ثمن الجنّة
قال الإمام علي(علیه السلام) لرجل سأله أن یعظه:
«لا تکن ممّن یرجو الآخرة بغیر العمل، ویُرجیء التوبة بطول الأمل، یقول فی الدنیا بقول الزاهدین ویعمل فیها بعمل الراغبین»
الشرح والتفسير :
حقاً إنّ کلمات الإمام علي(علیه السلام) رائعة وهذه العبارة من أروعها. فقد اختزنت هذه العبارة ثلاث وصایا مهمّة تتضمّن خیر الدنیا والآخرة للفرد والمجتمع:
1. إنّ الجنّة لا تعطى عبثاً ومجرّد الکلام دون العمل لا ینجى الإنسان. ومجرّد ادّعاء حب الدین والولایة وأئمّة الدین لا یحل عقدة من مشاکلنا ولیس هنالک من أمل بالاستقرار والراحة فی عالم الآخرة بلقلقة اللسان ومجانبة العمل. فادّعاء محبة وموالاة أهل البیت(ع)یکون مجدیاً حین یقترن بالأعمال الصالحة بحیث لو ارتکبنا زللاً وخطأ أمکن تلافیة بالولایة والشفاعة وما شابه ذلک. ویتضح ضمنیاً من المطالب المذکورة مدى الخطأ الذی علیه من یدعی حبّ أهل بیت النبی(ص)ولیس لدیه أی زاد من الأعمال الصالحة.
2. لا تنسجم التوبة والإنابة إلى الله مع طول الأمل ـ سیما أن لیس للإنسان أی علم بمستقبله ولا یدرى متى یموت. ترى کیف یطیل الأمل مَن لا یدری أحیّ هو أم میّت بعد لحظة؟! أم کیف یستطیع التوبة من یطیل الأمل؟! إنّ الأجل إنذار خطر ودواء ناجع لعلاج هذا الداء. فلمّا حل أجل نبی الله سلیمان(ع) قبض واقفاً ولم یؤذن له بالجلوس. وعلیه فلا ینبغی أن نؤخر التوبة بطول الأمل.
3. الموعظة الثالثة للإمام(ع):لا تکن ممّن یختلف قوله عن فعله. فهناک من یتحدث عن الدنیا وکإنّه زاهد وتارک للدنیا، بینما هو مُکبّ على الدنیا ومتعلق بها، فاسع إلى أن ینسجم قولک مع عملک. یا ویلی إنّ لسانی یحبّ علیّاً بینما عملی کعمل معاویة! أتحدث عن المعنویة وعبادة الله والروحیات لکنی أغرق فی بحر المادیة وعبادة زخارف الدنیا! من هم الراغبون فی الدنیا؟ إنّهم أولئک الذین وقفوا على مفترق طریقین فولّوا ظهورهم لله وأقبلوا على الدنیا. فالناس حین یبلغون مفترق طرق یکونون طوائف:
الأولى: الأفراد الذین اختاروا الدنیا بصورة عمیاء وهجروا الله.
الثانیة: الأفراد الذین زهدوا فی الدنیا واختاروا سبیل الآخرة.
والثالثة: الأفراد المترددون الشکاکون مثل عمر بن سعد الذی کان یبغی ملک الری بثمن قتل الامام الحسین(ع)ویطلب الجنّة، فینبغی لنا أن نمتحن أنفسنا حین یقع النزاع بین عقولنا وأنفسنا الأمّارة بالسوء لندرک من أیة طائفة نحن.
قبسات من السیرة العلویة
تعليق