القياس عند امير المؤمنين (عليه السلام)
الوسائل علي بن الحسين المرتضى، في رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني باسناده الآتي عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال: واما الرد على من قال بالرأي والقياس والاستحسان والاجتهاد ومن يقول إ الاختلاف رحمة، فاعلم أنا لما رأينا من قال بالرأي والقياس قد استعملوا الشبهات في الاحكام لما عجزوا عن عرفان اصابة الحكم، وقال ما من حادثة إلاّ ولله فيها حكم ولا يخلو الحكم فيها من وجهين، اما أن يكون نصا أو دليلا، وإذا رأينا الحادثة قد عدم نصها فزعنا ـ أي رجعنا ـ إلى الاستدلال عليها بأشباهها ونظائرها، لأنا متى لم نفرع إلى ذلك اخليناها من أن يكون لها حكم، ولا يجوز أن يبطل حكم الله في حادثة من الحوادث لانه يقول سبحانه (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ولما رأينا الحكم لا يخلوا والحادث لا ينفلت من الحكم التمسناه من النظائر لكيلا تخلو الحادثة من الحكم بالنص أو بالاستدلال وهذا جائز عندنا.
قالوا: وقد رأينا الله تعالى قاس في كتابه بالتشبيه والتمثيل، فقال خلق الانسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار، فشبه الشيء بأقرب الأشياء له شبها قالوا وقد رأينا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استعمل الرأي والقياس بقوله للمرأة الخثعمية حين سألته عن حجها عن أبيها، فقال رأيت لو كان على أبيك دين لكنت تقضينه عنه، فقد افتاها بشيء لم تسئل عنه، وقوله ثم لمعاذ بن جبل حين ارسله إلى اليمن، أرأيت يا معاذ إن نزلت بك حادثة لم تجد لها في كتاب الله اثرا ولا في السنة ما انت صانع؟ قال استعمل رأيي فيها فقال الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضيه، قالوا وقد استعمل الرأي والقياس كثير من الصحابة ونحن على آثارهم مقتدون، ولهم احتجاجات كثيرة في مثل هذا، وقد كذبوا على الله تعالى في قولهم انه احتاج إلى القياس وكذبوا على رسول الله إذ قالوا عنه ما لم يقل من الجواب المستحيل فنقول لهم ردا عليهم، إن اصول احكام العبادات وما يحدث في الامة من الحوادث والنوازل لما كانت موجودة عن السمع والنطق والنص في كتاب الله وفروعها مثلها، وإنما اردنا الاصول في جميع العبادات والمفترضات التي نص الله عزوجل وأخبرنا عن وجوبها وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن وصية المنصوص عليه بعده في البيان عن اوقاتها وكيفياتها واقدارها في مقاديرها عن الله عز وجل مثل فرض الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وحد الزنا، وحد السرقة، واشباهها، مما نزل في الكتاب مجملا بلا تفسير، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المفسر والمعبر عن جملة الفرائض، فعرفنا أن فرض صلاة الظهر أربع ووقتها بعد زوال الشمس بمقدار ما يقرأ الإنسان ثلثي آية، وهذا الفرق بين صلاة الزوال وصلاة الظهر، ووقت صلاة العصر، آخر وقت الظهر إلى وقت مهبط الشمس، وان المغرب ثلاث ركعات وقتها حين وقت الغروب إلى ادبار الشفق والحمرة، وان وقت صلاة العشاء الآخرة وهي أربع ركعات أوسع الاوقات وأول وقتها حين اشتباك النجوم وغيبوبة الشفق وانبساط الظلام، آخر وقتها ثلث الليل وروي نصفه، والصبح ركعتان وقتها طلوع الفجر إلى اسفار الصبح، وان الزكاة تجبى في مال دون مال، ومقدار دون مقدار، ووقت دن أقات وكذلك جميع الفرائض التي اوجبها الله على عباده بمبلغ الطاعات، وكنه الاستطاعات، فلولا ما ورد النص به وتنزيل كتاب الله وبيان ما أبانه رسوله وفسره لنا، وابانه الاثر وصحيح الخبر لقوم آخرين، لم يكن لاحد من الناس المأمورين باداء الفرائض، أن يوجب ذلك بعقله واقامته معاني فروضه وبيان مراد الله في جميع ما قدمنا ذكره على حقيقة شروطها ولايصح إقامة فروضها بالقياس والرأي، ولا أن تهتدي العقول على انفرادها، إلى أن يجب فرض الظهر أربعا دون خمس أو ثلاث، ولا تفصل ايضا بين قبل الزوال وبعده، ولا تقدم الركوع على السجود، أو حد زنا المحصن والبكر، ولا بين العقارات والمال. في وجوب الزكاة، فلو خلينا بين عقولنا وبين هذه الفرائض، لم يصح فعل ذلك كله بالعقل على مجرده، ولم نفضل بين القياس الذي فصلت الشريعة والنصوص إذا كانت الشريعة موجودة عن السمع والنطق، الذي ليس لنا أن نتجاو حدودها ولو جاز ذلك لا ستغنينا عن ارسال الرسل الينا بالأمر والنهي منه تعالى، ولمّا كانت الاصول لا تجب على ما هي عليه من بيان فرضها إلاّ بالسمع والنطق، فكذلك الفروع والحوادث التي تنوب وتطرق منه تعالى، لم يوجب الحكم فيها بالقياس دون النص بالسمع، واما احتجاجهم واعتلالهم بان القياس هو التشبيه والتمثيل فان الحكم جائز به، وردّ الحوادث أيضا إليه، فذلك محال بيّن ومقال شنيع، لان نجد أشياء قد وفق الله بين احكامها وان كانت متفرقة، ونجد أشياء قد فرق الله بين احكامها وان كانت مجتمعة، فدلنا ذلك من فعل الله تعالى على أنَّ اشتباه الشيئين غير موجب الاشتباه الحكمين، كما ادعاه منتحلوا القياس والرأي، وذلك انهم لما عجزوا عن اقامة الاحكام على ما انزل في كتاب الله تعالى، وعدلوا عن أخذها ممن فرض الله سبحانه طاعتهم على عباده ممن لايزل ولاينسى، الذين انزل الله كتابه عليهم وأمر الامة برد ما اشتبه عليهم من الاحكام إليهم وطلبوا الرياسة رغبة في حكام الدنيا، وركبوا طريق اسلافهم ممن ادعى منزلة أولياء الله، لزمهم العجز فادعوا أن الرأي والقياس واجب، فبان لذوي العقول عجزهم والحادهم في دين الله، وذلك أن العقل على مجرده وانفراده، لا يوجب ولا يفصل بين أخذ الشيء بغصب ونهب وبين أخذه بسرقة، وان كانا متشابهين فالواحد يوجب القطع والآخر لا يوجبه، ويدل ايضا على فساد ما اجتجوا به من رد الشيء في الحكم إلى اشباهه ونظائره، إنا نجد الزنا من المحصن والبكر سواء، وأحدهما يوجب الرجم، والآخر يوجب الجلد، فعلمنا أن الاحكام مأخذها من السمع والنطق بالنص على حسب ما يرد به التوقيف، دون اعتبار النظائر والأعيان، وهذه دلالة واضحة على فساد قولهم، ولو كان الحكم في الدين بالقياس لكان باطن القدمين اولى بالمسح من ظاهرهما، قال الله تعالى حكاية عن ابليس في قوله بالقياس (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فذمه الله لما لم يدر ما بينهما، وقد ذم رسول الله والأئمة (عليهم السلام) القياس، يرث ذلك بعضهم عن بعض ويرويه عنهم أولياؤهم قال: واما الرد على من قال بالاجتهاد، فانهم يزعمون أن كل مجتهد مصيب، على انهم لا يقولون انهم مع اجتهادهم اصابوا معنى حقيقة الحق عند الله عز وجل، لأنهم في حال اجتهادهم ينتقلون عن اجتهاد، واحتجاجهم أن الحكم به قاطع قول باطل منقطع منتقض، فأي دليل ادل في هذا على ضعف اعتقاد من قال بالاجتهاد والرأي، إذا كان أمرهم يؤل إلى ما وصفناه وزعموا انه محال أن يجتهدوا فيذهب الحق من جملهم وقولهم بذلك فاسد لانهم أن إتهدوا فاختلفوا فالتقصير واقع بهم، واعجب من هذا انهم يقولون مع قولم بالرأي والاجتهاد، إن الله تعالى بهذا المذهب لم يكلفهم إلاّ بما يطيقونه وكذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واحتجوا بقول الله تعالى (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) وهذا بزعمهم وجه الاجتهاد، وغلطوا في هذا التأويل غلطا بيّناً، قالوا ومن قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قاله لمعاذ بن جبل، وادعوا انه اجاز ذلك، والصحيح أن الله لم يكلفهم الاجتهاد لانه قد نصب لهم ادلة واقام لهم اعلاما واثبت عليهم الحجة، فمحال أن يضطرهم إلى ما لا يطيقون بعد ارساله إليهم الرسل بتفصيل الحلال والحرام، ولم يتركهم سدى مهما عجزوا عنه ردوه إلى الرسول والأئمة (عليهم السلام) كيف وهو يقول (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ويقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ويقول (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) ومن الدليل على فساد قولهم في الاجتهاد والرأي والقياس، انه لن يخلو الشيء أن يكون بمثله على اصل، أو يستخرج البحث عنه، فان كان يبحث عنه فانه لا يجوز في عدل الله تعالى أن يكلف العباد ذلك، وان كان ممثلك على اصل، فلن يخلو الاصل أن يكون حرِّم لمصلحة الخلق أو لمعنى في نفسه خاص، فان كان حرِّم لمعنى في نفسه خاص، فقد كان ذلك فيه حلالا ثم حرِّم بعد ذلك لمعنى فيه، بل لو كان لعلة المعنى لم يكن التحريم له أولى من التحليل، ولمّا فسد هذا الوجه من دعواهم علمنا أن الله تعالى إنما حرم الاشياء لمصلحة الخلق للخلق التي فيها، ونحن إنما ننفي القول بالاجتهاد، لان الحق عندنا فيما قدمنا ذكره من الامور التي نصبها الله تعالى والدلائل التي اقامها لنا كالكتاب والسنة والإمام الحجة، ولن يخلو الخلق من هذه الوجوه التي ذكرناها وما خالفها فهو باطل، ثم ذكر (عليه السلام) كلاماً طويلاً في رد على من قال بالاجتهاد في القبلة وحاصله الرجوع فيه إلى العلامات الشرعية.
المحاسن ـ أحمد بن أبي عبد الله عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهم السلام) في كتاب أدب أمير المؤمنين ثم قال: لا تقيسوا الدين، فان أمر الله لا يقاس، وسيأتي قوم يقيسون وهم اعداء الدين.
الخصال ـ بالاسناد الآتي في باب أمكنة التخلي، عن علي ثم في حديث الاربعمائة قال: ولا تقيسوا الدين، فان من الدين ما لا ينقاس، وسيأتي أقوام يقيسون وهم اعداء الدين، وأول من قاس ابليس لا تتخذوا الملس فانه حذاء فرعون وهو أول من حذ الملس.
العلل ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطّان قال حدثنا الحسن بن علي العسكري قال حدثنا محمد بن زكريا الجوهري البصري قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد (عليه السلام) (في حديث الخضر) انه قال لموسى (عليه السلام) إن القياس لا مجال له في علم الله وأمره، قال جعفر بن محمد إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس، ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك، إن أول معصية ظهرت الأنانية عن ابليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا وأبى ابليس اللعين أن يسجد، فقال عزَّ وجل ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فطرده الله عز وجل عن جواره ولعنه وسماه رجيما واقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلاّ قرنه مع عدوه ابليس في أسفل درك من النار.
الوسائل ـ تفسير العسكري وقال أمير المؤمنين يا معشر شيعتنا المنتحلين مودتنا، اياكم واصحاب الرأي فانهم اعداء السنن، تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها وأعيتم السنة أن يعوها فاتخذوا عباد الله خولا وماله دولا، فنزلت لهم الرقاب وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب، ونازعوا الحق أهله وتمثلوا بالأئمة الصادقين، وهم من الكفّار الملاعين فسُألوا عمّا لايعلمون فانفوا أن يعترفوا بانهم لا يعلمون، فعارضوا الدين بآرائهم فضلوا وأضلوا (الخبر).
نهج البلاغة ـ ومن خطبة له (عليه السلام) عباد الله إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه (الى أن قال) فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، ولا يتغلغل إليه الفكر.
الوسائل علي بن الحسين المرتضى، في رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني باسناده الآتي عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال: واما الرد على من قال بالرأي والقياس والاستحسان والاجتهاد ومن يقول إ الاختلاف رحمة، فاعلم أنا لما رأينا من قال بالرأي والقياس قد استعملوا الشبهات في الاحكام لما عجزوا عن عرفان اصابة الحكم، وقال ما من حادثة إلاّ ولله فيها حكم ولا يخلو الحكم فيها من وجهين، اما أن يكون نصا أو دليلا، وإذا رأينا الحادثة قد عدم نصها فزعنا ـ أي رجعنا ـ إلى الاستدلال عليها بأشباهها ونظائرها، لأنا متى لم نفرع إلى ذلك اخليناها من أن يكون لها حكم، ولا يجوز أن يبطل حكم الله في حادثة من الحوادث لانه يقول سبحانه (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ولما رأينا الحكم لا يخلوا والحادث لا ينفلت من الحكم التمسناه من النظائر لكيلا تخلو الحادثة من الحكم بالنص أو بالاستدلال وهذا جائز عندنا.
قالوا: وقد رأينا الله تعالى قاس في كتابه بالتشبيه والتمثيل، فقال خلق الانسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار، فشبه الشيء بأقرب الأشياء له شبها قالوا وقد رأينا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استعمل الرأي والقياس بقوله للمرأة الخثعمية حين سألته عن حجها عن أبيها، فقال رأيت لو كان على أبيك دين لكنت تقضينه عنه، فقد افتاها بشيء لم تسئل عنه، وقوله ثم لمعاذ بن جبل حين ارسله إلى اليمن، أرأيت يا معاذ إن نزلت بك حادثة لم تجد لها في كتاب الله اثرا ولا في السنة ما انت صانع؟ قال استعمل رأيي فيها فقال الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضيه، قالوا وقد استعمل الرأي والقياس كثير من الصحابة ونحن على آثارهم مقتدون، ولهم احتجاجات كثيرة في مثل هذا، وقد كذبوا على الله تعالى في قولهم انه احتاج إلى القياس وكذبوا على رسول الله إذ قالوا عنه ما لم يقل من الجواب المستحيل فنقول لهم ردا عليهم، إن اصول احكام العبادات وما يحدث في الامة من الحوادث والنوازل لما كانت موجودة عن السمع والنطق والنص في كتاب الله وفروعها مثلها، وإنما اردنا الاصول في جميع العبادات والمفترضات التي نص الله عزوجل وأخبرنا عن وجوبها وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن وصية المنصوص عليه بعده في البيان عن اوقاتها وكيفياتها واقدارها في مقاديرها عن الله عز وجل مثل فرض الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وحد الزنا، وحد السرقة، واشباهها، مما نزل في الكتاب مجملا بلا تفسير، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المفسر والمعبر عن جملة الفرائض، فعرفنا أن فرض صلاة الظهر أربع ووقتها بعد زوال الشمس بمقدار ما يقرأ الإنسان ثلثي آية، وهذا الفرق بين صلاة الزوال وصلاة الظهر، ووقت صلاة العصر، آخر وقت الظهر إلى وقت مهبط الشمس، وان المغرب ثلاث ركعات وقتها حين وقت الغروب إلى ادبار الشفق والحمرة، وان وقت صلاة العشاء الآخرة وهي أربع ركعات أوسع الاوقات وأول وقتها حين اشتباك النجوم وغيبوبة الشفق وانبساط الظلام، آخر وقتها ثلث الليل وروي نصفه، والصبح ركعتان وقتها طلوع الفجر إلى اسفار الصبح، وان الزكاة تجبى في مال دون مال، ومقدار دون مقدار، ووقت دن أقات وكذلك جميع الفرائض التي اوجبها الله على عباده بمبلغ الطاعات، وكنه الاستطاعات، فلولا ما ورد النص به وتنزيل كتاب الله وبيان ما أبانه رسوله وفسره لنا، وابانه الاثر وصحيح الخبر لقوم آخرين، لم يكن لاحد من الناس المأمورين باداء الفرائض، أن يوجب ذلك بعقله واقامته معاني فروضه وبيان مراد الله في جميع ما قدمنا ذكره على حقيقة شروطها ولايصح إقامة فروضها بالقياس والرأي، ولا أن تهتدي العقول على انفرادها، إلى أن يجب فرض الظهر أربعا دون خمس أو ثلاث، ولا تفصل ايضا بين قبل الزوال وبعده، ولا تقدم الركوع على السجود، أو حد زنا المحصن والبكر، ولا بين العقارات والمال. في وجوب الزكاة، فلو خلينا بين عقولنا وبين هذه الفرائض، لم يصح فعل ذلك كله بالعقل على مجرده، ولم نفضل بين القياس الذي فصلت الشريعة والنصوص إذا كانت الشريعة موجودة عن السمع والنطق، الذي ليس لنا أن نتجاو حدودها ولو جاز ذلك لا ستغنينا عن ارسال الرسل الينا بالأمر والنهي منه تعالى، ولمّا كانت الاصول لا تجب على ما هي عليه من بيان فرضها إلاّ بالسمع والنطق، فكذلك الفروع والحوادث التي تنوب وتطرق منه تعالى، لم يوجب الحكم فيها بالقياس دون النص بالسمع، واما احتجاجهم واعتلالهم بان القياس هو التشبيه والتمثيل فان الحكم جائز به، وردّ الحوادث أيضا إليه، فذلك محال بيّن ومقال شنيع، لان نجد أشياء قد وفق الله بين احكامها وان كانت متفرقة، ونجد أشياء قد فرق الله بين احكامها وان كانت مجتمعة، فدلنا ذلك من فعل الله تعالى على أنَّ اشتباه الشيئين غير موجب الاشتباه الحكمين، كما ادعاه منتحلوا القياس والرأي، وذلك انهم لما عجزوا عن اقامة الاحكام على ما انزل في كتاب الله تعالى، وعدلوا عن أخذها ممن فرض الله سبحانه طاعتهم على عباده ممن لايزل ولاينسى، الذين انزل الله كتابه عليهم وأمر الامة برد ما اشتبه عليهم من الاحكام إليهم وطلبوا الرياسة رغبة في حكام الدنيا، وركبوا طريق اسلافهم ممن ادعى منزلة أولياء الله، لزمهم العجز فادعوا أن الرأي والقياس واجب، فبان لذوي العقول عجزهم والحادهم في دين الله، وذلك أن العقل على مجرده وانفراده، لا يوجب ولا يفصل بين أخذ الشيء بغصب ونهب وبين أخذه بسرقة، وان كانا متشابهين فالواحد يوجب القطع والآخر لا يوجبه، ويدل ايضا على فساد ما اجتجوا به من رد الشيء في الحكم إلى اشباهه ونظائره، إنا نجد الزنا من المحصن والبكر سواء، وأحدهما يوجب الرجم، والآخر يوجب الجلد، فعلمنا أن الاحكام مأخذها من السمع والنطق بالنص على حسب ما يرد به التوقيف، دون اعتبار النظائر والأعيان، وهذه دلالة واضحة على فساد قولهم، ولو كان الحكم في الدين بالقياس لكان باطن القدمين اولى بالمسح من ظاهرهما، قال الله تعالى حكاية عن ابليس في قوله بالقياس (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فذمه الله لما لم يدر ما بينهما، وقد ذم رسول الله والأئمة (عليهم السلام) القياس، يرث ذلك بعضهم عن بعض ويرويه عنهم أولياؤهم قال: واما الرد على من قال بالاجتهاد، فانهم يزعمون أن كل مجتهد مصيب، على انهم لا يقولون انهم مع اجتهادهم اصابوا معنى حقيقة الحق عند الله عز وجل، لأنهم في حال اجتهادهم ينتقلون عن اجتهاد، واحتجاجهم أن الحكم به قاطع قول باطل منقطع منتقض، فأي دليل ادل في هذا على ضعف اعتقاد من قال بالاجتهاد والرأي، إذا كان أمرهم يؤل إلى ما وصفناه وزعموا انه محال أن يجتهدوا فيذهب الحق من جملهم وقولهم بذلك فاسد لانهم أن إتهدوا فاختلفوا فالتقصير واقع بهم، واعجب من هذا انهم يقولون مع قولم بالرأي والاجتهاد، إن الله تعالى بهذا المذهب لم يكلفهم إلاّ بما يطيقونه وكذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واحتجوا بقول الله تعالى (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) وهذا بزعمهم وجه الاجتهاد، وغلطوا في هذا التأويل غلطا بيّناً، قالوا ومن قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قاله لمعاذ بن جبل، وادعوا انه اجاز ذلك، والصحيح أن الله لم يكلفهم الاجتهاد لانه قد نصب لهم ادلة واقام لهم اعلاما واثبت عليهم الحجة، فمحال أن يضطرهم إلى ما لا يطيقون بعد ارساله إليهم الرسل بتفصيل الحلال والحرام، ولم يتركهم سدى مهما عجزوا عنه ردوه إلى الرسول والأئمة (عليهم السلام) كيف وهو يقول (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ويقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ويقول (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) ومن الدليل على فساد قولهم في الاجتهاد والرأي والقياس، انه لن يخلو الشيء أن يكون بمثله على اصل، أو يستخرج البحث عنه، فان كان يبحث عنه فانه لا يجوز في عدل الله تعالى أن يكلف العباد ذلك، وان كان ممثلك على اصل، فلن يخلو الاصل أن يكون حرِّم لمصلحة الخلق أو لمعنى في نفسه خاص، فان كان حرِّم لمعنى في نفسه خاص، فقد كان ذلك فيه حلالا ثم حرِّم بعد ذلك لمعنى فيه، بل لو كان لعلة المعنى لم يكن التحريم له أولى من التحليل، ولمّا فسد هذا الوجه من دعواهم علمنا أن الله تعالى إنما حرم الاشياء لمصلحة الخلق للخلق التي فيها، ونحن إنما ننفي القول بالاجتهاد، لان الحق عندنا فيما قدمنا ذكره من الامور التي نصبها الله تعالى والدلائل التي اقامها لنا كالكتاب والسنة والإمام الحجة، ولن يخلو الخلق من هذه الوجوه التي ذكرناها وما خالفها فهو باطل، ثم ذكر (عليه السلام) كلاماً طويلاً في رد على من قال بالاجتهاد في القبلة وحاصله الرجوع فيه إلى العلامات الشرعية.
المحاسن ـ أحمد بن أبي عبد الله عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهم السلام) في كتاب أدب أمير المؤمنين ثم قال: لا تقيسوا الدين، فان أمر الله لا يقاس، وسيأتي قوم يقيسون وهم اعداء الدين.
الخصال ـ بالاسناد الآتي في باب أمكنة التخلي، عن علي ثم في حديث الاربعمائة قال: ولا تقيسوا الدين، فان من الدين ما لا ينقاس، وسيأتي أقوام يقيسون وهم اعداء الدين، وأول من قاس ابليس لا تتخذوا الملس فانه حذاء فرعون وهو أول من حذ الملس.
العلل ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطّان قال حدثنا الحسن بن علي العسكري قال حدثنا محمد بن زكريا الجوهري البصري قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد (عليه السلام) (في حديث الخضر) انه قال لموسى (عليه السلام) إن القياس لا مجال له في علم الله وأمره، قال جعفر بن محمد إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس، ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك، إن أول معصية ظهرت الأنانية عن ابليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا وأبى ابليس اللعين أن يسجد، فقال عزَّ وجل ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فطرده الله عز وجل عن جواره ولعنه وسماه رجيما واقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلاّ قرنه مع عدوه ابليس في أسفل درك من النار.
الوسائل ـ تفسير العسكري وقال أمير المؤمنين يا معشر شيعتنا المنتحلين مودتنا، اياكم واصحاب الرأي فانهم اعداء السنن، تفلتت منهم الأحاديث أن يحفظوها وأعيتم السنة أن يعوها فاتخذوا عباد الله خولا وماله دولا، فنزلت لهم الرقاب وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب، ونازعوا الحق أهله وتمثلوا بالأئمة الصادقين، وهم من الكفّار الملاعين فسُألوا عمّا لايعلمون فانفوا أن يعترفوا بانهم لا يعلمون، فعارضوا الدين بآرائهم فضلوا وأضلوا (الخبر).
نهج البلاغة ـ ومن خطبة له (عليه السلام) عباد الله إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه (الى أن قال) فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، ولا يتغلغل إليه الفكر.
تعليق