بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد واَل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعتراف معاوية بأنّ الإمام علي ( عليه السلام ) ـ أبو الإمام الحسن ( عليه السلام ) ـ هو أكرم الناس طُراً ، وهو ممّا يتناسب بموضوع هذا الكتاب أدرجناه هنا .
6 - معاوية يعترف : بفضل علي ( عليه السلام ) ويترحّم عليه .
روى السيد الشريف الرضي في نهج البلاغة ، وغيره من أعلام الحديث وأرباب السير والتاريخ في مؤلّفاتهم : أنّ ضرار بن حمزة ـ أو ضمرة وهو من أصحاب الإمام علي ( عليه السلام ) وشيعته ـ دخل ذات يوم على معاوية بن أبي سفيان ، وكان ذلك بعد شهادة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
فقال معاوية لضرار بن ضمرة : صِف لي علياً ؟
فقال ضرار : أَوَ تعفيني ؟
قال : بلْ صِفه .
قال : أَوَ تعفيني ؟
قال : لا أعفيك .
فبدأ ضرار بذكر فضائل الإمام وخُلقه وأدبه .
ثمّ قال : وأشهد باللهِ لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سُدوله وغارت نجومه ، وهو قائم في محرابه ، قابض على لحيته ، يَتململُ تململَ السليم ، ويبكي بكاءَ الحزين ، وكأنّي أسمعه وهو يقول : ( يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي ، أَبِي تَعَرَّضْتِ ، أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ ، لا حَانَ حِينُكِ ، هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي ، لا حَاجَةَ لِي فِيكِ ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثاً لا رَجْعَةَ فِيهَا ، فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ ، آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ ، وَطُولِ الطَّرِيقِ ، وَبُعْدِ السَّفَرِ ، وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ ) (1) .
فذرفت دموع معاوية حتى خرّت على لحيته ، فما يملكها وهو ينشّفها بكمه ،
ـــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : 480 قصار الحكم ( 77 ) .
الصفحة 158
وقد اختنق القوم بالبكاء ، ثمّ قال معاوية : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن من ذُبح وَلدُها في حجرها ، فلا ترقأ عبرتها ، ولا يسكن حزنها (1) .
7 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) أفصح وأشجع وأسخى الناس طُراً .
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر ، بإسناده عن أبي إسحاق قال : قَدم ابن أجور التميمي إلى معاوية بن أبي سفيان ، وقال : يا أمير المؤمنين ، جئتك من عند ألأم الناس ، وأبخل الناس ، وأعيى الناس ، وأجبن الناس ـ يقصد بذلك علي ( عليه السلام ) ـ .
فقال له معاوية : ويلك وأنّى أتاه اللؤم ؟ ولكنّا نتحدث أن لو كان لعلي ( عليه السلام ) بيت من تبن وآخر من تبر ، لأنفد التبر قبل بيت التبن .
وأنّى له العي ؟ وإن كنّا نتحدث أنّه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من علي ( عليه السلام ) .
ويلك وأنّى أتاه الجبن ؟ وما برز له رجل قط إلاّ صرعه ، والله يا بن أجور لولا الحرب خدعة لضربت عنقك ، اخرج فلا تُقيمَنّ في بلدي (2) .
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) مروج الذهب 3 : 16 ، الاستيعاب 3 : 1107 ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) رقم 1855 ، الفتوحات الإسلامية 2 : 453 - 458، ربيع الأبرار 1 : 97 ، شرح نهج البلاغة 18 : 224 - 226 ، صفة الصفوة 1 : 315 ، الرياض النضرة 3 : 187، حلية الأولياء 1 : 84 - 85 ، ذخائر العقبى : 100، الصواعق المحرقة : 131 - 132، الإتحاف بحب الأشراف : 25، المستطرف للأبشيهي 1 : 137، نظر درر السمطين : 134 - 135، الأمالي للصدوق : 724 ح 990 ، كنز الفوائد 2 : 160.
( 2 ) تاريخ مدينة دمشق 42 : 414 ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) ، شرح نهج البلاغة 1 : 24 - 25 و 6 : 279.
الصفحة 159
8 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) سنّ الفصاحة للعرب . أخرج العلاّمة ابن أبي الحديد : لمّا قال محفن بن أبي محفن لمعاوية : جئتك من عند أعيى الناس ، والظاهر أنّ معاوية سأله : من أين أتيت ؟ قال ذلك في جوابه ـ ويقصد بأعيى الناس الإمام علي ( عليه السلام ) ـ : قال له معاوية : ويحك !! كيف يكون أعيى الناس ؟! يا بن اللخناء ، العلي تقول هذا ؟! فوالله ، ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ، وقال لمحفن بن أبي محفن ـ لمّا قال له : جئتك من عند أبخل الناس ـ : ويحك ! كيف تقول إنّه أبخل الناس ؟! لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لأنفد تبره قبل تبنه (1) .
وقال ابن قتيبة : ذكروا أنّ عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب .
فقال معاوية : لله أنت !! أتدري ما قلت ؟ .
أمّا قولك ( الغبي ) ، فوالله ، لو أنّ أَلسن الناس جُمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي ( عليه السلام ) .
وأَمّا قولك ( إنّه جبان ) : ثكلتك أمّك هل رأيت أحداً قط بارزه إلاّ قتله ؟
وأمّا قولك ( إنّه بخيل ) ، فوالله ، لو كان له بيتان ، أحدهما من تبر والآخر من تبن لأنفد تبره قبل تبنه .
فقال ابن أبي محجن الثقفي : فعَلامَ تقاتله إذاً ؟
قال : على دم عثمان ، وعلى هذا الخاتم الذي مّن جعله في يده جادت طينته
ـــــــــــــــــــــ
( 1 ) شرح نهج البلاغة 1 : 22.
الصفحة 160
وأطعم عياله ، وادّخر لأهله . فضحك الثقفي ثمّ لحق بعلي ( عليه السلام ) (1) .
9 - معاوية يعترف : علي وبنيه خير خلق الله وعترة نبيه .
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر بسنده عن جابر قال : كنّا عند معاوية فذكر علي ( عليه السلام ) فأحسن ذكره ، وذكر أبيه وأمّه ثمّ قال : وكيف لا أقول هذا لهم وهم خيار خلق الله وعترة نبيه ، أخيار أبنا أخيار ، ( وفي النسخة الخطية ) وعنده بنيه أخيار أبناء أخيار (2) .
10 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) يجيب مسائل ملك الروم .
روى العلاّمة السروي : كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن خصال ، فكان فيما سأله : أخبرني عن لا شيء ، فتحيّر معاوية وعجز عن الجواب ، وكان آنذاك في صفين ، فقال عمرو بن العاص : وجّه فرساً إلى معسكر علي ( عليه السلام ) ليباع ـ أي يبيع الفرس ـ فإذا قيل للذي هو معه بكم ؟ يقول : بلا شيء ، فعسى أن تخرج المسألة . فجاء الرجل ـ المرسَل بالمسألة ـ إلى عسكر علي ( عليه السلام ) ، إذ مرّ به علي ( عليه السلام ) ومعه قنبر فقال : ( يا قنبر ، ساومه . فقال قنبر : بكم الفرس ؟ قال : بلا شيء . قال علي ( عليه السلام ) : يا قنبر، خذ منه .
ـــــــــــــــــــــ
( 1 ) الإمامة والسياسة : 101، محاضرات الأدباء 2 : 387 .
( 2 ) تاريخ مدينة دمشق 42 : 415 ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) .
الصفحة 161
قال الرجل : أعطني لا شيء . فأخرجه إلى الصحراء وأراه السراب ، فقال ( عليه السلام ) : ذلك لا شيء ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : اذهب فخبّره ، قال الرجل : وكيف ؟ قال ( عليه السلام ) : أَما سمعت بقول الله تعالى : ( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) )(1) (2) . 11 - معاوية يعترف : بأعلمية علي ( عليه السلام ) ، ويرجع إليه في حلّ مسالة .
أخرج العلاّمة الحافظ المتقي الهندي ، بإسناده عن أبي الوضين قال : إنّ رجلاً تزوّج إلى رجل من أهل الشام ابنةً له ابنة مهيرة ، فزوّجه وزّف إليه ابنةً له أخرى بنت فتاة ، فسألها الرجل بعد ما دخل بها : ابنة مَن أنت ؟ فقالت : ابنة فلانة تعني الفتاة ، فقال : إنّما تزوجت إلى أبيك ابنة المهيرة . فارتفعوا إلى معاوية بن أبي سفيان فقال : امرأة بامرأة ، وسأل مَن حوله من أهل الشام . فقالوا : امرأة بامرأة . فقال الرجل لمعاوية : ارفعنا إلى علي بن أبي طالب ، فقال : اذهبوا إليه ، فأتوا علياً ، فرفع علي ( عليه السلام ) شيئاً من الأرض وقال : ( القضاء في هذا أيسر من هذا ، لهذه ما سقتَ إليها بما استحللتَ من فرجها ، وعلى أبيها أن يجهّز الأخرى بما سقتَ إلى هذه ، ولا تقربها حتى تنقضي عدة هذه الأخرى ) ، قال أبو الوضين : وأحسب أنّه ( عليه السلام ) جلد أباها أو أراد أن يجلده (3) .
ـــــــــــــــــــ
( 1 ) النور : 39.
( 2 ) مناقب ابن شهر آشوب السروي 2 : 382 .
( 3 ) كنز العمال 5 : 836 ح 14513 خرّجه عن ابن أبي شيبة ، المناقب للسروي 2 : 376.
الصفحة 162
12 - معاوية يسأل علياً ( عليه السلام ) عن حكم مسألة في النكاح . أخرج الإمام مالك والشافعي ، وسعيد بن منصور بن شعبة المروزي ، وعبد الرزاق والبيهقي ، بإسنادهم جميعاً عن سعيد بن المسيب قال : إنّ رجلاً من أهل الشام يقال له ابن خيبري ، وجدَ مع امرأته رجلاً فقتله أو قتلهما معاً ، فأشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء فيه ، فكتب إلى أبي موسى الأشعري يسأل له علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عن ذلك ، فسأل أبو موسى عن ذلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقال له علي ( عليه السلام ) : ( إنّ هذا الشيء ما هو بأرضي ، عزمت عليك لتُخبرني ، فقال له أبو موسى : كتب إليّ معاوية بن أبي سفيان أن أسألك عن ذلك ، فقال علي ( عليه السلام ) : أنا أبو الحسن القَرم (1) ، إن لم يأتِ بأربعة شهداء فليعط برمته ) (2) .
قال ابن شهر آشوب : إن كان الزاني مُحصناً فلا شيء على قاتله ؛ لأنّه قتل مَن يجب عليه القتل (3) .
13 - معاوية يعترف : علم علي ( عليه السلام ) أجمع العلوم وأحكمها .
بعث جواسيس معاوية إليه نبأ انتصاب مالك الأشتر والياً على مصر من قبل
ـــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) القَرم : قال ابن الأثير في النهاية 4 : 49 مادة قرم : القَرم أي المقدّم في الرأي .
( 2 ) الموطأ 2 : 738 كتاب الأقضية باب ( 19 ) باب القضاء فيمَن وَجد مع امرأته رجلاً ح 18، مسند الشافعي 2 : 362 - 363 ، كتاب الجنائز والحدود ، السُنن الكبرى 8 : 230 ، وج 10 : 147 ، كنز العمال 15 : 83 - 84 ح 40198 أخرجه عن الشافعي ، وعبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي ، تيسير الوصول 4 : 86 باب من قتل زانياً بغير بيّنة ح 1، السيرة الحلبية 3 : 149.
( 3 ) المناقب لابن شهر آشوب 2 : 41 .
تعليق