السلام عليكم ورحمه الله وبركائه
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
وادي السلام، ذاك الاسم على المسُمّى، ذاك الأمان من العذاب، وأيُّ عذاب؟ ففيه يجتمع اثنان هما السلام والأمان، سلامٌ في الحياة، وسلامٌ في الممات، وأمانٌ لمن سكنه حيّاً و لمن دُفن فيه ميّتاً، ففي أخبار آل محمّد وسلم أنه تتوافد إليه الأرواح المؤمنة، من الشرق ومن الغرب، ويجتمعون فيه حلقاً حلقاً قعوداً يتحدّثون،(1) هذا لما بعد الموت، وأمّا الآن فمع دقّات الساعة ومع حركة أميال الزمن، تنتظر أرض النجف وأهلُها ذاك الرجل الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهو الذي يتّخذ أرضها عاصمة له، فيجتمع المؤمنون فيها حينئذ من كلّ حدب وصوب، من شرق الأرض وغربها،(2) فيُردد الأحياء فيها، وكذا يُردد الأموات هتافاً عالياً، وصُراخاً يُسمع الكونين والثّقلين _ سلام على أهل السلام _ عند طلعته البهية، فَيُنصب المنبر في موضعه، وهو الموضع الذي طالما أشار إليه جدّه الإمام جعفر الصادق في بعض زياراته لأرض الغري، فنستمع منه سويّاً، ونرتوي من طلعته الغرّاء مليّاً، مُتناسين كلّ فتنة دهماء، وصمّاء ظلماء كحندس الليل، طالما سَرت على شيعته الكرام، آه ثمُ آه، حتّى متى وإلى متى يا وادي السلام؟ فمتى يرانا ونراه عليه آلاف التحيّة والثناء؟
قد قدّم آل محمّد وسلم الكثير من الأحاديث التي يحفل بها وادي السلام، وتجعله يفتخر على الكثير ممن سواه، فمن مخاطبة أمير المؤمنين لأرضه، وذلك بقوله: (ما أحسن منظرك وأطيب قعرك، اللهم اجعل قبري بها)،(3) إلى إسقاط العذاب لمن يُدفن فيه.
وجعلوا لذلك الوادي تحُفة وأيُّ تحُفة، فقد أشاروا إليها مُسبقاً قبل أن يولد المولى الأغر الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه وقبل ظهوره المبارك، وهي تنويههم بمكان موضع منبر القائم من وادي السلام، ومروره عجل الله فرجه فيه، وأوّل من أشار إلى ذلك هو أمير المؤمنين في أثناء خلافته في اُخريات سني عمره الشريف في الكوفة والتي دخلها في (12) رجب من سنة (36 هـ) وتوفي فيها في (21) شهر رمضان المبارك من سنة (40 هـ)، على ما ذكر في هذه الرواية: روي عن عليّ أنه قال: (كأنّي بالقائم قد عَبر من وادي السلام إلى مسيل السهلة،(4) على فرس محجل، له شمراخ(5) يزهر، يدعو ويقول في دعائه: (لا إله إلاّ أنت حقاً حقاً، لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً، لا إله إلا الله تعبّداً ورقّاً، اللهم معزّ كلّ مؤمن وحيد، ومذلّ كلّ جبّار عنيد، أنت كنفي حين تعييني المذاهب، وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت، اللهمّ خلقتني وكنتَ غنياً عن خلقي.
ولولا نصرك إيّاي لكنت من المغلوبين، يا منشّر الرحمة من مواضعها، ومُخرج البركات من معادنها، ويا من خصَّ نفسه بشموخ الرّفعة، فأولياؤه بعزِّه يتعزّزون، يا من وضعت لهُ الملوك نير المذلّة على أعناقها، فهم من سطوته خائفون، أسألك باسمك الذي فطرتَ به خلقك فكلٌ لك مذعنون، أسألك أن تُصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تُنجز لي أمري, وتعجّل لي في الفرج وتكفيني وتعافيني وتقضي حوائجي الساعة، الساعة، الليلة، الليلة، إنّك على كُلّ شيء قدير) ).(6)
أقول: من المعلوم، أن المقام الذي نحن بصدد البحث عن تأريخه يقع في وادي السلام، فمن المحتمل أن عبور القائم عجل الله فرجه ، المشار إليه سالفاً، وقراءته الدعاء السالف الذكر إذا ظهر عجل الله فرجه ، في وادي السلام _ على قول أمير المؤمنين _ يكون من هذا المقام الشريف الذي هو موضع منبر القائم، لما سيأتي من البحث في أن هذا المقام هو بعينه موضع منبره .
كما أن الشيخ محمّد بن جرير الطبري (الشيعي) أورد في كتابه (دلائل الامامة: 457)، حديثاً هو كالتتمة لهذا الحديث، فأحببت إيراده هنا لما فيه من تفصيل لدخول الإمام القائم عجل الله فرجه إلى النجف، وفرحة الأموات حينئذ بظهوره، قال ما نصّه: وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا عبد الله بن القاسم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله : (كأنّي بالقائم على ظهر النجف، لبس درع رسول الله وسلم تتقلّص عليه، ثمّ ينتفض بها فتستدير عليه، ثمّ يتغشى بثوب استبرق، ثمّ يركب فرساً لهُ أبلق، بين عينيه شمراخ، ينتفض به حتّى لا يبقى أهل بلد إلا أتاهم نور(6) ذلك الشمراخ، حتّى تكون آية له، ثمّ ينشر راية رسول الله وسلم ، وهي المغلبة، عمودُها من عمد عرش الله،(7) وسيرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء إلاّ أهلكته). قال: قلت: مخبئة هي أم يُؤتى بها؟ قال: (بل يأتي بها جبرئيل ، وإذا نشرها أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع الله يده على رؤوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشدّ من زُبر الحديد، واُعطي قوة أربعين رجلاً، فلا يبقى ميت يومئذ إلا دخلت عليه تلك الفرحةُ في قبره، حيث يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بخروج القائم، فيهبط مع الراية إليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر مَلَكاً). قال: قلت: كلّ هؤلاء ملائكة؟ قال: (نعم، كلهم ينتظرون قيام القائم، الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين اُلقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر، والذين كانوا مع عيسى حيث رفعه الله إليه، وألف مع النبي مسوّمين، وألف مُردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر كانوا مع النبي وسلم يوم بدر، وأربعة آلاف هبطوا إلى الأرض ليقاتلوا مع الحسين فلم يؤذن لهم، فرجعوا في الاستيمار،(8) فهبطوا وقد قُتل الحسين ، فهم شُعث غُبر عند قبره، يبكونه إلى يوم القيامة، وما بين قبر الحسين إلى السماء مختلف الملائكة).
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر الكليني في كتابه (الكافي) 3: 243، ما نصه: عن مروان بن مسلم، عن أبي عبد الله قال: قلت له: إن أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها، فقال: (ما تبالي حيثما مات، إما إنه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها، إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السلام)، قلت له: وأين وادي السلام؟ قال: (ظهر الكوفة، أما إني كأني بهم حلق حلق قعود يتحدثون).
(2) عن أبي جعفر الباقر قال: (إذا دخل القائم الكوفة، لم يبقَ مؤمن إلا وهو بها يجيء إليها). (غيبة الطوسي: 455).
(3) بحار الأنوار 42: 217.
(4) السهلة: في أرض الكوفة معروفة وسميت بالسهلة لانبساط أرضها والأراضي المجاورة لها.
(5) شمراخ: غرّة الفرس إذا دقت وسالت وجللت الغيشوم.
(6) أنظر دلائل الإمامة: 458، أورده الطبري باختلاف يسير وبسند ينتهي إلى أمير المؤمنين ؛ وكذلك العدد القوية: 75؛ وكذلك بحار الأنوار 52: 391؛ وكذلك الصحيفة المهدية: 334.
(7) في الأصل: بين.
(8) في الأصل: عودها من عهد غرس الله، وما صححناه من كتاب (بحار الأنوار).
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
وادي السلام، ذاك الاسم على المسُمّى، ذاك الأمان من العذاب، وأيُّ عذاب؟ ففيه يجتمع اثنان هما السلام والأمان، سلامٌ في الحياة، وسلامٌ في الممات، وأمانٌ لمن سكنه حيّاً و لمن دُفن فيه ميّتاً، ففي أخبار آل محمّد وسلم أنه تتوافد إليه الأرواح المؤمنة، من الشرق ومن الغرب، ويجتمعون فيه حلقاً حلقاً قعوداً يتحدّثون،(1) هذا لما بعد الموت، وأمّا الآن فمع دقّات الساعة ومع حركة أميال الزمن، تنتظر أرض النجف وأهلُها ذاك الرجل الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهو الذي يتّخذ أرضها عاصمة له، فيجتمع المؤمنون فيها حينئذ من كلّ حدب وصوب، من شرق الأرض وغربها،(2) فيُردد الأحياء فيها، وكذا يُردد الأموات هتافاً عالياً، وصُراخاً يُسمع الكونين والثّقلين _ سلام على أهل السلام _ عند طلعته البهية، فَيُنصب المنبر في موضعه، وهو الموضع الذي طالما أشار إليه جدّه الإمام جعفر الصادق في بعض زياراته لأرض الغري، فنستمع منه سويّاً، ونرتوي من طلعته الغرّاء مليّاً، مُتناسين كلّ فتنة دهماء، وصمّاء ظلماء كحندس الليل، طالما سَرت على شيعته الكرام، آه ثمُ آه، حتّى متى وإلى متى يا وادي السلام؟ فمتى يرانا ونراه عليه آلاف التحيّة والثناء؟
قد قدّم آل محمّد وسلم الكثير من الأحاديث التي يحفل بها وادي السلام، وتجعله يفتخر على الكثير ممن سواه، فمن مخاطبة أمير المؤمنين لأرضه، وذلك بقوله: (ما أحسن منظرك وأطيب قعرك، اللهم اجعل قبري بها)،(3) إلى إسقاط العذاب لمن يُدفن فيه.
وجعلوا لذلك الوادي تحُفة وأيُّ تحُفة، فقد أشاروا إليها مُسبقاً قبل أن يولد المولى الأغر الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه وقبل ظهوره المبارك، وهي تنويههم بمكان موضع منبر القائم من وادي السلام، ومروره عجل الله فرجه فيه، وأوّل من أشار إلى ذلك هو أمير المؤمنين في أثناء خلافته في اُخريات سني عمره الشريف في الكوفة والتي دخلها في (12) رجب من سنة (36 هـ) وتوفي فيها في (21) شهر رمضان المبارك من سنة (40 هـ)، على ما ذكر في هذه الرواية: روي عن عليّ أنه قال: (كأنّي بالقائم قد عَبر من وادي السلام إلى مسيل السهلة،(4) على فرس محجل، له شمراخ(5) يزهر، يدعو ويقول في دعائه: (لا إله إلاّ أنت حقاً حقاً، لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً، لا إله إلا الله تعبّداً ورقّاً، اللهم معزّ كلّ مؤمن وحيد، ومذلّ كلّ جبّار عنيد، أنت كنفي حين تعييني المذاهب، وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت، اللهمّ خلقتني وكنتَ غنياً عن خلقي.
ولولا نصرك إيّاي لكنت من المغلوبين، يا منشّر الرحمة من مواضعها، ومُخرج البركات من معادنها، ويا من خصَّ نفسه بشموخ الرّفعة، فأولياؤه بعزِّه يتعزّزون، يا من وضعت لهُ الملوك نير المذلّة على أعناقها، فهم من سطوته خائفون، أسألك باسمك الذي فطرتَ به خلقك فكلٌ لك مذعنون، أسألك أن تُصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تُنجز لي أمري, وتعجّل لي في الفرج وتكفيني وتعافيني وتقضي حوائجي الساعة، الساعة، الليلة، الليلة، إنّك على كُلّ شيء قدير) ).(6)
أقول: من المعلوم، أن المقام الذي نحن بصدد البحث عن تأريخه يقع في وادي السلام، فمن المحتمل أن عبور القائم عجل الله فرجه ، المشار إليه سالفاً، وقراءته الدعاء السالف الذكر إذا ظهر عجل الله فرجه ، في وادي السلام _ على قول أمير المؤمنين _ يكون من هذا المقام الشريف الذي هو موضع منبر القائم، لما سيأتي من البحث في أن هذا المقام هو بعينه موضع منبره .
كما أن الشيخ محمّد بن جرير الطبري (الشيعي) أورد في كتابه (دلائل الامامة: 457)، حديثاً هو كالتتمة لهذا الحديث، فأحببت إيراده هنا لما فيه من تفصيل لدخول الإمام القائم عجل الله فرجه إلى النجف، وفرحة الأموات حينئذ بظهوره، قال ما نصّه: وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الحميري، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا عبد الله بن القاسم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله : (كأنّي بالقائم على ظهر النجف، لبس درع رسول الله وسلم تتقلّص عليه، ثمّ ينتفض بها فتستدير عليه، ثمّ يتغشى بثوب استبرق، ثمّ يركب فرساً لهُ أبلق، بين عينيه شمراخ، ينتفض به حتّى لا يبقى أهل بلد إلا أتاهم نور(6) ذلك الشمراخ، حتّى تكون آية له، ثمّ ينشر راية رسول الله وسلم ، وهي المغلبة، عمودُها من عمد عرش الله،(7) وسيرها من نصر الله، لا يهوي بها إلى شيء إلاّ أهلكته). قال: قلت: مخبئة هي أم يُؤتى بها؟ قال: (بل يأتي بها جبرئيل ، وإذا نشرها أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع الله يده على رؤوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشدّ من زُبر الحديد، واُعطي قوة أربعين رجلاً، فلا يبقى ميت يومئذ إلا دخلت عليه تلك الفرحةُ في قبره، حيث يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بخروج القائم، فيهبط مع الراية إليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر مَلَكاً). قال: قلت: كلّ هؤلاء ملائكة؟ قال: (نعم، كلهم ينتظرون قيام القائم، الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين اُلقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر، والذين كانوا مع عيسى حيث رفعه الله إليه، وألف مع النبي مسوّمين، وألف مُردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر كانوا مع النبي وسلم يوم بدر، وأربعة آلاف هبطوا إلى الأرض ليقاتلوا مع الحسين فلم يؤذن لهم، فرجعوا في الاستيمار،(8) فهبطوا وقد قُتل الحسين ، فهم شُعث غُبر عند قبره، يبكونه إلى يوم القيامة، وما بين قبر الحسين إلى السماء مختلف الملائكة).
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر الكليني في كتابه (الكافي) 3: 243، ما نصه: عن مروان بن مسلم، عن أبي عبد الله قال: قلت له: إن أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها، فقال: (ما تبالي حيثما مات، إما إنه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها، إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السلام)، قلت له: وأين وادي السلام؟ قال: (ظهر الكوفة، أما إني كأني بهم حلق حلق قعود يتحدثون).
(2) عن أبي جعفر الباقر قال: (إذا دخل القائم الكوفة، لم يبقَ مؤمن إلا وهو بها يجيء إليها). (غيبة الطوسي: 455).
(3) بحار الأنوار 42: 217.
(4) السهلة: في أرض الكوفة معروفة وسميت بالسهلة لانبساط أرضها والأراضي المجاورة لها.
(5) شمراخ: غرّة الفرس إذا دقت وسالت وجللت الغيشوم.
(6) أنظر دلائل الإمامة: 458، أورده الطبري باختلاف يسير وبسند ينتهي إلى أمير المؤمنين ؛ وكذلك العدد القوية: 75؛ وكذلك بحار الأنوار 52: 391؛ وكذلك الصحيفة المهدية: 334.
(7) في الأصل: بين.
(8) في الأصل: عودها من عهد غرس الله، وما صححناه من كتاب (بحار الأنوار).
تعليق