نص أبيه عليه بالإمامة وشهادة المقطوع بصدقهم بإمامته
والضرب الثاني من النص، نص أبيه عليه بالإمامة، وشهادة المقطوع بصدقهم بإمامته. فأما النص من أبيه: فما روي من عدة طرق، عن محمد بن علي بن بلال قال: خرج إلي من أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده. ورووا عن عدة طرق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد عليه السلام: جلالتك تمنعني. عن مسألتك، فتأذن إلي أن أسألك، فقال: سل، فقلت: يا سيدي هل لك ولد؟ قال: نعم، قلت: فإن حدث أمر فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة. ورووا من عدة طرق، عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال: خرج من أبي محمد عليه السلام حين قتل الزبير ( ي ): هذا جزاء من اجترى على الله تعالى في أوليائه، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب، كيف رأى قدرة الله فيه؟ قال: ولد له ولد سماه باسم رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك في سنة ست وخمسين ومائتين. ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفر ( ي ) قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: الخلف من بعدي الحسن عليه السلام، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولا جعلت فداك؟ قال: لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: كيف نذكره؟ فقال: قولوا الحجة من آل محمد عليهم السلام. ورووا عن عمرو الأهوازي قال: أراني أبو محمد عليه السلام ابنه عليه السلام، فقال: هذا صاحبكم بعدي. ورووا عن نصر بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سماه قال: أتيت سر من رأى ولزمت باب أبي محمد عليه السلام، فدعاني، فدخلت عليه وسلمت، فقال: ما الذي أقدمك؟ قال: قلت: رغبة في خدمتك، قال: فقال لي: الزم الدار، قال: فكنت مع الخدم في الدار، ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل من غير إذن إذا كان في الدار رجال. قال: فدخلت عليه يوما وهو في دار الرجال، فسمعت حركة في البيت، فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت علي جارية معها شئ مغطى، ثم ناداني: أدخل، فدخلت، فنادى الجارية، فرجعت فدخلت إليه، فقال لها: اكشفي عما معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، فكشف أبو محمد عليه السلام عن بطنه، فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثم أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد عليه السلام. في أمثال لهذه النصوص. وأما شهادة المقطوع بصدقهم، فعلوم للأكل سامع لأخبار الشيعة تعديل أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام جماعة من أصحابه، وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم، والأمناء على قبض الأخماس والأنفال، وشهادته بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدونه عنه إلى شيعته. وأن هذه الجماعة شهدت بمولد الحجة بن الحسن عليه السلام، وأخبرت بالنص عليه من أبيه عليهما السلام، وقطعت بإمامته، وكونه الحجة المأمول للانتصار من الظالمين. فكان ذلك منهم نائبا مناب نص أبيه عليه السلام لو كان مفقودا، إذ لا فرق في ثبوت الحكم بين أن ينص عليه حجة معلوم العصمة لكونه نبيا أو إماما، وبين أن ينص عليه منصوص على صدقه بقول في أو إمام. والجماعة المذكورة: أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري، ومحمد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمان، وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنهم، وعمرو الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمد الوجنائي، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمد ابن إبراهيم.
نص آبائه عليه بغيبته وصفتها
وأما الضرب الثالث من النص، فهو ما ورد عن آبائه صلوات الله عليهم من النبي وأمير المؤمنين إلى ابنه الحسن بن علي عليهم السلام: بغيبة الحجة قبل وجوده، وصفتها قبل مولده، ووقوع ذلك مطابقا للخبر، من غير أن ينخرم منه شئ. وهذا الضرب من النص دال على إمامته، وكونه المهدي المأمول إهلاك الظالمين، لثبوت النص بغيبته القصرى والطولى المختصة به، ومطابقتها للخبر عنها. فمن ذلك ما رواه الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الخارقي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: لقائم آل محمد عليه السلام غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الأخرى، ثم لا يكون ذلك - يعني ظهوره - حتى يختلف ولد فلان وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل يلجأون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله. وروي عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: يفسد الناس ثم يصلحها الله بعد أمن ولدي، خامل الذكر، لا أقول خاملا في حسنه ولا موضعه، ولكن في حداثة سنه، ويكون ابتداء أمره باليمن. ورووا عن الأصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما لي أراك مفكرا تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟ قال: والله ما رغبت في الدنيا قط، ولكني في مولود يكون من ظهري الحادي عشر بعدي، وهو المهدي الذي يملأها عدلا وقسطا كما ملأت جورا وظلما، يكون له حيرة وغيبة تضل بها أقوام، ويهتدي بها آخرون، قلت: يا أمير المؤمنين: إن هذا لكائن؟ قال: نعم كما إنه مختوم. ورووا عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولم؟ قال: يخاف، وأوما بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك الناس في ولادته، فنهم من يقول: مات أبوه ولا خلف له، ومنهم من يقول: مات أبوه وهو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب قد ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر عليه السلام، غير أن الله يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون. ورووا عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه أرضى ما يكون عنه، وأرضى ما يكون عنه إذا افتقد حجة الله سبحانه فلم يظهر له ولم يعلم مكانه وهو في ذلك يعلم أنه لم تبطل حجة الله تعالى وبيناته، فعندها توقعوا الفرج، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما غيبه عنهم طرفة عين، ولا تكون الغيبة إلا على رؤوس شرار الناس. ورووا عن حنان بن سدير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن في القائم سنة من يوسف عليهما السلام، قلت: كأنك تذكر حيرة أو غيبة؟ قال: وما تنكر ذلك من هذه الأمة أشباه الخنازير، إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء، فتاجروا يوسف وبايعوه، فدخلوا عليه وهم إخوته فلم يعرفوه حتى قال لهم: أنا يوسف، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون الله تعالى يريد أن يستر حجته في وقت من الأوقات، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد الله أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله لحجته عليه السلام ما فعل بيوسف عليه السلام، فيكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله سبحانه أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف عليه السلام، فقالوا له: أنت يوسف؟ قال: أنا يوسف. ورووا عن فرات بن أحنف رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: ذكر القائم من ولده فقال: ليغيبن حتى يقول الجاهل مالله في آل محمد عليه السلام حاجة. ورووا عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أما والله ليغيبن القائم عنكم سنينا من دهركم حتى يقال: مات أو قتل بأي واد سلك، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين، ولتمحصن ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر. ورووا عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد. ورووا عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: في صاحب الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع أنبياء الله ورسله، فأما موسى عليه السلام فخائف يترقب، وأما عيسى عليه السلام فيقال: مات ولم يمت، وأما يوسف عليه السلام فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفونه، وأما محمد رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف. ورووا عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بد ( ل ) صاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة. ورووا عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الأولى يعلم مكانه خاصة لأوليائه. ورووا عن أيوب بن نوح قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك، فقال: ما منا أحد اختلفت إليه الكتب وأشير إليه بالأصابع وسئل عن المسائل وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاما منا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه. ورووا عن عبد الله بن عطاء، ( عن أبي جعفر ) قال: قلت له: إن شيعتك بالعراق كثيرة فوالله ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟ فقال: يا عبد لله بن عطاء، قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى، أي والله ما أنا بصاحبكم، قلت له: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من عمى على الناس أمر ولادته فذلك صاحبكم، إنه ليس منا أحد يشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلا مات غيظا أو رغم أنفه. ورووا عن يمان التمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كخارط القتاد بيده، ثم قال: هكذا بيده، فأيك يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه. ورووا عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم يراهم ولا يرونه. ورووا عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام قال: والله لا ينوه باسم رجل منا فيكون صاحب هذا الأمر حتى يأتي الله سبحانه به من حيث لا يعلم الناس. ورووا عن علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفرج؟ فقال: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج. ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول: الخلف من بعدي الحسن عليه السلام، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟، فقلت: ولم؟ قال: لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه. في أمثال لهذه الروايات الدالة على تخصص للإمامة بعد الحسن عليه السلام وإلى الآن بالحجة بن الحسن عليهما السلام.
ظهور معجزاته على أيدي سفرائه
ومما يدل على إمامته ظهور الأعلام على أيدي سفرائه: فمن ذلك ما رووه عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال: شككت بعد مضي أبي محمد عليه السلام، فاجتمع عند أبي مال جزيل، فحمله وركب في السفينة، فخرجت معه مشيعا، فوعك وعكا شديدا، فقال: يا بني ردني فهو الموت، وقال لي: اتق الله في هذا المال وأوصى إلي ومات، فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشئ غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق فأكتري دارا على الشط، فلا أخبر أحدا بشئ، فإن وضح لي شئ كوضوحه أيام أبي محمد عليه السلام أنفذته، وإلا أنفقته، فقدمت العراق، واكتريت دارا على الشط، وبقيت أياما، فإذا أنا برقعة مع رسول فيها: يا محمد معك كذا وكذا، حتى نص جميع ما معي مما لم أحط به علماء، فسلمت المال إلى الرسول وبقيت أياما لا يرفع بي رأس، فاغتممت، فخرج إلي: قد أقمناك مكان أبيك، فأحمد الله. ورروا عن أبي عبد الله الشيباني قال: أوصلت أشياء للمرزباني، وكان فيها سوار ذهب، فقبلت ورد علي السوار، فأمرت بكسره فكسر، فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، وأخرجت ذلك منه، وأنفذت الذهب فقبل. ورووا عن علي بن محمد قال: أوصل رجل من أهل السواد مالا فرد عليه، وقيل له: أخرج حن بني عمك منه، وهو أربعمائة درهم، وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمه فيها شركة قد حبسها عليهم، فنظر، فإذا لولد عمه في ذلك المال أربعمائة درهم، فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل. ورووا عن القاسم بن العلاء قال: ولد لي عدة بنين، فكنت أكتب وأسأل الدعاء، فلا يكتب إلي بشئ، فاتوا كلهم، فلما ولد لي الحسن ابني كتبت أسال الدعاء فأجبت، فبقي والحمد لله. ورووا عن علي بن الحسين اليماني قال: كنت ببغداد، فاتفقت قافلة اليمانيين، فأردت الخروج معهم، فكتبت ألتمس الإذن في ذلك، فخرج: لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرة، وأقم بالكوفة، قال: فأقمت، وخرجت القافلة، فخرج عليهم حنظلة فاجتاحتهم. قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء، فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت في تلك السنة في البحر، فما سلم منها مركب، خرج عليها قوم يقال لهم البوارح فقطعوا عليها. ورووا عن الحسن بن الفضل بن يزيد الهمداني قال: كتب أبي بخطه كتابا فورد جوابه، ثم كتب بخطي فورد جوابه، ثم كتب بخط رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرت فإذا العلة في ذلك أن الرجل تحول بين ذلك قرمطيا. ورووا عن الحسن بن الفضل قال: وردت العراق وزرت طوس، وعزمت أن لا أخرج إلا عن بينة من أمري ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن أقيم بها حتى أتصدق، قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، وأخاف أن يفوتني الحج، قال: فجئت يوما إلى محمد بن أحمد أتقاضاه، فقال لي: صر إلى مسجد كذا وكذا فإنه يلقاك رجل، قال: فصرت إليه، فدخل علي رجل، فلما نظر إلي ضحك وقال: لا تغتم فإنك ستحج في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما، فاطمأنت نفسي وسكن قلبي، فقلت: أرى مصداق ذلك إن شاء الله. قال ثم وردت العسكر فخرجت إلي صرة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جزائي عند القوم هذا، واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة، ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي: كفرت بردي على مولاي عليه السلام، ثم كتبت رقعة أخرى أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر من ذلك وأنفذتها، وقمت أتطهر للصلاة وأنا في ذلك أفكر في نفسي وأقول: إن ردت علي الدنانير لم أحلل صرارها ولم أحدث فيها حدثا حتى أحملها إلى أبي فإنه أعلم مني فيعمل فيها بما يشاء، فخرج إلي الرسول الذي حمل إلي الصرة وقيل له: أسأت إذ لم تعلم الرجل أنا ربما فعلنا ذلك بموالينا من غير مسألة ليتبركوا به، وخرج إلي: أخطات في ردك برنا، فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك، فأما إذا كانت عزيمتك وعقد نيتك ألا تحدث فيها حدثا ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، فأما الثوب فلا بد منه لتحرم فيه. قال: وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في الثالث فامتنعت منه مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويت مفسرا والحمد لله. ورووا عن الحسن بن عبد الحميد قال: شككت في أمر حاجز بن يزيد، فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر، فخرج إلي: ليس فينا شك ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا قادرين، فاردد ما معك إلى حاجز بن يزيد. ورووا عن بدر غلام أحمد بن الحسن قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أحبهم جملة، إلى أن مات يزيد بن عبد الله فأوصى في علته أن يعطي الشهري السمند وسيفه ومنطقته إلى مولاه، فخفت إن أنا لم أدفع الشهري إلى إذكوتكين نالني منه استخفاف، فقومت الدابة والسيف والمنطقة بسبع مائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحدا، فإذا الكتاب قد ورد علي من العراق: أن وجه السبع مائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة. ورووا عن أبي محمد الحسن بن عيسى العريضي قال: لما مضى أبو محمد عليه السلام ورد رجل من مصر بمال إلى مكة للناحية، فاختلف عليه، فقال بعض الناس: إن أبا محمد عليه السلام مضى من غير ولد والخلف من بعده جعفر، وقال بعضهم: مضى أبو محمد عليه السلام عن ولد هو خلفه، فبعث رجلا يكنى أبا طالب، فورد العسكر ومعه كتاب، فصار إلى جعفر، فسأله عن برهان، فقال: لا يتهيأ في هذا الوقت، فصار إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا، فخرج إليه: آجرك الله في صاحبك فقد مات، وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة ليعمل فيه بما يحب، وأجيب عن كتابه. ورووا عن الحسن بن خفيف، عن أبيه قال: بعث حرم إلى المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ومعهم خادمان، فكتب إلى خفيف أن أخرج معهم، فلما وصلوا إلى الكوفة شرب أحد الخادمين مسكرا، فاخرجوا من الكوفة حتى ورد كتاب من العسكر: برد الخادم الذي شرب المسكر وعزله عن الخدمة. ورووا عن محمد بن شاذان النيسابوري قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص منه عشرون درهما، فأنفت أن أبعث بها ناقصة، فوزنت من عندي عشرين درهما وبعثت بها إلى الأسدي ولم أكتب مالي فيها، فورد: وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهما. ورووا عن الحسن بن محمد الأشعري قال: كان يرد إلي كتاب أبي محمد عليه السلام في الاجراء على الجنيد قاتل فارس وأبي الحسن، فلما مضى أبو محمد عليه السلام ورد استيناف من الصاحب عليه السلام بالاجراء على أبي الحسن وصاحبيه، ولا يرد في أمر الجنيد شئ، فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك، فإذا قطع جاريه إنما كان لوفاته. ورووا عن عيسى بن نصر قال: كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفنا، فكتب إليه: إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين، وبعث إليه الكفن قبل موته ( بأيام ). ورووا عن محمد بن هارون بن عمران الهمداني قال: كان للناحية علي خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعا، ثم قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة، ولا والله ما نطقت بذلك، فكتب إلي محمد بن جعفر: إقبض الحوانيت من محد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عنده. ورووا أن قوما وشوا إلى عبيد الله بن سليمان الوزير بوكلاء النواحي وقالوا: الأموال تجبى إليهم وسموا له جميعهم، فهم بالقبض عليهم، فخرج الأمر من السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل فإن هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على من ذكر أنه من الوكلاء، فقيل له: لا ولكن دسوا إليهم قوما لا يعرفون بالأموال فمن قبض منهم شيئا قبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشئ حتى خرج إليهم: ألا تأخذوا من أحد شيئا، وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، فاندس لمحمد ابن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به، فقال: معي مال أريد أن أصله، فقال له محمد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئا، فلم يزل يتلطف به ومحمد يتجاهل عليه، وبثوا الجواسيس، فامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم، ولم يظفر بأحد منهم، وظهرت بعد ذلك الحيلة عليهم وأنها لم تتم. ورووا عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد قال: خرج النهي عن زيارة مقابر قريش والحائر على ساكنيها السلام، ولم يعرف السبب، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطاني وقال له: إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزورون مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليهم. في أمثال لهذه الروايات، إيراد جميعها يخرج عن الغرض، وفي بعض ما ذكرناه كفاية.
والضرب الثاني من النص، نص أبيه عليه بالإمامة، وشهادة المقطوع بصدقهم بإمامته. فأما النص من أبيه: فما روي من عدة طرق، عن محمد بن علي بن بلال قال: خرج إلي من أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده. ورووا عن عدة طرق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد عليه السلام: جلالتك تمنعني. عن مسألتك، فتأذن إلي أن أسألك، فقال: سل، فقلت: يا سيدي هل لك ولد؟ قال: نعم، قلت: فإن حدث أمر فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة. ورووا من عدة طرق، عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال: خرج من أبي محمد عليه السلام حين قتل الزبير ( ي ): هذا جزاء من اجترى على الله تعالى في أوليائه، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب، كيف رأى قدرة الله فيه؟ قال: ولد له ولد سماه باسم رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك في سنة ست وخمسين ومائتين. ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفر ( ي ) قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: الخلف من بعدي الحسن عليه السلام، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولا جعلت فداك؟ قال: لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: كيف نذكره؟ فقال: قولوا الحجة من آل محمد عليهم السلام. ورووا عن عمرو الأهوازي قال: أراني أبو محمد عليه السلام ابنه عليه السلام، فقال: هذا صاحبكم بعدي. ورووا عن نصر بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سماه قال: أتيت سر من رأى ولزمت باب أبي محمد عليه السلام، فدعاني، فدخلت عليه وسلمت، فقال: ما الذي أقدمك؟ قال: قلت: رغبة في خدمتك، قال: فقال لي: الزم الدار، قال: فكنت مع الخدم في الدار، ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل من غير إذن إذا كان في الدار رجال. قال: فدخلت عليه يوما وهو في دار الرجال، فسمعت حركة في البيت، فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت علي جارية معها شئ مغطى، ثم ناداني: أدخل، فدخلت، فنادى الجارية، فرجعت فدخلت إليه، فقال لها: اكشفي عما معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، فكشف أبو محمد عليه السلام عن بطنه، فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثم أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد عليه السلام. في أمثال لهذه النصوص. وأما شهادة المقطوع بصدقهم، فعلوم للأكل سامع لأخبار الشيعة تعديل أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام جماعة من أصحابه، وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم، والأمناء على قبض الأخماس والأنفال، وشهادته بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدونه عنه إلى شيعته. وأن هذه الجماعة شهدت بمولد الحجة بن الحسن عليه السلام، وأخبرت بالنص عليه من أبيه عليهما السلام، وقطعت بإمامته، وكونه الحجة المأمول للانتصار من الظالمين. فكان ذلك منهم نائبا مناب نص أبيه عليه السلام لو كان مفقودا، إذ لا فرق في ثبوت الحكم بين أن ينص عليه حجة معلوم العصمة لكونه نبيا أو إماما، وبين أن ينص عليه منصوص على صدقه بقول في أو إمام. والجماعة المذكورة: أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري، ومحمد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمان، وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنهم، وعمرو الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمد الوجنائي، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمد ابن إبراهيم.
نص آبائه عليه بغيبته وصفتها
وأما الضرب الثالث من النص، فهو ما ورد عن آبائه صلوات الله عليهم من النبي وأمير المؤمنين إلى ابنه الحسن بن علي عليهم السلام: بغيبة الحجة قبل وجوده، وصفتها قبل مولده، ووقوع ذلك مطابقا للخبر، من غير أن ينخرم منه شئ. وهذا الضرب من النص دال على إمامته، وكونه المهدي المأمول إهلاك الظالمين، لثبوت النص بغيبته القصرى والطولى المختصة به، ومطابقتها للخبر عنها. فمن ذلك ما رواه الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الخارقي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: لقائم آل محمد عليه السلام غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الأخرى، ثم لا يكون ذلك - يعني ظهوره - حتى يختلف ولد فلان وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل يلجأون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله. وروي عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: يفسد الناس ثم يصلحها الله بعد أمن ولدي، خامل الذكر، لا أقول خاملا في حسنه ولا موضعه، ولكن في حداثة سنه، ويكون ابتداء أمره باليمن. ورووا عن الأصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما لي أراك مفكرا تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟ قال: والله ما رغبت في الدنيا قط، ولكني في مولود يكون من ظهري الحادي عشر بعدي، وهو المهدي الذي يملأها عدلا وقسطا كما ملأت جورا وظلما، يكون له حيرة وغيبة تضل بها أقوام، ويهتدي بها آخرون، قلت: يا أمير المؤمنين: إن هذا لكائن؟ قال: نعم كما إنه مختوم. ورووا عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولم؟ قال: يخاف، وأوما بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك الناس في ولادته، فنهم من يقول: مات أبوه ولا خلف له، ومنهم من يقول: مات أبوه وهو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب قد ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر عليه السلام، غير أن الله يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون. ورووا عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه أرضى ما يكون عنه، وأرضى ما يكون عنه إذا افتقد حجة الله سبحانه فلم يظهر له ولم يعلم مكانه وهو في ذلك يعلم أنه لم تبطل حجة الله تعالى وبيناته، فعندها توقعوا الفرج، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما غيبه عنهم طرفة عين، ولا تكون الغيبة إلا على رؤوس شرار الناس. ورووا عن حنان بن سدير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن في القائم سنة من يوسف عليهما السلام، قلت: كأنك تذكر حيرة أو غيبة؟ قال: وما تنكر ذلك من هذه الأمة أشباه الخنازير، إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء، فتاجروا يوسف وبايعوه، فدخلوا عليه وهم إخوته فلم يعرفوه حتى قال لهم: أنا يوسف، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون الله تعالى يريد أن يستر حجته في وقت من الأوقات، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد الله أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله لحجته عليه السلام ما فعل بيوسف عليه السلام، فيكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله سبحانه أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف عليه السلام، فقالوا له: أنت يوسف؟ قال: أنا يوسف. ورووا عن فرات بن أحنف رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: ذكر القائم من ولده فقال: ليغيبن حتى يقول الجاهل مالله في آل محمد عليه السلام حاجة. ورووا عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أما والله ليغيبن القائم عنكم سنينا من دهركم حتى يقال: مات أو قتل بأي واد سلك، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين، ولتمحصن ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر. ورووا عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد. ورووا عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: في صاحب الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع أنبياء الله ورسله، فأما موسى عليه السلام فخائف يترقب، وأما عيسى عليه السلام فيقال: مات ولم يمت، وأما يوسف عليه السلام فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفونه، وأما محمد رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف. ورووا عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بد ( ل ) صاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة. ورووا عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الأولى يعلم مكانه خاصة لأوليائه. ورووا عن أيوب بن نوح قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك، فقال: ما منا أحد اختلفت إليه الكتب وأشير إليه بالأصابع وسئل عن المسائل وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاما منا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه. ورووا عن عبد الله بن عطاء، ( عن أبي جعفر ) قال: قلت له: إن شيعتك بالعراق كثيرة فوالله ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟ فقال: يا عبد لله بن عطاء، قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى، أي والله ما أنا بصاحبكم، قلت له: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من عمى على الناس أمر ولادته فذلك صاحبكم، إنه ليس منا أحد يشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلا مات غيظا أو رغم أنفه. ورووا عن يمان التمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كخارط القتاد بيده، ثم قال: هكذا بيده، فأيك يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه. ورووا عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم يراهم ولا يرونه. ورووا عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام قال: والله لا ينوه باسم رجل منا فيكون صاحب هذا الأمر حتى يأتي الله سبحانه به من حيث لا يعلم الناس. ورووا عن علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفرج؟ فقال: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج. ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول: الخلف من بعدي الحسن عليه السلام، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟، فقلت: ولم؟ قال: لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه. في أمثال لهذه الروايات الدالة على تخصص للإمامة بعد الحسن عليه السلام وإلى الآن بالحجة بن الحسن عليهما السلام.
ظهور معجزاته على أيدي سفرائه
ومما يدل على إمامته ظهور الأعلام على أيدي سفرائه: فمن ذلك ما رووه عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال: شككت بعد مضي أبي محمد عليه السلام، فاجتمع عند أبي مال جزيل، فحمله وركب في السفينة، فخرجت معه مشيعا، فوعك وعكا شديدا، فقال: يا بني ردني فهو الموت، وقال لي: اتق الله في هذا المال وأوصى إلي ومات، فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشئ غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق فأكتري دارا على الشط، فلا أخبر أحدا بشئ، فإن وضح لي شئ كوضوحه أيام أبي محمد عليه السلام أنفذته، وإلا أنفقته، فقدمت العراق، واكتريت دارا على الشط، وبقيت أياما، فإذا أنا برقعة مع رسول فيها: يا محمد معك كذا وكذا، حتى نص جميع ما معي مما لم أحط به علماء، فسلمت المال إلى الرسول وبقيت أياما لا يرفع بي رأس، فاغتممت، فخرج إلي: قد أقمناك مكان أبيك، فأحمد الله. ورروا عن أبي عبد الله الشيباني قال: أوصلت أشياء للمرزباني، وكان فيها سوار ذهب، فقبلت ورد علي السوار، فأمرت بكسره فكسر، فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، وأخرجت ذلك منه، وأنفذت الذهب فقبل. ورووا عن علي بن محمد قال: أوصل رجل من أهل السواد مالا فرد عليه، وقيل له: أخرج حن بني عمك منه، وهو أربعمائة درهم، وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمه فيها شركة قد حبسها عليهم، فنظر، فإذا لولد عمه في ذلك المال أربعمائة درهم، فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل. ورووا عن القاسم بن العلاء قال: ولد لي عدة بنين، فكنت أكتب وأسأل الدعاء، فلا يكتب إلي بشئ، فاتوا كلهم، فلما ولد لي الحسن ابني كتبت أسال الدعاء فأجبت، فبقي والحمد لله. ورووا عن علي بن الحسين اليماني قال: كنت ببغداد، فاتفقت قافلة اليمانيين، فأردت الخروج معهم، فكتبت ألتمس الإذن في ذلك، فخرج: لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرة، وأقم بالكوفة، قال: فأقمت، وخرجت القافلة، فخرج عليهم حنظلة فاجتاحتهم. قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء، فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت في تلك السنة في البحر، فما سلم منها مركب، خرج عليها قوم يقال لهم البوارح فقطعوا عليها. ورووا عن الحسن بن الفضل بن يزيد الهمداني قال: كتب أبي بخطه كتابا فورد جوابه، ثم كتب بخطي فورد جوابه، ثم كتب بخط رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرت فإذا العلة في ذلك أن الرجل تحول بين ذلك قرمطيا. ورووا عن الحسن بن الفضل قال: وردت العراق وزرت طوس، وعزمت أن لا أخرج إلا عن بينة من أمري ونجاح من حوائجي، ولو احتجت أن أقيم بها حتى أتصدق، قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، وأخاف أن يفوتني الحج، قال: فجئت يوما إلى محمد بن أحمد أتقاضاه، فقال لي: صر إلى مسجد كذا وكذا فإنه يلقاك رجل، قال: فصرت إليه، فدخل علي رجل، فلما نظر إلي ضحك وقال: لا تغتم فإنك ستحج في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما، فاطمأنت نفسي وسكن قلبي، فقلت: أرى مصداق ذلك إن شاء الله. قال ثم وردت العسكر فخرجت إلي صرة فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي: جزائي عند القوم هذا، واستعملت الجهل فرددتها وكتبت رقعة، ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي: كفرت بردي على مولاي عليه السلام، ثم كتبت رقعة أخرى أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم وأستغفر من ذلك وأنفذتها، وقمت أتطهر للصلاة وأنا في ذلك أفكر في نفسي وأقول: إن ردت علي الدنانير لم أحلل صرارها ولم أحدث فيها حدثا حتى أحملها إلى أبي فإنه أعلم مني فيعمل فيها بما يشاء، فخرج إلي الرسول الذي حمل إلي الصرة وقيل له: أسأت إذ لم تعلم الرجل أنا ربما فعلنا ذلك بموالينا من غير مسألة ليتبركوا به، وخرج إلي: أخطات في ردك برنا، فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك، فأما إذا كانت عزيمتك وعقد نيتك ألا تحدث فيها حدثا ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك، فأما الثوب فلا بد منه لتحرم فيه. قال: وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في الثالث فامتنعت منه مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويت مفسرا والحمد لله. ورووا عن الحسن بن عبد الحميد قال: شككت في أمر حاجز بن يزيد، فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر، فخرج إلي: ليس فينا شك ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا قادرين، فاردد ما معك إلى حاجز بن يزيد. ورووا عن بدر غلام أحمد بن الحسن قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أحبهم جملة، إلى أن مات يزيد بن عبد الله فأوصى في علته أن يعطي الشهري السمند وسيفه ومنطقته إلى مولاه، فخفت إن أنا لم أدفع الشهري إلى إذكوتكين نالني منه استخفاف، فقومت الدابة والسيف والمنطقة بسبع مائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحدا، فإذا الكتاب قد ورد علي من العراق: أن وجه السبع مائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنطقة. ورووا عن أبي محمد الحسن بن عيسى العريضي قال: لما مضى أبو محمد عليه السلام ورد رجل من مصر بمال إلى مكة للناحية، فاختلف عليه، فقال بعض الناس: إن أبا محمد عليه السلام مضى من غير ولد والخلف من بعده جعفر، وقال بعضهم: مضى أبو محمد عليه السلام عن ولد هو خلفه، فبعث رجلا يكنى أبا طالب، فورد العسكر ومعه كتاب، فصار إلى جعفر، فسأله عن برهان، فقال: لا يتهيأ في هذا الوقت، فصار إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا، فخرج إليه: آجرك الله في صاحبك فقد مات، وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة ليعمل فيه بما يحب، وأجيب عن كتابه. ورووا عن الحسن بن خفيف، عن أبيه قال: بعث حرم إلى المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ومعهم خادمان، فكتب إلى خفيف أن أخرج معهم، فلما وصلوا إلى الكوفة شرب أحد الخادمين مسكرا، فاخرجوا من الكوفة حتى ورد كتاب من العسكر: برد الخادم الذي شرب المسكر وعزله عن الخدمة. ورووا عن محمد بن شاذان النيسابوري قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص منه عشرون درهما، فأنفت أن أبعث بها ناقصة، فوزنت من عندي عشرين درهما وبعثت بها إلى الأسدي ولم أكتب مالي فيها، فورد: وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهما. ورووا عن الحسن بن محمد الأشعري قال: كان يرد إلي كتاب أبي محمد عليه السلام في الاجراء على الجنيد قاتل فارس وأبي الحسن، فلما مضى أبو محمد عليه السلام ورد استيناف من الصاحب عليه السلام بالاجراء على أبي الحسن وصاحبيه، ولا يرد في أمر الجنيد شئ، فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك، فإذا قطع جاريه إنما كان لوفاته. ورووا عن عيسى بن نصر قال: كتب علي بن زياد الصيمري يسأل كفنا، فكتب إليه: إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين، وبعث إليه الكفن قبل موته ( بأيام ). ورووا عن محمد بن هارون بن عمران الهمداني قال: كان للناحية علي خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعا، ثم قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة، ولا والله ما نطقت بذلك، فكتب إلي محمد بن جعفر: إقبض الحوانيت من محد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عنده. ورووا أن قوما وشوا إلى عبيد الله بن سليمان الوزير بوكلاء النواحي وقالوا: الأموال تجبى إليهم وسموا له جميعهم، فهم بالقبض عليهم، فخرج الأمر من السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل فإن هذا أمر غليظ، فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على من ذكر أنه من الوكلاء، فقيل له: لا ولكن دسوا إليهم قوما لا يعرفون بالأموال فمن قبض منهم شيئا قبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشئ حتى خرج إليهم: ألا تأخذوا من أحد شيئا، وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، فاندس لمحمد ابن أحمد رجل لا يعرفه وخلا به، فقال: معي مال أريد أن أصله، فقال له محمد: غلطت أنا لا أعرف من هذا شيئا، فلم يزل يتلطف به ومحمد يتجاهل عليه، وبثوا الجواسيس، فامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم، ولم يظفر بأحد منهم، وظهرت بعد ذلك الحيلة عليهم وأنها لم تتم. ورووا عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد قال: خرج النهي عن زيارة مقابر قريش والحائر على ساكنيها السلام، ولم يعرف السبب، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطاني وقال له: إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزورون مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليهم. في أمثال لهذه الروايات، إيراد جميعها يخرج عن الغرض، وفي بعض ما ذكرناه كفاية.





تعليق