خلق الله الانسان مزيجا من عنصرين. مادي (الجسد) ومجرد (النفس). لكل عنصر خصائصه ومميزاته وانشطته. ففي الجسد الأجهزة المختلفة كالهظم والدوران إضافة الى الحواس، وفي النفس المشاعر المختلفة كالحب والكره وغير ذلك.
وفي هذا المزيج، ثمة نقطة توقف عندها الكثير من الفلاسفة والعلماء في محاولة تفسيرها والكشف عنها، وهي علاقة التأثر والتأثير المتبادلة بين العنصرين مع عدم السنخية بينهما !!
فمثلا حين يتلقى الانسان نبأ مفجعا، وتأثيره في النفس، نجده يتعرض لأذى مادي مثل السكتة القلبية. وكمثال آخر حركة اليد، وهي تبدأ من فكرة أو إرادة في الذهن المجرد ـ حين يقرر الانسان أن يحرك يده ـ وهذه الارادة تنتقل من الذهن المجرد الى الدماغ المادي فيوعز الدماغ عصبا، وهو أقرب مايكون الى الشحنة الكهربائية، الى اليد دون سائر الاعضاء الاخرى، فتتقلص عضلة اليد بالشكل الذي يتلائم مع الارادة الكائنة في الذهن.
ومهما قال الفلاسفة والعلماء في صدد هذه العلاقة من تفسير وكشف، فإن مايهمنا هو وجودها على صعيد الواقع.
ذلك الوجود الذي يجعلنا نجد أن تلك النخبة المؤمنة من اهل التصوف الفعليين والعرفاء، في طريقهم الى الارتقاء الى الله عبر رياضاتهم الروحية من صلوات وأذكار، وهي ممارسات من أنشطة النفس، فإنهم يعمدون الى ممارسة أخرى تتعلق بعنصر الجسد ألا وهي قلة الاكل وبساطة أنواعها بل ربما يصل الى الامر الى تعمد الجوع. وذلك لعلاقة التأثر والتأثير بين الجسد والنفس. فالعارف إنما يبذل جهده في سبيل تخفيف الروح لتتمكن من الصعود والارتقاء، والطعام يعرقل هذا الصعود..
هذا بالنسبة للنخبة التي أراد أبناؤها طريق الوصول الى الله والسعادة في حضرة النور الألهي، فتفضل عليهم بالتوفيق والسداد.
فماذا عن السواد الأعظم من الناس الذين تشغلهم الحياة ومطاليب العيش؟!
هؤلاء لم يتركهم الله سبحانه، بل هيأ لهم السبيل الى سعادة الدنو من الحق سبحانه. وذلك عبر برنامج عبادي متميز وهو (صيام شهر رمضان)
حيث منع الطعام والشراب ليساعد الجوع وقلة الاكل على تحفيز ملكات الروح على التحرك والارتقاء.. ثم ميّز العبادة في هذا الشهر من صلاة وأذكار وقراءة للقرآن بأن جعل ثواب القيام بهذا في شهر رمضان مضاعفا.. ليحث الانسان على عدم تفويت الفرصة في القيام بنفس الفعل العبادي الذي يؤديه في غير شهر رمضان، وبثواب مضاعف. هذا مع قلة الاكل. ليكون له، في النهاية، فرصة العمل بعمل العارف الذي يحظى بدرجات عالية من الوصول الى الحق جل وعلا.
الشيخ صلاح الخاقاني
تعليق