جواب: إنّ حال محمّد بن خالد الجُندي لا تخفى على أحد من علماء الرجال؛ فقد اشتهر أنّه وضع إلى الجُند ـ وهي على مسيرة يومَين من صنعاء ـ حديث الجند المشهور وَضْعُه، وهو « تُعمَل الرِّحال إلى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى، ومسجد الجند » (2)! في محاولة منه لاستمالة قلوب الناس إلى زيارة معسكر الجند، بعد أن مهّد له بشدّ الرحال إلى المساجد الثلاثة المقدّسة عند جميع المسلمين.
ونقول:
1 ـ إنّ الحديث الأوّل له طرق صحيحة أُخرى لا تُوجد فيها الزيادة « ولا مهديّ إلاّ عيسى ابن مريم »، منها ما أخرجه الطبراني والحاكم بسندهما عن أبي أُمامة بنفس ألفاظ حديث ابن ماجة، لكن مِن غير العبارة المذكورة، وصحّحه الحاكم فقال: هذا حديث صحيح الاسناد، ولم يُخرجاه (3).
2 ـ أنّ الذهبي تطرّق في ميزان الاعتدال في ترجمة محمد بن خالد الجندي إلى جرحه وتضعيفه، ثمّ قال: حديثه « لا مهدي إلاّ عيسى » وهو حديث مُنكَر، أخرجه ابن ماجة (4).
3 ـ ذكر الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب في ترجمة الجندي بأنّه مجهول (5).
4 ـ أنّ القرطبي ذكر الحديث وقال: فقوله « ولا مهدي إلاّ عيسى » يعارض أحاديث هذا الباب. ثمّ نقل كلمات مَن طعن بمحمد بن خالد الجندي وأنكر عليه حديثه.. إلى أن قال: والأحاديث عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصحّ من هذا الحديث، فالحكم لها دونه (6).
5 ـ قال الحافظ ابن حجر في الصواعق عن الحديث المذكور: وصرّح النسائي بأنّه منكَر، وجزم غيره من الحفّاظ بأنّ الأحاديث التي قبله ـ أي الأحاديث الناصّة على أنّ المهدي من ولد فاطمة ـ أصحّ إسناداً(7).
6 ـ وفنّد أبو الفيض الغماري حديث « ولا مهدي إلاّ عيسى » بثمانية وجوه هي في غاية الجودة والمتانة(8).
7 ـ والطريف أن ابن ماجة الذي روى حديث « ولا مهديّ إلاّ عيسى » روى بنفسه حديث « المهديّ حقّ، وهو من ولد فاطمة » (9)!
8 ـ أنّ ابن القيّم تناول في المنار المنيف حديث « ولا مهدي إلاّ عيسى » ونقل كلمات علماء أهل السنّة بشأنه، وأنّه مما تفرّد به محمّد بن خالد الجندي، ثمّ نقل كلام البيهقي بأنّ الأحاديث على خروج المهدي أصحّ إسناداً (10).
9 ـ ولا ننسى أنّ صحاح أهل السنّة نقلت أحاديث كثيرة عن نزول عيسى عليه السّلام واقتدائه بالإمام المهدي عليه السّلام. وروى البخاري في صحيحه حديث « كيف أنتم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم وإمامُكم منكم ؟! »، ورواه أيضاً مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده وعبدالرزاق الصنعاني في مصنّفه باختلاف يسير (11).
10 ـ ومن المسلّم لدى جميع المسلمين أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم صرّح بمقولته الشهيرة: « لا نبيّ بعدي »، وأنّ الاعتقاد باستقلال عيسى عليه السّلام بالنزول وحده دون المهدي عليه السّلام يوهم العوامَّ بانتقال الملّة المحمّدية إلى الملّة العيسويّة النصرانيّة، وهذا كفر (12).
تعليق