سَطعةُ نورٍ.. من شمسِ عليّ
بسمـ الله الرحمن الرحيمـ
اللهمـ صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهمـ
إنّ الذي ضُرب ضربةَ غدرٍ وهو قائم يصلّي في محراب الله.. كان رجلاً لا كالرجال. والذي تآزرت هِمَمُ وأهدافُ شياطينِ الأرض للتخلّص من سَطعات النور الإلهي التي تُشرق في جبينه وتَموج في قلبه.. كان أوحَدياً لم يَعرِفْ له تاريخُ الإنسان مِن مثيلٍ أو مُقارِبٍ أو شبيه.
ذلكم هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( صلوات الله عليه ).. الذي تشرّف بأقصى درجات العبودية لله عزّوجلّ، فكان في أعلى ذُرى « الحرية » والإنسانية واليقين المتفرّد الذي لا يتكرّر لسواه.. إلاّ أن يكون « عليّاً » آخَر!
* * *
روى الدولابيّ في ( الذريّة الطاهرة ) بإسناده عن جابر، قال:
لمّا قُتل عليُّ بن أبي طالب قام الحسن خطيباً، فقال: لقد قَتَلتُم ـ واللهِ ـ رجلاً في ليلةٍ نزلَ فيها القرآن، وفيها رُفع عيسى ابنُ مريم، وفيها قُتل يُوشَعُ بنُ نون فتى موسى. واللهِ، ما سبَقَه أحدٌ كان قبله، ولا يُدركه أحدٌ يكون بَعده. واللهِ، إن كان يَبعثُه رسولُ الله في السَّريّة: جِبريلُ عن يمينه، وميكائيلُ عن يساره. واللهِ، ما ترك صفراءَ ولا بيضاء.. إلاّ سبعمئة أو ثمانمئة درهم، أرصَدَها لجاريةٍ يشتريها لأهله.
* * *
واستلهاماً من مفهوم وكذلك جعَلْنا لكلِّ نبيٍّ عدوّاً .. تكون حقيقة هذا العدوّ في التمرّد والحجود مقابِلة لدرجة النبيّ ومقامه في العبودية والتوحيد؛ فكلّما كان النبيّ ألصقَ بالعبودية وأدخَل في القرب وأعرَق في اليقين.. كان عدوّه أعتى وأطغى وأشقى.
ولأنّ علياً عليه السّلام كان أسمى الأوصياء وسيّد الموحّدين.. كان قاتِلُه أشقَى الأولّين والآخرين. لقد تركّز فيه شقاء كلّ خصوم عليٍّ ومناوئيه، وما أكثرَهم! فإنّ خصماء الحقّ الزائغين عن التسليم له والانقياد إليه في العالم كثيرون.
ومع ذلك كلّه فإنّ أمير المؤمنين ـ وهو يومئذ قائد الدولة وإمام العالَم ـ أوصى في قاتله وصيّةً مُذهلة. وإنّما كانت الوصيّة مذهلة؛ لأنّ صاحبها الحقُّ المطلق الذي يدور معه الحقّ أينما دار، وتسير معه حقيقةُ القرآن حيثما سار.. لأنّه عليّ، وما أدراك ما عليّ!
ترى ماذا كانت وصيّته في قاتله الآثم الغادر الشقيّ ؟
روى الحاكم في ( المستدرك ) بإسناده عن الشعبيّ، قال:
لمّا ضَرَب ابنُ مُلجَم عليّاً تلك الضربةَ.. أوصى به عليٌّ، فقال: قد ضربني فأحسِنوا إليه وألِينوا له فِراشَه؛ فإنْ أعِشْ فهضمٌ أو قِصاص، وإنْ مِتُّ فعاجِلوه، فإنّي مُخاصِمُه عند ربّي!
وتلك سطعة واحدة من شمس عليّ.. وشمس عليّ باقية ما بقي الدهر.
فسلامٌ عليك يـآأميرِ النحلِ
ورحمة الله وبركآتهُ
تحياتي :
نور على نور
تعليق