    3- علاء الدين علي بن حسن الحلي مؤلف(إشارة السبق إلى معرفة الحق).
    4- أبو علي الفضل بن الحسن أمين الإسلام الطبرسي(ت:548هـ) مؤلف(المنتخب من مسائل الخلاف).
    5- عماد الدين محمد بن علي بن حمزة الطوسي المتوفى بعد عام 566هـ مؤلف(الوسيلة إلى نيل الفضيلة).
    6- قطب الدين سعيد بن هبة الله الراواندي(ت: 573هـ)، مؤلف فقه القرآن) وعدد من الشروح على نهاية الشيخ.
    7- قطب الدين محمد بن سعيد الكيذري البيهقي(كان حياً عام 576هـ) مؤلف(الإصباح).
    8- رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب السروري المازندراني(ت: 588هـ) مؤلف(متشابه القرآن ومختلفه).
    -----
    الهوامش:
    74ـ اعتقادات الصدوق، ص74. انظر أيضا: المفيد تصحيح الاعتقاد، ص169-171،، غيبة الشيخ، ص3.
    75ـ ابن الجوزي مناقب احمد، ص205. أما العالم الحنبلي ابن قدامة موفق الدين عبد الله بن احمد الجماعيلي المقدسي الدمشقي(ت: 620هـ) فله رسالة مطبوعة في تحريم قراءة الكتب الكلامية، انظر: ابن العماد، شذرات الذهب، ج5، ص90-91.
    76ـ عدة الشيخ، ص248.
    77ـ كشف القناع، ص207-214؛ الثوني، رسالة في صلاة الجمعة، ص97.
    78ـ الطوسي، المبسوط، ج1، ص3.
    79ـ ينظر كمثال، مقنع الصدق، ص2.
    80ـ فهرست الشيخ، 135 و156 و157؛ التستري، رسالة في سهو النبي، ص9. انظر ايضاً: رسائل الشيخ الأنصاري، ص87.
    81ـ عدة الشيخ، ص248؛ كشف القناع، ص202.
    82ـ إفصاح المفيد، ص77، أوائل المقالات، ص 65 ؛ الرازي، تبصرة العوام، ص46.
    83ـ المفيد، المسائل العكبرية، ص59؛ أوائل المقالات، ص86؛ المفيد، جواب أهل الحائر، ص114: النقض، ص3و236و272 و285 و529. ايضاً: ص6؛ الفيض، الأصول الأصلية، ص61.
    84ـ جواب أهل الحائر، ص112؛ عدة الشيخ، ص54.
    85ـ وما يشبهه أيضا،. انظر، المفيد، رسالة في الرد على أصحاب العدد، ص124، المفيد، أوائل المقالات، ص80 و81 و87 و88 و89 و92 101و108 و118؛ المفيد، تصحيح الاعتقاد، ص186و222؛ المفيد، المسائل السروية، ص222 و223 ؛ المرتضى، الموصلية الثالثة، ص 40ألف، المرتضى، التبانيات، ص2، المرتضى، الطرابلسيات، ص110، رسالة في الرد على أصحاب العدد، ص130؛ السرائر، ص5و249؛ عدة الشيخ، ص248؛ غيبة الشيخ، ص3. كم ا ينظر أيضاً: مبسوط الشيخ، ص3، كما ينظر أيضا: مبسوط الشيخ، ج1، ص2.
    86ـ النقض، الصفحات، 3، 236، 272، 282، 458، 529، 568-569؛ العلامة، نهاية الوصول، ص200. أيضا: الشهرستاني، ص169، 178، السيد الشريف، شرح المواقف، ص629، 178. كما يلحظ كذلك: محصول الفخر الرازي، نقلاً عن: كشف القناع، ص203.
    87ـ: فهرست الشيخ، ص89، القهبايي، ج4، ص233.
    88ـ المرتضى، رسالة في الرد على أصحاب العدد، ص130؛ المرتضى، التبانبات، ص2، جوابات المسائل الموصلية الثالثة، ص40 ألف.
    89ـ المحقق الحلي، المعتبر، ص 7هداية الطالبين لصاحب المدرك،، ص4، مقابس الكاظمي، ص23.
    90ـ المرتضى، رسالة في إبطال العمل بإخبار الآحاد ؛ ص142، الفتوني، تنزيه القميين، ص4. كما ينظر أيضاً فهرست الشيخ، ص157.
    91ـ عدة الشيخ، ص248، العلامة، نهاية الوصول، ص200.
    92ـ النقض، ص568.
    93ـ ينظر من آثار المفيد على هذا الصعيد، المسائل السروية، ص222، 223، تصحيح الاعتقاد، ص222، المسائل العكبرية، ص59، جواب أهل الحاير، ص112-126، رسالة في الرد على أصحاب العدد، ص124. وينظر من آثار المرتضى: الموصلية الثالثة. ص 140 ألف ؛ التبانيات، ص2، رسالة في الرد على اصحاب العدد، ص130، رسالة في ابطال العمل بأخبار الاحاد ؛ ص142. كما يلحظ ايضاً، عدة الشيخ، ص54، 248، غيبة الشيخ، ص3، المبسوط، ج1،ص2، النقض، ص529-568.
    94ـ بحر العلوم، ج2، ص218.
    95ـ لقد ابتكر هذا المصطلح ابن فهد الحلي(ت: 841هـ) من فقهاء الشيعة في القرن التاسع. انظر كتابه، المهذب البارع، ص3، أيضاً المقتصر، ص2، ثم المدارك، ص463 وبعد ذلك تجيء المصادر المتأخرة.
    96ـ لقد بعث برسالة إلى جعفر بن محمد بن قولويه المتوفى سنة 369هـ يستجيزه بها رواية مؤلفاته، على ما ذكره النجاشي(ص38)، وبذلك يكون من أعلام النصف الأول من هذا القرن.
    97ـ النجاشي، ص38، الذريعة، ص19، ص69.
    98ـ من ذلك، السرائر، ص102، وأيضاً ص398. كما نقل عنه العلامة في مواضع كثيرة من المختلف، والشهيد الأول في أثره.
    99ـ لقد كان في عام 340هـ في نيسابور حيث احتفى به أهاليها على ما ذكره المفيد في(المسائل الصاغانية)، ص17، كما يذكر من بين مصنفاته كتاباً في جواب أسئلة معز الدولة الديلمي المتوفى سنة 356هـ. على ما ذكره أربعينيات حتى ستينيات القرن الرابع. ينظر: بحر العلوم، ج3، ص222.
    100ـ تلحظ كثير من عبارات هذا الكتاب نصاً في مختلف العلامة وآثار الشهيد الأول.
    101ـ بحر العلوم، ج2، ص218.
    102ـ النحاشي، ص38؛ فهرست الشيخ، ص54، 194؛ ابن داود، ص111.
    103ـ التستري، قاموس الرجال، ج3، ص198.
    104ـ انظر: المدارك، ص219.
    105ـ مختلف العلامة، ج2، ص157، 167؛ تنقيح المقداد، ص88.
    106ـ النجاشي، ص38؛ السرائر، ص99، 102، 397، 398.
    107ـ فهرست الشيخ، ص134، النجاشي، ص301، 302.
    108ـ النجاشي، ص301.
    109ـ المسائل السروية للمفيد، ص223.
    110ـ السيد حسن الصدر، تأسيس الشيعة، ص302.
    111ـ بحر العلوم، ج3، ص214؛ قاموس الرجال، ج11، ص94.
    112ـ يقضي الأنصاف الإشارة إلى الفرق الدقيق الكائن بين بعضي المباني الحقوقية في الفقه الشيعي في الأدوار الأخيرة التي يتم على أساسها الكشف عن العلة القطعية للحكم بنوع من التحليل العقلي، وبين ما يستخدمه أهل السنة عملياً بعنوان القياس، على أن إدراك هذا الفارق الدقيق ليس عملاً سهلاً. فعلى سبيل المثال، يصار من خلال الاستناد الى القاعدة الحقوقية المتمثلة ب(تنقيح المناط) وباستخدامها أحياناً بتناسب الحكم والموضوع، الى اكتشاف قاعدة كلية واسعة جداً واستنباطها من حكم خاص في مورد مخصوص. حيث صار ذلك في الوقت الحاضر من مرتكزات الفقه الشيعي وأركانه الأساسية، ينظر على عجل كمثال على ذلك: فقه الأمام جعفر الصادق لمحمد جواد مغنية، ص238، المسائل السروية للمفيد، ص223.
    113ـ المفيد، المسائل الصاغانية، ص19؛ المفيد، المسائل السروية، ص222-223؛ فهرست الشيخ، ص134؛ النجاشي، ص302،، ابن شهر آشوب، معالم العلماء، ص87 خلاصة العلامة. ص145؛ ابن داود، ص292، بحر العلوم، ج3، ص207، أبو علي، ص346، الأمين الاسترابادي. ص30، يحيى البحراني. ص306، حسين بن شهاب الدين الكركي، هدابة الاخبار، الفصل الثامن.
    114ـ انتصار المرتضى، ص238، المسائل السروية للمفيد، ص223.
    115ـ المفيد، المسائل الصاغانية، ص19، فهرست الشيخ، ص134، رجال ابن داود ص29.
    116ـ المفيد، المسائل الصاغانية، ص19، كشف القناع. ص297-298.
    117ـ النجاشي، ص301.
    118ـ المسائل السروية، ص224.
    119ـ فهرست الشيخ، ص134.
    120ـ المسائل الصاغانية، ص18-19.
    121ـ المصدر السابق. ص1ي7-22.
    122ـ المسائل السروية، ص222-224.
    123ـ النجاشي، ص312؛ المسائل السروية للمفيد، ص224,
    124ـ النجاشي، ص315.
    125ـ ينظر في ذلك، المرتضى، في: الانتصار، صفحات 77-78. 80-81
    ؛83.,237,227,217-.244,243.
    126ـ التستري، قاموس الرجال.ج11، ص94.
    127ـ السرائر، ص99.
    128ـ العلامة، إيضاح الاشتباه، ص88-89. ينظر أيضا: بحر العلوم، ج2، ص205-206؛ الذريعة ج4، ص510وج20، ص177.
    129ـ خلاصة العلامة، ص145؛ العلامة، إيضاح الاشتباه، ص89.
    130ـ المسالك، ج2، ص222.
    131ـ بحر العلوم، ج2، ص208، ص208. أيضاً: المفيد، المسائل السروية، ص222.
    132ـ المحقق الحلي، المعتبر، ص7؛ هداية الطالبين لصاحب المدارك، ص4.
    133ـ انظر بالخصوص: إقبال السيد ابن طاووس، ص6، أيضاً: كشف القناع، ص139؛ الذريعة، ج5، ص236-238.
    134ـ الأمين الاسترابادي، ص30.
    135ـ إقبال السيد ابن طاووس، ص5 نقلاً عن: لمح البرهان للشيخ المفيد نفسه. كذلك: فهرست الشيخ الطوسي، الصفحات 89-90، 134، 136، 157.
    136ـ انظر: المامقاني، تنقيح المقال، المقدمة، ص212 وج5، ص84، 240.
    137ـ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص234-235 ؛ روضة المتقين، ج2، ص451-452حيث نسب القول بذلك إلى الكليني أيضا.
    138ـ الأنوار النعمانية، ج3، ص131 وج4، ص35-40، أما من المجتهدين المتقدمين فقد كان الطبرسي صاحب(مجمع البيان)يميل الى هذا الرأي. ينظر: محمع البيان، ص181 أيضا، ج 4، ص317. كما ينظر كذلك: أبو علي، ص45، أما من المتأخرين فقد كان المجلسي الاول مترددا في هذه المسألة. ينظر: روضة المتقين، ج2، ص453.
    139ـ فهرست الشيخ، ص157.
    140ـ الحدائق، ج1، ص170.
    141ـ المسائل السروية، ص222.
    142ـ ينظر من بين ذلك الصفات: 112، 116، 118،120.أيضا، الأنوار النعمانية، ج4، ص34-35وكشكول البحراني: ج1، ص218-219.
    143ـ الدر المنثور، لعلي بن محمد العاملي المتوفى عام 1103هـ، ج1، ص100، أيضا، مارتن مكدرموث في كتابه عن الشيخ المفيد، ص41.
    144ـ الأنوار النعمانية، ج4، ص34، البحراني الكشكول، ج1، ص218-219.
    145ـ الذريعة، ج5، ص176.
    146ـ كشف القناع، ص211، التستري، رسالة في سهو النبي، ص2.أيضا: البحار، ج17، ص123، وج110، ص165،167.
    147ـ تصحيح الاعتقاد، الصفحات: 156، 160، 178، 182-183، 186، 211، 222.
    148ـ من بين ذلك، المسائل العكبرية، ص59.

    149ـ كشف القناع، ص205، 211.
    150ـ النجاشي، ص315، الذريعة، ج21، 375. 151ـ جوابات المسائل الموصلية الثالثة، ص 40 ألف.
    152ـ رسالة في الرد على أصحاب العدد، 120.

    153ـ رسالة في إبطال العمل بأخبار الآحاد، ص142. 154ـ المصدر السابق نفسه.
    155ـ النقض، ص568.

    156ـ من بين تلك المصادر، الشهرستاني، الملل والنحل، ص178.الطريف أن صاحب الحدائق الذي يعد من أخباريي المرحلة الفقهية السادسة(القرن الثاني عشر ) كان يتصور أن في القرون الأولى تعارضا بين الاتجاهين مع أنها كانت مليئة بالإخباريين والمجتهدين، انظر: الحدائق، ج1، ص169.
    157ـ الشهرستاني، الملل والنحل، ص169، 178، السيد الشريف، شرح المواقف، ص629، المحصول، الفخر الرازي نقلاً عن: كشف القناع، ص203.
    158ـ المفيد، أوائل المقالات، ص89؛ المرتضى، التبانيات، ص2.
    159ـ انظر من بين ذلك، النقض، الصفحات، 3، 178، 179، 190، 231، 235-237، 240، 272، 281، 282، 284، 415-416، 459، 481، 504، 506، 528، 569؛ العلامة، نهاية الوصول، ص200.
    160ـ النجاشي، ص95.
    161ـ المصدر السابق، ص38. 162ـ انظر مؤلفات المفيد والمرتضى. أيضا: الراواندي، فقه القرآن، ج 1، ص4، هذه النظرة تتمثل مع تلك التي كانت سائدة عند متكلمي عصر الحضور كما هو حال الفضل بن شاذان: أما الشيخ الطوسي الذي أنصار حجية أخبار الآحاد فقد صنف رسالة في الرد على الفضل بن شاذان بشأن هذه المسائل. انظر: بحر العلوم، ج3، ص232؛ الذريعة، ج 24، ص278.

    163ـ انظر كتابه، تصحيح الاعتقاد، الصفحات 179، 212، 227-229، التذكرة بأصول الفقه، 193، المسائل السروية، ص223-225، جواب مسائل أهل الحائر، ص112، 116، أيضا، السرائر، ص409، معارج المحقق، ص127. 164ـ كما هو الحال في كثير من مؤلفاته: انظر كمثال: جوابات المسائل الموصلية الثالثة، ص 40 ألف ؛ الذريعة إلى أصول الشريعة، ص528-555.

    165ـ من بين هؤلاء: أبو الصلاح الحلبي، تقريب المعارف، ص91، ابن البراج، شرح جمل العلم والعمل، ص170، 177، 256؛ الكراجكي، كنز الفوائد ص296، انظر أيضا، وجيزة البهائي، ص6، كشف القناع، ص442.
    166ـ على سبيل المثال توفر القطب الراواندي في رسالته التي تتبع فيها الاختلافات الفكرية بين المفيد والمرتضى على رصد(95) مسألة كلامية اختلف بها هذان العلمان. ثم ذكر انه إذا ما اراد استقصاء جميع موارد الاختلاف فيما بينهما لانتهى ذلك إلى تضخم حجم الكتاب. ينظر: السيد ابن طاووس، كشف المحجة، ص20.
    167ـ ينظر بحث أخبار الآحاد في كتابه: عدة الأصول، ص25-63.
    168ـ انظر: كشف القناع، ص442.
    169ـ السيد ابن طاووس، كشف المحجة، ص127 وصول الاخبار لحسين بن عبد الصمد العاملي، ص33، معالم الدين، ص179 أواخر مبحث الاجتماع، أبو القاسم بن حسن اليزدي، ج1، ص20، روضات الجنات، ج7، ص161.




    منقول
يعمل...
X