جواب: ونقول في الإجابة:
1 ـ إنّ الإمامة المبكّرة ظاهرة سَبَقه إليها عدد من آبائه الطاهرين عليهم السّلام، فقد تولّى الإمام محمّد الجواد عليه السّلام الإمامة وهو في الثامنة من عمره، وتولّى الإمام عليّ بن محمّد الهاديّ عليه السّلام الإمامة وهو في التاسعة أو الثالثة عشر من عمره، وكانت هذه الظاهرة مدلولاً حسّيّاً عمليّاً عاشه المسلمون ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكلٍ وآخر.
والتاريخ يحدّثنا أنّ العبّاسيين أوردوا نفس هذا الاعتراض في شأن إمامة الإمام الجواد عليه السّلام، وطالبوا باختبار قدرة الإمام العلميّة، وجعلوا ليحيى بن أكثم المالَ الكثير إن هو أفحم الإمام عليه السّلام في المناظرة، ويحدّثنا عن الفشل الذريع الذي واجهه يحيى بن أكثم في مهمّته تلك، وكيف أنّه تلجلج فلم يَدرِ ما يقول أمام منطق الإمام الجواد عليه السّلام القويّ وحُجّته واستدلاله (1).
2 ـ إنّ إمامة أهل البيت عليهم السّلام لم تكن مركزاً من مراكز السلطان التي تنتقل بالوراثة، وإنّما كانت تكتسب ولاءَ قواعدها الشعبيّة الواسعة عن طريق التغلغل الروحي والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام وقيادته وفق أسس فكريّة وروحيّة.
3 ـ إنّ الشروط التي كانت هذه المدرسة وقواعدها الشعبية تؤمن بها وتعمل بموجبها في تعيين الإمام والتعرّف على كفاءته شديدة، لأنّها تؤمن بأنّ الإمام لا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً وكان أعلم عُلماء عصره.
4 ـ إنّ الاعتقاد بإمامة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام كان يكلّف القواعد الشعبيّة غالياً، لأنّها كانت ـ في نظر السلطة ـ خطّاً عدائيّاً يهدّدها ولو من الناحية الفكريّة على أقلّ تقدير. ولم يكن لهذه القواعد الشعبية من الإغراءات ما يدفعها إلى الاعتقاد بإمامة أهل البيت عليهم السّلام إلاّ التقرّب إلى الله تعالى والزلفى عنده.
5 ـ إنّ الأئمّة عليهم السّلام لم يكونوا في معزل عن هذه القواعد الشعبية الواسعة التي دانت لهم بالإمامة، ولم يكونوا يحتجبون عن تلك القواعد إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجنٍ أو نفي. وهذا يفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة كبيرة بين الإمام وقواعده الممتدّة في أرجاء البلاد الإسلاميّة بمختلف طبقاتها.
ويحدّثنا التاريخ ـ على سبيل المثال ـ بأنّ جعفر الكذّاب قد لجأ إلى الحاكم العباسيّ وطلب منه أن يجعله في منصب أخيه المتوفّى: الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السّلام، فهزئ به وقال له: اعلَمْ أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا، وإنّما كانت بالله عزّوجلّ، ونحن قد جَهِدنا في حطّ منزلته والوضع منها، ولكنّ الله عزّوجلّ يأبى إلاّ أن يزيده كلّ يوم رِفعةً... فإن كنتَ عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن بمنزلته، ولم يكن فيك ما كان في أخيك، لم نُغْنِ عنك شيئاً (2).
والتاريخ يحدّثنا بأنّ الإمام المهدي عليه السّلام خرج على الوفد القمّي الذي كان قد التقى بجعفر الكذّاب فعجز جعفر عن إقناعهم بأنّه الإمام بعد أخيه العسكري عليه السّلام، فقد طالبه أعضاء الوفد بإخبارهم بتفصيل ما حملوا إليه ـ دون أن يفتح الأكياس المغلقة ـ وكانوا قد اعتادوا من قَبْلُ على امتحان من يتصدّى لمنصب الإمامة بهذا، فلمّا عجز جعفر وبان كذب ادّعائه، خرج على الوفد صبيّ يافع فأخبرهم بكميّة المال الذي معهم، وبأسماء المرسِلين له، وعرّفهم برجالهم، ولم تَبقَ بادرةٌ إلاّ أخبرهم بها، فخرّوا لله ساجدين لِما هداهم من معرفة الإمام عليه السّلام. ثمّ سألوه عن بعض الأحكام الشرعيّة فأجابهم عنها ـ الحديث (3).
6 ـ ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكّرة في التراث الربّاني: النبيّ يحيى عليه السّلام، إذ قال تعالى:


والنبيّ عيسى عليه السّلام، إذ قال تعالى:


تعليق